علاقة ملائكية تربط بين صديقين مسلم ومسيحي.. أشبه بنبتة حب فى تربة تسامحية.. عمرها يقترب من الأربعين عاما.. شجرتها طيبة فى الكلمة والسلوك.. تصلح لأن يستظل فى ظلها الآخرون فهى نموذج للحياة يحتذى به تحت شعار «الدين لله والوطن للجميع». حكاية العلاقة سردها ل «فيتو» المحامى لطفى جيد إبراهيم شحاتة مصرى قبطى يبلغ من العمر 63 عاما حيث قال: فزت بجائزة العمرة فى مسابقة الأهرام الدينية فى 2011 وأهديتها لأخى وصديقى وحبيبى المسلم المهندس ممدوح عبد الوهاب محمد الذى يعيش فى بورسعيد. كاشفا عن سر الارتباط النفسى والوجدانى بصديقه المسلم قال: تعرفت على المهندس ممدوح فى إحدى القواعد الجوية بمطار أبو صوير أثناء مشاركتنا فى حرب السادس من أكتوبر عام 1973 ووجد كل منا فى الآخر قبولا لا ينقطع وصداقة وألفة دائمة وقائمة على الوطنية وحب الوطن مع احترام كل منا لديانة الآخر. جيد أكد ل«فيتو» أنه كان أثناء الحرب يعيش فى غرفة مستقلة وصديقه فى غرفة أخرى ولكن الطباع المشتركة وأهمها التسامح وحب الوطن جعلت منهما كيانا واحدا طوال تأديتهم للخدمة الإلزامية وأثناء حرب الشرف والكرامة الوطنية. بود وإخلاص كان جيد يقوم بإعداد السحور لصديقه ممدوح لأنه كان مصرا على الصيام أثناء الحرب رغم حصول الرئيس الراحل أنور السادات على فتوى من شيخ الأزهر تبيح الإفطار للمشاركين فى الحرب وإصدار السادات أمرا عسكريا بذلك إلا أن قوة إيمان ممدوح بشهادة صديقه جيد أعانته على استكمال الصيام وسط نيران الحرب. مفتخرا بأبدية الصداقة أضاف جيد أن العلاقة بينهما تنمو وتكبر إلى الآن لأنها قائمة فى الأساس على الإخلاص والوفاء والوطنية وحب كل منهما للآخر بعيدا عن الرياء مؤكداً على أن الزيارات الأسرية المتبادلة مستمرة بينهما إلى الآن بفضل القواسم المشتركة التى تربطهما معا. مسترجعا موقفا دالا على أن المصريين شعب واحد برغم الفرق فى الديانة قال جيد: صديقى ممدوح وجد صعوبة فى الحصول على إجازة لتوديع والدته بعد أن كتب لها الله الحج وطلب منى أن أكون أنا فى وداعها بالمطار وكانت تسكن حينها فى حدائق القبة وبالفعل قمت بعمل ما طلبه منى وشعرت وقتها بأن والدته تشعر كأننى ابنها ممدوح وأرسلت له معى وصية بألا يتخلى عنى أبدا ويجعلنى له صديقا دائما طوال الحياة وها نحن معا على وصيتها سائرون إلى أن يقضى الله أجلا كان مفعولا. عن حكاية الجائزة التى أهداها لممدوح قال: أنا خريج آداب قسم فلسفة وبعدها حصلت على ليسانس الحقوق ولدى اطلاع واسع بالإسلام والثقافة الإسلامية فاتفقت مع أخى ممدوح بأن ندخل معا المسابقة لتكون لديه فرصتان، فرصتى وفرصته وبالفعل فزت بها من بين 350 ألف متسابق وساعدنى على ذلك حفظى لكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقدسية وبعد أن حصلت عليها تنازلت عنها لصديق الذى تربطنى به التلقائية فى التسامح الديني. كاشفا الجانب الملائكى فى شخصيته أكد جيد أن لديه مصاحف عديدة يحتفظ بها فى بيته قائلا: أعبد الله بطريقتى وغيرى يعبده بطريقته ولكننا نعبد إلها واحدا سيحكم بيننا يوم العرض عليه وكنت فى غاية السعادة وأنا أهدى لصديقى المسلم الجائزة لأداء العمرة فى أول فوج فى شهر مايو القادم ولم يكن لى مطلب منه سوى الدعاء لى بالخير وهو فى الكعبة الشريفة. عن كرم صديقه المسلم معه قال جيد: الزيارات المتبادلة مع صديقى ممدوح لا تنقطع وعندما أزوره ومعى أسرتى فى بورسعيد يترك لنا الشقة عامرة بكل الخيرات لأكثر من أسبوع ويذهب هو وأسرته للعيش فى شقة أخيه الذى يعمل فى الإمارات مؤكدا أنه يبادل الحب بالمثل فعندما تزوره أسرة ممدوح فى بيته بالقاهرة يترك لهما شقته وبها كل متطلبات الحياة. العلاقة جماعية وليست ثنائية فكل أفراد الأسرتين متحابون على التسامح الدينى وقد حضر ممدوح حفل زفاف جيد وهناك صور تذكارية لزوجتيهما معا ولكل أفراد الأسرتين وأثناء مذبحة بورسعيد والشائعة بقطع الإمدادات الغذائية عنها ظل جيد على اتصال دائم بصديقه ممدوح وكان يذهب إليه بالحاجات التى يحتاجها ويطلبها منه ويقول جيد عن ذلك إنه بمثابة رسالة لكل من ينفخون فى أبواق الفتنة الطائفية مفادها أن رياح التسامح القوى بين المسلمين والمسيحيين سوف تطفئها فى مهدها لأن قليلا من أكواب الماء يطفئ النار المستعرة. مستشهدا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «تبسمك فى وجه أخيك صدقة» أكد على أن الدين الإسلامى لا يعرف الكراهية شأنه شأن الدين المسيحى مطالبا عقلاء الأمة المصرية بالتصدى للمروجين للفتنة والحفاظ على مصر كأسرة واحدة لأن فى الفرقة خرابا لمصر كلها. جيد اختتم حديثه بأن وحدة المصريين مسلمين ومسيحيين عصية على رياح الاعوجاج والفتنة لأنهم جميعا متسامحون مستشهدا على ذلك بالعلاقات الطيبة التى كانت تجمع البابا شنودة الراحل قبل رحيله وسيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق وبالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الحالى وكذلك بزيارة الشيخ الراحل متولى الشعراوى للبابا شنودة فى الكاتدرائية عام 1994 ناصحا المسلمين والأقباط بالتحلى بتلك الرموز الدينية فى الحب والمودة والتسامح.