دعا الفقيه الدستور والقانوني عصام الإسلامبولي، إلى ثورة على المفاهيم القضائية لتحقيق العدالة الناجزة والقضاء على بطء التقاضي في مصر، مشيرًا إلى وجود تناقض واضح بين مواد الدستور الجديد، وما تتضمنه ترسانة القوانين المنظمة لعمل الدستور. وأوضح المحامي المعروف، أن القضاء لم يتغير عن عهد مبارك، مشددًا على ضرورة تفرغ القاضي للفصل في الدعاوى المنظورة أمامه، مشيرًا إلى أهمية الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة في أعمال السلطة القضائية.. وإلى نص الحوار: تعانى منظومة القضاء في مصر من مشاكل كثيرة.. هل يمكن أن تطلعنا على أبرز تلك المشاكل؟ المنظومة القضائية تشمل 3 محاور: القضاة، القضايا، المتقاضين، كل محور يحتاج إصلاحات لا حصر لها، فالقوانين الموجودة تحتاج إعادة النظر من جديد؛ لأن الدستور الجديد تضمن عدة أمور لا بد أن تنعكس على هذه القوانين القائمة ليكون هناك تفاعل بين ما جاء من نصوص وما جاء في الدستور، فهناك تناقض بين النص الدستوري والقوانين، وبعض القضاة يرفضون تطبيق نصوص الدستور بشكل تلقائي بحجة عدم وجود قانون بذلك، أما المنظومة الدستورية التي نظمت أوضاع القضاء، فأخطر ما جاء بها الجزء المتعلق بالسلطة القضائية، فأعتقد أنه يشوبه كثير من المجاملات لأنه يخرج على الأصول العلمية للسلطة القضائية، فإلحاق هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية والمحامين والخبراء مخالف للمنطق والعلم، حتى ما جاء في النصوص يستلزم إجراء تعديل سريع للسلطة يتواءم مع ما جاء بالدستور، وتعديل قوانين مجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة وقانون المحاماة والخبراء كي يكون هناك توافق بين النصوص والدستور. ما الجهة المنوط بها إصدار القوانين المنظمة للسلطة القضائية؟ القوانين المنظمة لأحكام السلطة القضائية يجب أن تصدر عن السلطة التشريعية المختصة وهي مجلس النواب، ولكن الآن هناك ضرورة تحتم صدور هذه القوانين الآن؛ لأن هذه النصوص تصطدم مع الدستور، أيضًا النصوص الخاصة بحقوق المواطن تحتاج إلى إعادة نظر كقانون المرافعات والإجراءات والعقوبات؛ لأن بناء دولة سيادة القانون وتفعيل الدولة المدنية يستلزم تعديل كل هذه النصوص. كيف يمكن التغلب على إجراءات بطء التقاضي؟ تأجيل القضايا لمدة زمنية طويلة يعد «ضرب في صميم العدالة»، فبعض القضايا تظل منظورة أمام المحاكم حتى يتوفى صاحبها، فأصبحنا نحتاج ثورة على المفاهيم القضائية، ولا بد أن يتفرغ القاضي تماما للمنصة ولا يشغله شيء عن الفصل في قضايا المواطنين - وفقا لعمله - حتى يكون لدينا عدالة ناجزة وسريعة دون إهدار للحقوق والضمانات القانونية، بالإضافة إلى ضرورة استيعاب التكنولوجيا الحديثة كوسائل للإثبات في القضايا ليكون هناك مواكبة حقيقية مع الواقع واستخدامها في التقاضي وتقنينها بشكل كامل حتى نصل لعدالة تليق بدولة كمصر، فمازال الدستور حبرًا على ورق، ولا يوجد دستور حقيقي مطبق على أرض الواقع، وبذلك نعيد النظام السابق والأسبق وهما اللذان سقطا نتيجة إهدارهما للدستور، ولن نقبل مرة أخرى أن يكون لدينا دستور «مركون على الرف»، فإجراءات التقاضي سيئة للغاية نتيجة التكدس الهائل للقضايا وهناك نصوص تعوق سرعة الفصل في القضايا، ولابد من إعادة النظر في إجراءات نظر الدعاوى وتحديثها، بالإضافة إلى ضرورة إصدار قانون ينظم استئناف الأحكام الصادرة في محاكم الجنايات. ما دور الدولة لتمكين القضاء للقيام بدوره على أكمل وجه؟ النصوص القضائية بأكملها تحتاج إلى تعديلات، فنحن في حاجة إلى ثورة للإصلاح التشريعي القضائي، وذلك عن طريق عقد مؤتمر إصلاحي ينظمه الرئيس وترعاه الدولة تمثل فيه كل جهات التقاضي والمحامين والمواطنين لإنجاز منظومة قضائية متكاملة حديثة، فلم يعد معقولا على الإطلاق توريث الوظائف القضائية، لأن ذلك يجعلنا في دولة غير دستورية ولا ديمقراطية، ولا بد من تعديل قوانين مجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة وقانون المحاماة والخبراء والإثبات والعقوبات لدفع عملية القضاء إلى الأفضل. ما أشهر القضايا التي ظلت منظورة أمام القضاء سنوات طويلة؟ قضية الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، فإذا كان لدينا نظام قضائي متكامل لما ظلت قضية مبارك كل هذه المدة الطويلة، فهناك نصوص في قانون السلطة القضائية ومحكمة النقض هي التي تؤدي إلى هذه الفترات الطويلة، وهناك قضايا في مجلس الدولة حتى الآن يفصل فيها بعد توفى صاحبها. هل ترى أن هناك تجارب إصلاحية في بعض الدول يمكن الاسترشاد بها؟ مصر تمتلك تراثا قضائيا رائعًا، فمحكمة النقض موجودة منذ عام 1931، والمحكمة الإدارية العليا منذ 1955، والمحكمة الدستورية العليا منذ 1969، فمصر هي التي صدرت القوانين إلى الدول العربية، وأساتذة القانون في مصر هم الذين وضعوا دساتير العالم، ولكن علينا تنقية دستورنا من سلبياته، فأحيانًا القوانين تعيق القاضي في تحقيق العدالة، ويجب النظر إلى ما تفعله الدول المتقدمة من أساليب حديثة مثل الاعتماد على الوسائل التكنولوجية الحديثة في القضايا. كيف ترى القضاء في عهد مبارك ومرسي والسيسي؟ لم تختلف.. منظومة القضاء كما هي لأن القوانين مازالت كما هي ولم يمس في جوهرها شيء، فالدستور ما زال حبرًا على ورق، والنصوص القضائية تكبل القضاة في تحقيق العدالة، والقضاة بمجلس الدولة هم الذين حرضوا الشعب المصري على قيام ثورة يناير نتيجة الأحكام القضائية التي حكمت ببطلان انتخابات مجلس النواب في عهد مبارك فهي التي أعطت الإشارة إلى أن هذا النظام فاسد، فقد صدر 1200 حكم ببطلان الانتخابات ولكن تم إلغاؤها، بالإضافة إلى وجود ثغرات في القوانين في عهد مرسي ومبارك ويجب استيعابها والقضاء عليها، ولا بد من إعادة النظر فيها، وكنا نأمل أن تتصدى لجنة الإصلاح التشريعي لتعديل تلك القوانين. هل القضاء المصري نزيه بنسبة 100% ؟ القضاء بالطبع نزيه، ولكن القوانين تعرقل مسيرة تحقيق العدالة الحقيقية، وذلك نتيجة عدم تطبيق الدستور، فالقاضي يحكم بما أمامه من أوراق فقط، فالقوانين معيبة وتحتاج ثورة تشريعية، كما يجب القضاء على فكرة التفريق بين المواطنين في العقوبات، والمساواة بينهم والتخلص من فكرة العنابر المخصصة لرجال الأعمال، وللفقراء.