ليست مصادفة اختيار غصن الزيتون ليكون رمزاً للسلام، فحى الزيتون - شرق القاهرة- يرفل فى ثياب المحبة بين جميع سكانه، مسيحيين وإخوان وسلفيين وجماعات إسلامية، الحى الذى مرت به العائلة المقدسة لا يزال يتعطر ببركة البتول مريم، بأهله المسرة، والمحبة والتسامح، والترابط، الجميع «عائلة واحدة» وجيه رزق - أحد موظفى مستشفى جمعية الأقباط - ببشاشة ومودة يقول: حب العذراء هو القاسم المشترك بين مسلمى ومسيحيى حى الزيتون، فالعلاقة جميلة، والمستشفى الإسلامى يجاور نظيره المسيحى والمسجد يجاور الكنيسة. ملانة جميل - فنية معمل بالمستشفى القبطي- موضحة: أغلب المترددين علينا يأتون من المستشفى الإسلامي، محجبات ومنتقبات وشيوخ، وأصدقائى وصديقاتى مسلمون، أطفالى ولدوا هنا، وعندما تعود ابنتى قبل عودتى فهى تجلس فى شقة جارتى المسلمة. «كل من يعمل معى بالمحل مسلمون، والحاج مصطفى يعاوننى فى فتح باب محلي» بطيبة شديدة تقول مارى بشاي، هم أبنائي، واصفة المسلمين العاملين لديها، وأعيش فى حى الزيتون منذ ثلاثين عاماً، مسيحيون كاثوليك وأرثوذوكس ومسلمون نعيش فى حب ومودة وسلام، وأثناء ذروة الانفلات الأمنى كان المسلمون يشكلون لجاناً لحماية بيوت المسيحيين والكنيسة، وأنا الوحيدة المسيحية فى عمارة سكانها جميعاً مسلمون، هم يكنون لى الحب، وخصوصاً الدكتورة نادية عاشور التى لا تدخل شقتها حتى تطرق بابى وتطمئن على يومياً، نهلة صلاح - جارتها - تضيف: مارى حبيبتي، ولا يوجد فى الزيتون كلمة «مسلم ومسيحي» وهى شديدة الطيبة وسكان العمارة يكنون لها معزة خاصة. «أعيش فى هذه المنطقة منذ 33 عاماً، ومستأجر محل من الكنيسة الكاثوليكية «العائلة المقدسة بالزيتون» بنبرة هادئة مطمئنة يحدثنا الحاج أحمد عمر عبد الرحيم، مضيفاً: المسيحيون سواء أرثوذوكس أو كاثوليك يجمع بيننا الود والاحترام فالنبى «صلى الله عليه وسلم» أوصانا بالجار، وجيراننا المسيحيون محترمون ويخافون الله، وعندما أكون فى المحل ويحين موعد الصلاة أذهب إلى الكنيسة لأتوضأ، فلديهم سخان مياه، وهم يرحبون بى بشدة، ثم أتوجه إلى المسجد لأداء الصلاة، وذات مرة جاء من يحصل الايجار، فقامت السيدة «ماري» بدفع إيجار محلي، وعندما عدت من المسجد وعلمت بذلك شكرتها، لكنها قالت: هذا حقك يا حاج أحمد، والمعاملة الطيبة والمعروف متواصل بين الجميع. «نحن مصريون، لا نعرف مسيحى من مسلم»، هكذا يجسد «فايز سعد» روح المحبة، نعيش مع المسلمين حياة طيبة للغاية، ولم تحدث بيننا مشاكل على الاطلاق، على عكس ما يحدث فى مناطق مختلفة بمصر، وعندما توفيت زوجتى - منذ أيام - كانت جارتنا الحاجة أم علاء هى التى تصرخ وتبكى لفراقها، والمسلمون هنا يقومون بحماية الكنيسة، فكل منا يعبد الله بطريقته. «ليس بدافع ديني، بل بدوافع إنسانية» يقدم مستشفى السيدة العذراء خدماته للجميع، بهذا يقول مديرها د. ناجى فاروق، فمنذ 02 عاماً أنشئ المستشفى لخدمة المرضى غير القادرين، كعمل خيري، ويضم المستشفى أحدث أجهزة تشخيص وعلاج على مستوى العالم ونقدم الخدمات لجميع المصريين، فى