بجوار الكنيسة يصلى محمد وشطر المسجد يتضرع جرجس حانية تستقبلك.. بين أحضانها تتلقفك بحنانها الذى يشبه صوت داليدا، وعبقرية صلاح جاهين وضحكات مارى منيب الرنانة.. صلبان تعانق أهلة، وصوت مؤذن تغلفه دقات الأجراس.. شوارع دافئة في عز الشتاء، ومنازل تلد البرد من رحم الصيف.. هى شبرا الحرة «نبتة» ملائكية تظلل أوراقها رجلا مسكينا وطفلة بلا مأوى، ومن أغصانها يصنع القس جسرا ليعبر عليه الشيخ.. بجوار الكنيسة يصلى محمد، وشطر المسجد يتضرع جرجس.. فاتنة لا تعرف الفتنة.. من أحشائها خرج الفنان والكاتب والسياسى والرياضى والمهندس والطبيب والصحفى والحلاق والسباك والشيخ والقس والغنى والفقير.. لا تفرق بين أحد منهم.. من ميدان أحمد حلمى قد تبدأ الرحلة، التى لا تنتهى فى خلوصى أو مسرة أوالخلفاوى أو الدوران وشيكولانى وبدوى والترعة والعطار والعسال.. «فيتو» كانت هناك عاشت بين أهالى شبرا التى تلخصت فى ملامحها معانى الوحدة الوطنية الحقيقية وليست وحدة شاشات التليفزيون ومؤتمرات ال «يد الواحدة».. هنا حيث لا تسمع سائلا يستفسر عن دين هذا أو ذاك ، رغم تدين سكان الحى فهم يؤمنون بأن الدين لله وشبرا لأهلها. هى الحى العريق الذي لا ينام الليل أو النهار ومع ذلك لا يعرف غير الأمان عنوانا بارزا على جبهته العريضة، فمن عاش فيه يصعب عليه أن يفارقه أو من يبتعد عنه فحتما سيحن إليه حتى ولو كان زائرا متلهفا نحو ذكريات الشباب والطفولة والصبا. أما «منية السيرج» فهى مكان شهد الوحدة الوطنية بين المسلم والمسيحى حيث الجامع يعانق الكنيسة، فمسجد عمر بن الخطاب يقابله على الناحية الأخرى من شارع شبرا كنيسة مار مرقص وبينهما أناس تلتف قلوبهم حيث تستمد الطمأنينة من روح هذا المكان في كنف أضرحة ومقامات كثيرة لأولياء الله الصالحين ومنهم سيدى أحمد المعالى المنتهى نسبه إلى الإمام الحسين وهو من أصحاب وتلاميذ السيد البدوى.. ربما كان ذلك سر أن شبرا لم تعرف الطائفية وظلت نموذجا فريدا للوحدة الوطنية. وهذه كنيسة «سانت تريزا».. يتبارك بها المسلمون والمسيحيون على السواء وكان عبدالحليم حافظ يزورها ليتبارك بها أثناء مرضه! الحاج إبراهيم أحد أبناء حى شبرا ويمتلك به عقارا .. يقول: إنه نشأ وتربى فى المنزل مع الأسرة القبطية التى تجاورهم في السكن، والمكونة من سعد تادرس وزوجته وأبنائهم رامى وسامح ونادية لكنه لا يخفى انزعاجه مما ينشر عن حوادث بين المسلمين والأقباط نافيا وجود تنافر بينهما في الحى حيث يعيش الجميع - والكلام له - تحت سقف المحبة والسلام والمودة. ويروى الحاج إبراهيم ل «فيتو» إحدى ذكرياته مع أخوته الأقباط قائلا: فى مناسبة حزينة لأسرة مسلمة توافد عدد كبير من الأقباط لتقديم واجب العزاء، وعندما جلسوا على مقاعدهم طلبت من الشيخ المقرئ تلاوة سورة «مريم» لما لها من محبة لدى الطرفين المسلمين والأقباط ويشير الحاج إبراهيم إلي تبادل «القفشات» و «النكات» فيما بينهم بعيدا