لم تكتف «الإخوان المسلمين» بالانتقام من معارضيها، وتشويه صورتهم والإساءة إليهم وهم أحياء، لكن حتى من تواروا فى قبورهم، لم تتركهم الجماعة في حالهم، لكنها أصرت على الانتقام منهم أيضا وبلا رحمة. ما حدث بالأمس القريب خير دليل على ذلك،ففي الوقت الذي كان فيه أحرار العالم المتيمون بالتجربة الناصرية يحتفون بذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر-المتوفى في 28 سبتمبر 1970-كانت الجماعة تمارس هوايتها بالإساءة للرجل وتاريخه، الذي قدرته دول العالم واحترمه الأعداء قبل الأصدقاء. واليوم وصلت قافلة الإخوان الانتقامية للشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي ليمارسوا معه لعبة الانتقام لكن بشكل مختلف بعض الشيء وفي التفاصيل دوما تكمن المفاجآت.. الاخوان قرروا ان يغيبوا الشعراوي من شاشات التليفزيون، عن طريق استبدال تفسير الشعراوي واحاديثه الشيقة التي يعرضها التليفزيون المصري ويلتف الفقراء والاغنياء على حد سواء لمشاهدتها، بتفسير واحاديث روحية يقدمها احد كبار قادة الجماعة، وهو الدكتور عبد الرحمن البر عميد كلية اصول الدين بجامعة الازهر فرع المنصورة وعضو مكتب الارشاد, والمعروف بمفتى الاخوان. بداية القصة تعود لاجتماع عقده مكتب الارشاد في أغسطس الماضي، وطرح في هذا الاجتماع ضرورة ان يكون للاخوان تواجد ديني في قنوات التليفزيون، وان يتم استبدال البرامج والاحاديث الدينية التي يقدمها بعض الدعاة والمشايخ ببرامج اخرى يقوم بتقديمها مشايخ ودعاة منتمون للاخوان. وتزعم الثنائي الشيخ جمعة أمين ومحمد رشاد البيومي اتجاها داخل الجماعة عززته توصية من الدكتور عبدالخالق الشريف مسئول قسم التربية بالجماعة بضرورة استبدال احاديث الشعراوي واحاديث الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية باحاديث وبرامج يقدمها دعاة ومشايخ منتمون لمدرسة الاخوان الدعوية نظرا لما لهذه البرامج والاحاديث من تأثير خاصة في اوساط الاسر الفقيرة ومحدودة الدخل المتدينة بطبعها، وتحديدا تلك الاسر التي تسكن في القرى والارياف. وفي البداية فكرت الجماعة في الدفع باثنين من قادتها لتقديم هذه البرامج والاحاديث وهما جمعة امين وعبد الخالق الشريف وكان الخيار الثالث متمثلا في الدكتور محمد عبد الله الخطيب مفتي الجماعة السابق،إلا انه في نهاية الامر تم اختيار البر نظرا لأن مكتب الارشاد يرى ان لديه كاريزما تمكنه من الوصول بسرعة لقلوب المشاهدين قبل عقولهم. واعتمدت خطة الاخوان على ان يكون هذا الامر تدريجيا، بمعنى ان يقوم البر بتسجيل عدة حلقات من البرنامج مدة كل حلقة 10 دقائق فقط، وان يقوم بعض المشايخ والعلماء بتسجيل عدة حلقات من نفس البرنامج، وبنفس المدة ويقوم التليفزيون باذاعة هذه الحلقات تباعا في اوقات الذروة، حتى يحظى البرنامج بنسبة مشاهدة عالية، ومن بعدها يتم الغاء احاديث الشعراوي او اذاعتها في وقت متأخر ليلا، وهو نفس الامر الذي سيحدث مع برنامج الدكتور على جمعة الذي تخطط الجماعة لتهميشه، تحت دعوى انه ذو نزعة صوفية، ولا ينتمي لمدرسة الاخوان الدعوية والفكرية. وبالفعل بدأت الجماعة في تنفيذ خطتها عبر وزير الاعلام صلاح عبد المقصود الذي وافق على تسجيل حلقات برنامج جديد يحمل اسم»نفحات ايمانية» مدته 10 دقائق،وقام البر بتسجيل 16 حلقة منه، اضافة الى بعض علماء الدين الآخرين الذين لم يسجل بعضهم سوى ثلاث حلقات فقط. وتبدأ المرحلة الثانية من خطة الاخوان، والتي ستقوم فيها الجماعة بفرض عبد الرحمن البر داعية رئيسى في التليفزيون المصري،المثير في الامر ان هناك شائعات كثيرة تملأ مبنى ماسبيرو عن تقاضي البر مبالغ كبيرة نظير الحلقات التي قام بتسجيلها. السؤال الآن لماذا ينتقم الاخوان من الشيخ الشعرواي، خاصة وان الرجل كان عضوا بالجماعة؟!..