اختارت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، خمس محتويات صغيرة تناولت من خلالها كل ما يدور حول قضية ختان الإناث، وكيف شغلت الأخيرة شعوب العالم الثالث فى محاولة جديدة لتصحيح ما ارتبط بهذه المسألة من مفاهيم خاطئة وآراء غير صحيحة. جاء ذلك فى كتيب صغير لا تتعدى صفحاته ال20 صفحة من القطع المتوسط، صدر مؤخرا عن المجلس القومى للمرأة تحت عنوان "المنظور الإسلامى لقضية ختان الإناث". انتهاك كرامة المرأة وقبل أن نتطرق عزيزى القارئ لمحتوى الكتاب كان لا بد من الإشارة إلى مقدمة رئيس المجلس القومى للمرأة السفيرة مرفت التلاوى، فالأخيرة كل ما قالتها فى سطور قليلة كانت جمل تأكيدية أرادت من خلالها التركيز على أن آيات القرآن الكريم لم تذكر هذه العادة الإطلاق، كما أن السنة النبوية لم تأت بدليل واحد صحيح السند يستفاد منه حكم شرعى فى هذه المسألة بالغة الخطورة على الحياة الإنسانية. ويتبقى فى الأخير تأكيدها على أن أى انتهاك لكرامة المرأة يعد عدوان عليها وجهل بأمور التربية ومقومات الأخلاق، مؤكدة أن العفة والصون لا تكون بقطع أجزاء من جسد الإنسان، تحت زعم اتقاء ما حرم الله. حقيقة الختان أما نصير، فقد بدأت مؤلفها بتأريخ بسيط كان من شأنه الوقوف حول نشأة الختان وأى الشعوب أكثر ممارسة لهذه العادة التى مورست فى البدء من قبل جماعات عرقية كثيرة بدءا من الساحل الشرقى إلى الساحل الغربى لأفريقيا، وفى المناطق الجنوبية من شبة الجزيرة العربية، وفيما بين المهاجرين من هذه المناطق فى غوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية. ولكن ما يستدعى الدهشة فى مقدمة نصير، هو دور العرب واليهود فى ترسيخ هذه العادة لدى الشعوب العربية والأفريقية، مما دعاها للتأكيد على أن هذه المفردة تطلق بشأن الإناث على سبيل التجاوز وليس على سبيل الحقيقة مما أعطى هذه العادة بعض التثبيت فى عقول الكثير من الناس، موضحة أن مصطلح الختان يطلق على للرجل وانسحب على الأنثى من باب العموم، أما التعبير الأدق للإناث فهو "الخفاض". الختان وارتباطه بأوضاع المرأة فى هذا الفصل شغل نصير، الأوضاع العامة التى أحاطت بالمرأة من مورثات ثقافية فى شكل عادات بيئية أو غيرها مما توارثتها الحضارات المختلفة عند بنى إسرائيل أو عند العرب فى الجاهلية، فسواء فى هذه أو تلك وقع على المرأة ظلم واضح لم يتبدل إلا بمجيء الإسلام وتغيره لمسار فكر البشرية، ورغم وضوح موقف الشريعة الإسلامية من المرأة إلا أن الموروثات البيئية كانت أقدر على ضياع حقوقها وعدم إنصافها حتى بقيت تتحكم فى أمورها جميعا عن طريق استخدام المنظور الدينى فى تغذية الكثير من الأمور على رأسها عادة ختان الإناث وارتباطها بطهارة ونقاء الفتاة، بغرض الحيد عن الحق والموضوعية وتغليب نصوص ضعيفة من شأنها ترسيخ عادة ختان الإناث إلى هذا العمق. "الخفاض" فى الإسلام تعود بنا صاحبة الكتاب إلى مفردة الخفاض فى هذا الفصل مجددا لتوضح أنها الأدق ولكن لا زالت غريبة عن الناس بسبب الموروث الثقافى والدينى الشائع لتعريف هذه العادة بالختان لا الخفاض، وفى عدة نقاط وضحت نصير أن القرآن الكريم قد خلا من أى نص يتضمن إشارة إلى ختان الإناث أو حكم شرعى بالإجماع يؤكده. أما ما ورد فى السنة النبوية وأشهر الروايات المتعلقة بهذه المسألة كانت عدة نصوص جميعها ضعيفة السند مثل: رواية "أم عطية" وهى امرأة كانت تقوم بختان الإناث فى المدينةالمنورة، ونص الحديث فالمثبت فى هذا الشأن يقول أن النبى قال لها "يا أم عطية أشمى ولا تنهكى فإنه أسرى وأحظى عند الزوج". وهذا الحديث رواه الحاكم والبيهقى وأبو داود بألفاظ متقاربة إلا أن جميعهم رووه بأسانيد ضعيفة، أما الحديث الثانى الذى يردد ويستند إليه أن النبى قال: "الختان سنة للرجال ومكرمة للإناث"، وقد بين الحافظ زين الدين العراقى أن الحديث ضعيف السند ومنقطع وأن الإجماع منعقد على ختان الرجال. رأى الفقهاء والعلماء المعاصرين وفى فصل كامل دعمت نصير، فكرة كتيبها بعدة فتاوى وتوصيات من قبل علماء وفقهاء معاصرين مثل فتوى الشيخ محمود شلتوت، الذى قال فيها أن الشريعة تؤكد على إقصاء أى مبدأ قد يلحق ضررا أو فسادا خلقيا بالإنسان، ثم بنى حكم الشرع فى الختان على قاعدة عامة هى: "إن إيلام الحى لا يجوز شرعا إلا لمصلحة أما ختان الإناث فالضرر فيه محقق صحيا ونفسيا". أما الشيخ سيد سابق، فيقول بصراحة قاطعة: الختان لا يجب على الإنثى وتركه لا يستوجب الأثم، ولم يأت فى الكتاب أو السنة ما يثبت إلزام الأمر. وفى الآخر أعلن الشيخ محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الأسبق رأيه فى قضية الختان بجملة واحدة: "الختان سنة واجبة للذكور، أما بالنسبة للإناث فلا يوجد نص شرعى صحيح يحتج به على ختانهن".