عن أوجه التعصب والاقتراب من العقائد الدينية.. فأنت حر ما لم تضر. ومن جهته يؤكد أحمد الطيب الطالب بكلية الإعلام جامعة القاهرة والذى يقطن بجواركنيسة السيدة العذراء بمسرة أنه كمسلم يتعامل بصورة طبيعية مع أصدقائه وزملائه الأقباط بالحى والجامعة. نسيج واحد ومن أحد شوارع شبرا أقتربنا من مرقص، حارس جراج، معظم رواده من المسلمين وبسؤاله عن أهم ما يميز العلاقة بين نسيج الوطن الواحد مسلمين ومسيحيين قال: الحفاظ على مشاعر الجيران فالمسلم يحترم المسيحى ويوقره والمسيحى يعمل على نشر الحب والود بينه وبين المسلم فروح الإخوة طاغية على الطرفين وليس لدينا فرق وكلنا مصريون وأنا من محافظة بنى سويف وأعمل بشبرا وعندما أصبت فى حادث أسرع إلىّ صديقى المسلم عمر محمود ونقلنى للمستشفى ولم يتركنى حتى مغادرتى المكان.. وهناك العديد من الأسر المسيحية تقوم بالصيام والإفطار مع إخوتهم المسلمين احتفالا بهذا الشهر.. وبدموع تدمى القلوب تحدث سمير صاحب محل موبيليا والبالغ من العمر أرذله قائلا: فلول النظام لا يريدون لمصر خيرا.. لا مسيحي معتدل ولامسلم معتدل يوافق على هذا الوضع فالمحبة والود والسلام أهم ما يميز الحياة بين المسلمين والاقباط وأبنائى كانوا موجودين فى ميدان التحرير وأخبرونى أن الناس التى نشاهدها أمام ماسبيرو وأماكن الاعتصامات الأخرى دخلاء ولم يكونوا موجودين فى يناير. وبابتسامة جميلة استقبل شوقى - صاحب محل تجارى - «فيتو» قائلا: زبائنى جميعهم من المسلمين وأقرب أصدقائى إمام مسجد ولا يوجد لدينا تعصب دينى وجميع الأماكن من مكتبات ومقاه ومحلات «طعام وشراب» مملوكة للجميع مسلمين ومسيحيين وبدون الترابط والتآخى ستحترق شبرا لكن الله ميز هذا الحى بمحبة من نوع آخر فتعايش الجميع تحت سقف واحد ومحلى من أكثر المحال التجارية التى يفضلها الإخوة المسلمون فى رمضان. وفى أحد المحال التجارية بادرنا مينا بقوله: الوحدة الوطنية لن تجدها إلا فى حى شبرا وأعياد المسلمين بمثابة أعياد لنا وأعيادنا بمثابة أعياد لهم مشيرا إلي قيامه بتوزيع العديد من لعب الأطفال بالمجان عقب صلاة الأعياد محبة منه لأبناء أصدقائه وجيرانه المسلمين. وأعرب مجدى ميلاد - جواهرجى عن حبه واعتزازه بإخوانه المسلمين الذين قاموا بحمايته عقب أحداث ماسبيرو ووقفوا أمام انتشار الشائعات المغرضة وحافظوا على محله وعدم تعرضه لأى مشكلة على مدار 04عاما فى حى شبرا منوها بأنه لم يسمع مطلقا عن فتنة طائفية بين مسلم ومسيحى مضيفا:منطقتنا الجميلة تحوى أكبر عدد من الكنائس والمساجد ومنها كنائس الأنبا أنطونيوس والسيدة العذراء مريم والشهيد مارمينا والشهيد مار جرجس وبها مسجد نصر الإسلام وعمر بن الخطاب والفتح والنور المحمدى ومكارم الأخلاق ببدران بالاضافة إلى مدارس راهبات الراعى الصالح والقديس يوسف وراهبات نوتردام والقديس بولس والمستشفيات الإسلامية والمسيحية كالمحبة والصفوة. تربية إسلامية وفى حديثه