الاجابة ببساطة لأن الرجل انشق عن الجماعة وقال رأيه في دعوتها بكل صراحة. فعلاقة الشعراوى بالإخوان المسلمين قديمة جدا ، وكان يلتقى يوميا بحسن البنا مؤسس الحركة فى مقر الجماعة فى شارع (كعب الأحبار) درب القمح خلف مدرسة السنية بحى السيدة زينب رقم 14 وقال الشعراوى إنه أحب حسن البنا وانبهر بعلمه الغزير وجاذبيته، وكان يتردد على حسن البنا في هذه الدار المشايخ أحمد شريت وأحمد حسن الباقورى أعضاء مكتب الإرشاد فيما بعد. بل ان الشعراوى هو من كتب أول منشور أصدره الإخوان المسلمون بالقاهرة بخط يده، فى حضور الشيخ أحمد شريت وأرسلاه للشيخ الباقورى لأخذ رأيه فيه فوافق على كل ما جاء فيه، وعلق على ذلك قائلا :»هو حد يقدر يقول بعدك حاجة يا شعراوي فكلنا لا ينسى مواقفك العظيمة السابقة وما تقوله فى الأزهر» وختم الشعراوى منشوره بدعوة الناس إلى الانضمام للإخوان قائلا : فالجأ إلى هذه الجماعة لتأخذ هذه المناعة! لكن الشعراوى تحدث عن بداية خلافه مع الإخوان مبكرا سنة 1938م وكان السبب هو أنه ألقى قصيدة شعرية امتدح فيها سعد زغلول ومصطفى النحاس فى الاحتفال الذى اقيم لذكرى سعد زغلول الذي كان يعتبر مناسبة وطنية سنوية. وغضب حسن البنا من الشعراوى لامتداحه النحاس باشا وفى جلسة جمعت مجموعة من الإخوان وبحضور الشعراوى وعند الفجر تطرق الحديث للكلام عن زعماء مصر السياسيين وتحامل الإخوان الحاضرون على النحاس باشا .. وهادنوا صدقى باشا فاعترض الشعراوى لمن ينتسبون إلى الدين يريدون أن يهادئوا أحد الزعماء السياسيين ولا يتحاملون عليه أو يهاجمونه فليس هناك سوى النحاس باشا لأنه رجل طيب نقى .. ورع ويعرف ربنا وإننى لا أرى داعيا لأن نعاديه وهذه هى الحكمة. وقال أحد الإخوان الحاضرين : إن النحاس باشا هو عدونا الحقيقي، وهو أعدى أعدائنا لأنه زعيم الأغلبية هى التى تضايقنا فى شعبيتنا، أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن نبصق عليها جميعا فتنطفئ وتنتهي ! وقال الشعراوى إن هذا الكلام كان جديدا ومفاجئا له، ولم يكن يتوقعه بأى حال، وإنه عرف ليلتها نوايا الإخوان وأن المسألة من وجهة نظره ليست مسألة دعوة وجماعة دينية فقط، وإنما هى أيضا سياسة وأغلبية وأقلية وطموح للحكم! وقال: فى تلك الليلة اتخذت قرارى بالابتعاد عن الجماعة، وقلت لهم : سلام عليكم .. ماليش دعوة بالكلام ده!! وقال الشعراوى إنه لاحظ أثناء عضويته للجماعة أن هناك داخل الجماعة مركز قوى ضد حسن البنا نفسه، وأنه رأى بنفسه عبد الرحم السندى رئيس الجهاز الخاص السري للإخوان، يدفع حسن البنا بيده، ويكاد يوقعه على الأرض لخلاف بينهما، لولا تساند البنا على من كانوا يقفون خلفه، وأنقذه أيضا الشعراوى. ويقول الشعراوى : إن خيبة أى داعية هى أن يستعجل ثمرة دعوته، وهذا لم يحدث للنبى الكريم فكيف تستعجل أنت ثمرة دعوتك؟! وقال الشعراوى أيضا : الذى يزرع لا ينتظر الحصاد السريع إلا إذا كان ما يزرعه هو (الفجل) وعايز يأكله (ورور) بعد أسبوعين! اما الذين يزرعون النخيل فهم لا ينتظرون أن يأكلوا هم منها, فاعتبر الاخوان ان كلام الشعراوي في هذا الشأن موجه إليهم بصورة خاصة.