هذا المكان الذى نالته بركة البتول مريم فى رحلتها المقدسة مع السيد المسيح، والسيدة مريم مذكورة فى القرآن ويجلها ويحترمها المسلمون احتراماً شديداً، واجتماعنا جميعاً على حبها هو السر فى ترابط أهل المنطقة والتعايش المنسجم بين الجميع، ويرد إلى المستشفى العديد من خطابات الشكر من مسلمين عولجوا بها والمعاملة هنا طيبة للغاية، وكل فرد يعبد الله بالطريقة الخاصة بدينه. «فى العمارة التى أسكن فيها مسلمون ومسيحيون، نحن جميعاً عائلة واحدة نتشارك فى جميع المناسبات» بهذا يؤكد شريف فوزى - الموظف بمستشفى العذراء- وفرحة قدوم شهر رمضان تسعدنا جميعاً، وليالى رمضان تبهجنا، ولها مذاق خاص لنا كمسيحيين، وفى العيد يزورنا جيراننا ويقدمون لنا الكحك والبسكوت. الحاجة كوثر مصطفى - موظفة بمستشفى الشهيد عاطف السادات الخيري- تضيف: أسكن فى الزيتون منذ 05 عاماً، ولدى 5 أبناء، وعندما توفى زوجى شارك إخواننا من المسيحيين فى تربية أبنائى وتعليمهم ورعايتهم، نحن جميعاً نأكل معاً فى طبق واحد، كعائلة واحدة، كنت أترك أبنائى لدى جارتى المسيحية أثناء ورديتى الليلية بالمستشفي، كان أبنائى يستذكرون دروسهم ويأكلون ويخلدون إلى النوم لدى جارتى المسيحية، لقد ساعدتنى فى تربية أبنائي، وأقربهن إلى قلبى «ماري» لدرجة أنها كانت تقوم بعمل الكعك والبسكوت قبل عيد الفطر وتقدمه لى ولأبنائى لعلمها بانشغالى فى عملى بالمستشفي، وذات ليلة جاءت للمستشفى سيدة مسيحية بها كسر فى قدمها، لم يكن معها نقود، وأدخلتها وأجرى لها الطبيب الأشعة والجبس، يارب يديم المعروف والمحبة بين الجميع. «هل يمكن أن أتشاجر مع رجل أكلت معه «عيش وملح» وبيننا محبة وعشرة سنوات طويلة؟» صلاح الدين عبد التواب - سكرتير جمعية الشهيد عاطف السادات- مستنكراً، ويضيف: فى هذه المنطقة فشلت جميع محاولات إثارة الفتنة بالزيتون أكبر كنائس مصر، ونشارك إخواننا المسيحيين أفراحهم وهم يشاركوننا أفراحنا وأتراحنا، وتقع الكنيسة بين مسجد العزيز بالله والشهيد عاطف السادات، وبالمسجدين يصلى عدد كبير من الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية، ومع هذا فالمحبة والتسامح والرحمة هى أساس العلاقة بين الجميع، وقد تربيت مع صديقى جورج وقضينا حياتنا معاً، فى المنزل والمدرسة، ويوم احتراق شقته تسابق المسلمون لإخماد الحريق، ثم شاركناه فى إعادة «تشطيب» شقته، وتربينا على أن جارك المسيحى هو أخوك. الشيخ أحمد محمد عبد العال - إمام وخطيب مسجد الشهيد عاطف السادات- يكشف عن مفاجأة بقوله: ذات مرة قام بعض البلطجية بمحاولة سرقة محل مجوهرات يملكه مسيحي، وتورط فى هذه المحاولة بلطجية مدفوعون من أمن الدولة أثناء النظام الساقط، فى محاولة لالصاق التهمة بمسلمين ثم تحدث الفتنة، لكن الأهالى نجحوا فى إلقاء القبض على البلطجية الذين اعترفوا بجريمتهم وأن المحرضين هم أمن الدولة، مضيفاً: وعندما يأتى المسيحيون لسرادق عزاء جار مسلم وأنا أقرأ القرآن فهم يطلبون سماع سورة مريم، ولا أعترف بكلمة مسلم ومسيحي، بل أعترف بكلمة مصري.