لمحرر «فيتو» قال سعد تادرس الذى يقطن مع زوجته إنهما تريبا منذ نعومة أظافرهما مع أبناء الجيران المسلمين مشيرا إلى ان والدته كانت تسافر لأهلها فى أسيوط وتتركه فى كنف الأسرة المسلمة المجاورة التى طالما احتضنته بين أبنائها كواحد منهم، وهو يلقى باللوم على أصحاب المصالح الخاصة الذين يعبثون بالبلد ويحاولون زرع فتيل الفتنة بين المسلمين والأقباط. أما حنان فتقول إن ما يجرى ليس سوى تضخيم الأمور والمبالغة فيها وإن هناك قلة تغيرت ولكن الأغلبية خاصة فى حى شبرا كما هى ولا تهتم إذا ما كان هذا قبطيا أو ذاك مسلما والأمثلة كثيرة فمعظم سكان شبرا يترددون على «مستشفيات» ومراكز طبية قبطية وإسلامية والجميع بتلك المستشفيات والمراكز يتعاونون لمساندة المريض الذى يتألم دون معرفة ديانته أو ما إذا كانت السيدة محجبة أو يزين صدرها «صليب» وعندما يطلب شخص المساعدة يسرع الجميع نحوه دون سؤاله عن دينه وتشير حنان إلي حالة التخبط التى يعيشها الشباب والفتيات حاليا بسبب بعض الفضائيات المسمومة ومواقع شبكة الإنترنت التى تنفث سمومها لدى المسلمين والأقباط مؤكدة أن بعض الذين يخرجون فى مظاهرات ويرفعون شعارات تبدو في ظاهرها وكأنها دفاع عن دينهم هم لا يعرفون المعنى الحقيقى للكتاب المقدس أو القرآن الكريم. ويفتخر المهندس سمير ميلاد عضو مجلس إدارة كنيسة السيدة العذراء بشعب الحى الراقى المؤمن فى غير تشدد، مشيرا للعلاقات القوية بين هذا وذاك بصرف النظر عن الدين فلا أحد يضايق الآخر فيقول : كنيستنا تعد أقدم كنيسة فى الحى والجميع يتعايش في جو من المحبة والود ونتبادل مع الإخوة المسلمين التهانى فى الأعياد والمناسبات الدينية. ويتدخل فى الحديث مجدى سليمان أحد خدام كنيسة السيدة العذراء بشبرا ناصحا كل فرد بالنظر إلى الآخر بروح المحبة والتعاون وقبول الآخر.. يقول : طول عمر مصر بها الإسلام السمح والسلام المسيحى وفى حينا الجميل الكل في مركب واحد لذلك يبذل الجميع قصارى جهده للحفاظ على الوحدة الوطنية «فعلا» وليس «قولا» من خلال احترام وقبول الآخر والابتعاد عن المشاكل العقائدية ومشايخ وقساوسة إشعال الحرائق. القس ديفيد عياد راعى كنيسة الله الخمسنية بجزيرة بدران قال: نحلم بوطن يضم الجميع بلا تعصب هذا هو الحلم الذى يبدو أنه بدأ يضيع أدراج الرياح ولو لم نعمل بجد من أجل إحيائه فعلينا وعلي الوطن السلام.. فالوطن بدأ يتحول من كيان واحد إلى جزر منعزلة وتاه الناس أو تفرقوا بين هذه الجزر، بدأ الوطن يفقد مناعته فأصبح معرضا للسقوط بعد كل هزة طائفية!! مضيفاً يجب أن نبذل قصارى جهدنا لجعل شبرا «تصلى» وهو اللقاء الشهرى الذى تستضيفه كنائس نهضة القداسة بالأهوانى والله الخمسنية وقاعة سان مارك للأقباط الكاثوليك وذلك لاتحاد الكنيسة فى شبرا بمختلف طوائفها للصلاة والصوم لتقديم الشكر للرب وطلب تدخله فى الأحداث الجارية بتغيير حقيقي لتشكيل تاريخ بلادنا والعمل على وحدة الصف