ما بين عشية وضحاها.. تبدل حال أسرة بسيطة من حال إلى حال.. استقرارها تحول إلى فزع ورعب.. ومرحها غدا هماً وغماً وحزناً لا ينقطع.. فالأب ارتكب واحدة من أبشع الجرائم وأغربها، وتسبب فى فضيحة ابنته الكبرى، وعندما عقد العزم على قتلها وجهَز لها القبر، قتلته أمها وشقيقها ودفناه فى ذات القبر الذى أعده لابنته.. مات الأب وسجنت الأم والشقيق، وبقيت الفتاة وحيدة تحمل عارا لن يمحوه الزمن، ومسئولية 6 أشقاء فقدوا كل شىء فى لحظات.. محقق "فيتو" اهتم بالقضية رغم حساسيتها، وقرر البحث فى تفاصيلها المثيرة من خلال حواره مع بطلتها، واعترافات القاتلة.. ويرصد ما توصل إليه فى السطور التالية: فى منزل كبير وسط الأرض الزراعية بقرية منشية البدوى التابعة لمركز طلخا بالدقهلية.. التقى المحقق بالابنة «سيدة».. هى فتاة شابة على قدر كبير من الجمال، غير ان الحزن بدل ملامحها وأفقدها نضارة الشباب.. سألها عن حكايتها طالباً منها الحديث بالتفصيل.. تنهدت فى حسرة وألم قبل أن تجيب: " هى ليست حكاية.. هى مأساة أو كابوس أو كارثة حلت على رأسى.. فقدت الأب والأم والشقيق.. حتى الأقارب اعتزلونى وتركونى مع أشقائى نواجه أعباء الحياة بلا عائل.. تلاحقنى نظرات الشماتة والسخرية من كل أهل القرية.. بدأت حكايتى منذ عامين تقريبا.. وقتها تقدم لخطبتى شاب من اهل القرية ووافقت عليه.. بعد أسابيع بدأ والدى يتودد إلى بطريقة غريبة، ويتعامل معى وكأننى زوجته ولست ابنته.. تطور هذا الأمر تدريجيا إلى ان حاول الاعتداء علىَ.. قاومته بكل قوتى وهددته بالفضيحة.. لم يرتدع وواصل مضايقته لى، وراح يضربنى ضربا مبرحا مستخدما عصا غليظة وكرباجا.. لم أصمد طويلا ووقعت الكارثة.. وتكررت عدة مرات فى غياب أمى التى كانت تشك فى الأمر، وأشقائى الذين كان يجبرهم على المبيت وسط الزراعات.. بعد نحو شهرين شعرت بآلام حادة فى بطنى، واصطحبتنى امى للطبيب، وأكد لها أننى حامل.. لم تخبرنى وعندما عدنا إلى المنزل دخلت فى مشادة كلامية مع والدى انتهت باعترافه لها بجريمته، واتفقا على إجهاضى وهو ما حدث بالفعل عن طريق طبيب فى قرية بعيدة عن قريتنا مقابل 2000 جنيه".. صمتت سيدة قليلا واستطردت: " لم استطع كتمان الأمر على خطيبى، خصوصا مع اقتراب موعد الزواج، فصارحته بكل شيء.. تعاطف معى بشدة ولكنه اكد انه لن يستطيع الاستمرار معى، وفسخ الخطبة دون ان يأخذ ذهبه أوهداياه.. استغل والدى هذه الظروف وكرر جريمته معى مرة اخرى تحت تهديد القتل والضرب، وكان يخبر أمى بكل شيء.. لم أحتمل البقاء فى هذا المنزل، فهربت إلى أقاربى فى قرية بعيدة مع شقيقى زكى.. بقينا هناك لأكثر من شهرين، أشاع خلالهما والدى بين اهل القرية أننى أخطأت مع خطيبى وهربت، وانه يعتزم قتلى فور عودتى.. وأقنع أمى بالفعل بضرورة التخلص منى، بعد ان كتب لها فدان أرض والمنزل باسمها، حتى لا تفضح أمره.. وبالفعل حفر قبرا لى وسط الزراعات". توقفت "سيدة" عن الحديث للحظات وواصلت: "امى كانت تعلم جيدا أننى مظلومة، وان والدى هو الذى دمر الأسرة كلها، لذلك عقدت العزم على التخلص منه.. ذات ليلة جلست مع شقيقى زكى واخبرته بكل شيء، واتفقا على التخلص منه.. يوم الحادث انتظراه حتى عاد من عمله فى الحقل، واستغلا نومه بجوار المنزل من شدة الإرهاق، وانهالا على رأسه ضربا بفأس وشومة حتى قتلاه.. وفى المساء انقطعت الكهرباء عن القرية، فوضعا الجثة داخل جوال، ودفناها فى القبر الذى اعده لدفنى، غير انهما لم يحكما الدفن.. بعد عدة أيام تجمع أهالى القرية وأخرجوا جثته بعد أن فاحت رائحتها.. امتلأت القرية برجال المباحث وألقوا القبض على أمى وشقيقى.. أما انا فأعيش وحيدة حزينة.. أحمل على ظهرى مسئولية ستة من الأشقاء بينهم 4 بنات فى سن الشباب فقدن الامل فى الزواج، وولدان فى مراحل التعليم لا يجدان من ينفق عليهما.. كل ذلك إلى جانب العار الذى احمله على رأسى ولن يمحوه الزمن". اكتفى المحقق بما حصل عليه من معلومات من "سيدة" وتركها وسط أشقائها، تجتر احزانها وتنتظر مصيرها المجهول.. وانطلق الى مركز شرطة طلخا بحثا عن المزيد من التفاصيل فى هذا الحادث المثير.. هناك التقى العميد "عماد الخولى" مامور المركز وسأله عن الحادث، فأجاب: " هو حادث شائك وفيه قدر كبير من الغموض.. فالزوجة "امانى. ع" اعترفت تفصيليا بقتل زوجها "عبد الغنى"، بالاشتراك مع ابنها زكى (17 سنة).. وقالت فى التحقيقات إنهما ارتكبا الجريمة بعد ان اعتدى القتيل على ابنته، ثم عزم على قتلها حتى لا تفضح أمره، غير أن الام تعاطفت معها واتفقت مع نجلها على التخلص منه اولا.. وأقرت بأنها غير نادمة على جريمتها ولو عاد الى الحياة لقتلته عشرات المرات".. عاد المحقق يسأل: " هل هناك سيناريوهات أخرى للجريمة كشفت عنها التحريات؟".. قال الضابط: " التحريات توصلت إلى احتمال أن تكون الفتاة أخطأت بالفعل مع خطيبها بعلم والدتها، وعلمت بنية والدها قتلها فهربت بعيدا عن القرية، وأن الأم قتلته حتى لا يفضحها.. وهناك احتمال آخر أشار إليه شقيق القتيل "حمدان"، وهو ان الزوجة علمت بخيانة زوجها لها مع سيدة أخرى، فقررت الانتقام منه، ثم اختلقت قصة الاعتداء على الابنة حتى تكسب تعاطف الجميع معها.. غير ان هذين الاحتمالين لا يوجد دليل واحد على صحة أحدهما".