كان السعى للقائه أمراً شاقاً جداً .. فهو أقدم وأشهر معتقل مصرى فى بلاد العم سام .. رغم مرضه بالسكر والضغط وضيق التنفس وعدم الشعور بأطرافه وصعوبة الحركة إلا من خلال مقعد متحرك إلا أنه مازال يرهب الأمريكان ورغم بلوغه الرابعة والسبعين من عمره فإنهم يمنعون عنه الزيارة مطلقاً أو حتى الحديث مع أحد إلا بأمر رئاسى مثلما حدث معي.. فعلاقتى الوطيدة بالصديق أوباما مكنتنى من إجراء هذا الحوار الحصرى .. حملتنى طائرة خاصة إلى أمريكا واجتزت الموانع الحديدية بصحبة أحد ضباط السجن وفى إحدى الغرف المغلقة التقيت بالشيخ الذى أحضروه لى على مقعده المتحرك.. شعرت بقشعريرة تسرى فى جسدي.. وجدتنى ألقى بوجهى بين كفيه.. أقبلهم تارة واحتضنه تارة أخري.. بكيت كما لم أبك من قبل والشيخ يحاول تحريك أطرافه لتهدئتي.. قال لي: أشم فيك رائحة مصر فمن أنت يا بني؟! قلت: أنا أبو طقة يا عم الشيخ، كبير فشارى مصر بعد المرحوم، أبو لمعة جئت لأجرى حواراً صحفياً معك!!.. قال: أعوذ بالله منك وهل أصبح للفشارين أقلام فى مصر.. إذن هذا ما جناه علينا مبارك ونظامه!! قلت له: نحن الذين أشعلنا الشعب المصرى ومهدنا لثورته بكتاباتنا يا عم الشيخ الأمر الذى لم تستطع فعله أنت وجماعتك الإسلامية رغم كل ما عانيتموه من سجن وتشريد!!.. قال: وكيف حال المصريين يا بني؟!! قلت: هم بخير يا شيخنا ولا ينقصهم سوى وجودك بينهم!!.. قال: لكن الحكومة المصرية لم تطالب بعودتى حتى الآن. قلت له: الشعب كله يطالب بعودتك ونحن نتعجب من موقف الإسلاميين منك فكنا نظن أن الإخوان والسلفيين «سيوقفون الدنيا ولا يقعدونها» حتى عودتك لأهلك فى مصر!! قال: أرى أن أمريكا مازالت تحكم مصر يا أبو طقة سواء كان مبارك هو الرئيس أو حتى اللهو الخفي!! قلت: وما هو سبب اعتقالك كل هذه السنين يا شيخنا؟!!.. قال: قول الحق يا بنى هو الذى يلقى بنا فى السجون والمعتقلات!!.. قلت له: ربنا يطمنك يا شيخنا فأمثالى لن يسجنوا أبداً!! ضاحكاً قال: الله يجازيك يا أبو طقة!! قلت: هل سمعت بما حدث فى مصر من أحداث بسبب الأمريكان؟!! قال: سمعت يا بنى وأتعجب من امرأة مثل هيلارى كلينتون تتدخل فى القضاء المصرى وتفرض رأيها فى حين أن مصر بمجالسها المتعددة شعب وشورى وعسكرى واستشارى عاجزة عن فك أسرى من هنا!!.. قلت: هل ترى أن مصر سوف «تمسك» بزمام أمورها يوماً ما؟!!! قال: عندما ترانى فى مطار القاهرة اعلم أن مصر قد «مسكت» بزمام أمورها!! قلت له: ما هى التهم الموجة إليك يا شيخنا وبسببها أنت معتقل كل هذه السنين؟!! قال: التآمر والتحريض على قلب نظام الحكم فى الولاياتالمتحدةالأمريكية والتآمر والتحريض على اغتيال حسنى مبارك ثم التآمر على تفجير منشآت عسكرية وكذلك التآمر والتخطيط لشن حرب مدن ضد الولاياتالمتحدة!!.. قلت له: لقد تم الإفراج عن قاتلى السادات فى حين أنك مسجون طيلة حياتك من أجل التآمر يا شيخنا... أرى أن هناك أموراً أخرى لا نعلمها؟!! قال: لقد عرضت أمريكا تسليمى لمصر أكثر من مرة لكن مبارك ونظامه كانوا يرفضون لأنه هو الذى أخرجنى من مصر ودبر المكائد لتلفيق التهم لي!!.. قلت له: وكيف يعاملونك هنا فى السجن يا مولانا؟!!! قال: هم يتعاملون معى على أننى الإسلام ولك أن تتخيل كيف يعامل مثل هؤلاء الإسلام .. إنهم يتفننون فى إذلالى يا أبو طقة!!.. قلت: ولماذا لم يحكموا عليك بالإعدام مثلاً وحكموا عليك بالسجن مدى الحياة؟!!.. قال: إنهم يعدموننى معنوياً لأنهم أخفقوا فى إعدامى بالقانون لأننى دائماً أخرج بريئاً من كل التهم التى يواجهوننى بها!!.. قلت: هل ترى يا شيخنا أن الصراع بين الجماعة الإسلامية والأنظمة قد انتهى بانتهاء عهد مبارك؟!! قال: مادام هناك حق وباطل فسيستمر الصراع!!.. قلت: ولماذا لا نعمل على إيقافه طالما أن الإسلاميين قد وصلوا للحكم؟!! قال: محاولة إيقافه مخالفة لسنة الله، والصراع سيظل باقياً مهما اختلفت الأساليب وتنوعت الأشكال!!!.. قلت: ربنا يطمن قلبك .. لكن ما رأيك فى مشاركة الإسلاميين فى المجالس النيابية مثل «الشعب والشوري»؟!!!.. قال: اعتقد يا أبو طقة أن هذا الأسلوب يحدث مفسدة كبيرة ويوقع الجماهير فى حيرة وتضليل، فهو اعتراف منهم بشرعية نهج الحكومات السابقة مما يسبب التباساً لدى الناس وخاصة لأن هذه المجالس تصدر قوانين وضعية وهنا يكمن الخلط!!.. قلت: وماذا تقول لهم من محبسك يا شيخنا؟!! قال: اعلموا أن هذه المرحلة هى مرحلة استبدال لا تمكين ولا تغرنكم المقاعد التى كان يجلس عليها صفوت الشريف وأحمد عز.. وأقول للجميع إن الخوف من الله هو الذى سيمكنكم من كل شئ ويجعلكم أصحاب إيمان راسخ ووطن سعيد!!.. قلت: هل تريد أن تحملنى أمانة لأهل مصر أو حتى لأبنائك يا شيخنا؟!!!.. قال: وهل تلقى الأمانة على عاتق فشار مثلك يا أبوطقة .. شرفتنى وأنا سعيد بلقياك!!