والحياة في سلام وأمان «بعدما تألمتم يسيرا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم» «ربط 5 : 01» محبة وسلام القس عياد دعا «فيتو» لحضور الاجتماعات مشددا على حياة المحبة والسلام التى يعيشها شعب شبرا وعدم وجود ما يعكر صفو الوحدة الوطنية في حى ملتقى الأديان. وفى المنزل المقابل يعيش محمود صاحب محل لبيع هواتف المحمول تحدث عن جو السلام والمحبة الذى يعيشه المسلمون والمسيحيون نافيا وجود مشاكل خطيرة ومشيرا الي أن المسلمين قاموا بحماية محلات المسيحيين أثناء الاعتداء على قسم شرطة روض الفرج وركز على التنشئة الاجتماعية التى تكون النواة الأساسية لجعل الفرد يتقبل الآخر أو ينفر منه مؤكدا أن الوضع داخل أروقة حى شبرا غاية فى الأمان والسلام والترابط الاجتماعى ومصطلحات الفتنة الطائفية والاحتقان الطائفى وكراهية الأقباط واضطهادهم غير موجودة فى قاموس الشارع الشبراوى الذي يتميز بأنه ملتقى لجميع الطوائف المسيحية والأدلة كثرة كنائس الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت وبنبرة حزن خرجت كلمات عم حنا سمعان صاحب محل أحذية معبرا عن آلام الأقباط بشكل عام وما حدث فى ماسبيرو بشكل خاص قائلا :إنه فقد هناك بعض أبناء أصدقائه من أحياء أخرى وأرجع ما حدث إلى مجموعة من أصحاب المصالح التى تعزف على أوتار حماسة وحاجة الشباب إلى الإنصات لصوت العقل وآباء الكنائس المعتدلين والابتعاد عن الأصوات التىتنادى بالعنف. وبصوت عال عبر كمال أنور صاحب محل عصير عن غضبه من النظام السابق سبب كل البلاوى -بحسبه- التى حدثت للأقباط فالمسئول فى البلد لكى يركب السلطة ويغطى على أحداث الفساد يقوم بضرب الوحدة الوطنية وتأجيج الاحتقان الطائفى والعيب أيضا على مشايخ وقساوسة الفتنة وطول عمرنا لا فرق بين مسلم ومسيحى وزوجتى صديقاتها مسلمات وزبائنى مسلمون وأبنائى أصدقاؤهم مسلمون «الدين لربنا والوطن للجميع». ما يحدث بين المسلمين والأقباط بأنه مجرد مواقف عابرة تأتى على خلفية سوء فهم لحقائق الأمور وافتقاد للخبرة ودروس الماضى والتعامل مع الموقف بروح غير طيبة ورغم أن الخلافات قد تكون عابرة إلا أننا نجد من يحاول استثمارها وتوظيفها في غير مجراها الطبيعى وكثير من الأحداث التى تؤجج مشاعر الأقباط تأتى فى هذا الإطار ودائما ما ينظر البعض لأى خلاف على أنه شىء مقصود وأن وراءه نيات غير طيبة. ويلخص القس ناجح فوزى راعى كنيسة شيرا الشرقية الأمر بقوله: الإيمان المسيحى يتمثل في قول «مبارك شعبى مصر» وبالتالى فإن البركة التى تحل تعم شعب مصر كله ولم يقتصر على مكانه فقط وهذه الآية مذكورة فى العهد القديم أما العهد الجديد فيكفي أن السيد المسيح جاء إلى مصر هربا من هيرودس وكان الاختيار الإلهى لمصر تنفيذا للآية السابقة وليس بغرض الاحتماء من هيرودس وجنوده فمن هو هيرودس يقف أو يهدد السيد المسيح والعائلة المقدسة.. بل ليكون تواجد العائلة المقدسة فى مصر سبب بركة.