تمكنت حركة "أوروبيين وطنيين ضد أسلمة الغرب"، المعروفة اختصارا باسم (بيجيدا)، الإثنين الماضي، من استقطاب عشرة آلاف شخص إلى مظاهرة نظمتها في مدينة درسدن الألمانية. وقال أوليفر ناختفاي، خبير الحركات الاجتماعية: "هناك تفسيران يكملان بعضهما البعض، أولهما هو صعود موجة عنصرية جديدة ضد المسلمين مبنية على القلق من تلاشي قيم الغرب، وهذا نتاج لمجتمع عصبي لا فرصة فيه للصعود إلا لقلة قليلة، ويسود فيه شعور دائم بالمنافسة والصراع على المناصب والثروات، لذلك فإن المشاعر التي تتولد هنا لا يُلام عليها النظام بأكمله، وإنما "الآخرون" أو "الأجانب". وتابع: "يضاف إلى ذلك التأكيد الذي تضفيه السياسة، مثل تصريحات مسئولي حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي حول ضرورة إجبار الأجانب على تكلم اللغة الألمانية حتى داخل منازلهم". وقال: " أما التفسير الثاني، فهو أن الأحزاب والمنظمات الكبرى لم تعد تمثل الشعب، ولأن قنوات التعبير عن المخاوف بدأت في الاختفاء، فقد ظهرت حركات احتجاجية مبنية على قاعدة شعبية، بعضها يساري مثل حركة "احتلوا"، والبعض الآخر يتبنى نظريات المؤامرة، مثل مظاهرات يوم الإثنين التحذيرية، وغيرها يميني، مثل حركة بيجيدا". وقال: "الاختلافات بين الأحزاب السياسية الكبرى فيما يتعلق باليورو، إن هذه الأحزاب متفقة فيما بينها حتى على موضوع حد الرواتب الأدنى، لقد وُجدت الأحزاب السياسية كوسيلة لتنظيم وجهات نظر المجتمع – من اليمين إلى اليسار – ولتسييرها في قنوات برلمانية بهدف تدجينها وإكسابها مظهرًا حضاريًا". وأشار إلى أن الطبقات المعتادة، مثل طبقة العمال والطبقة الوسطى، والفروقات في المعتقدات غير موجودة في صورتها التقليدية حاليًا، والأحزاب تعكس هذا التغير أيضًا، لكن داخل الهياكل الحزبية فإن الطبقات المجتمعية الممثلة فيها متجانسة، وقال: "إذا ما نظرنا إلى كوادرها، فسنجد أغلبها أشخاص ولدوا وترعرعوا في كنف عائلات من الطبقة الوسطى، ودرسوا في الجامعات وبحثوا عن فرص للصعود في المجتمع من خلال العمل السياسي". وأضاف: "لكن سبب صحة ما ذكرت بشكل جزئي هو أن انعدام المساواة في ألمانيا، ومنذ تسعينيات القرن الماضي، في ازدياد، ما يؤدي إلى ظهور طبقة فقيرة جديدة، وبينما تزداد الطبقات الفقيرة عددًا، تركز الأحزاب السياسية انتباهها على الطبقة الوسطى". وأكد أن الأبحاث الاجتماعية في هذه الحركات شبه معدومة، وقال: "لكن بالنسبة لي، تبدو هذه الحركة تحالفا من المواطنين المنتمين إلى الطبقة الوسطى وطبقة العمال المهرة، لكن هذا التحالف يضم أيضًا بعض أعضاء الجزء الأعلى من الطبقة الوسطى، وسبب ظهور هذا التحالف المبني على العواطف من رحم الطبقة الوسطى مردّه إلى أن العواطف التي بُني عليها هذا التحالف متأصلة في تلك الطبقة، وتظهر الدراسات طويلة الأمد للباحث الألماني فيلهلم هايتماير من بيلفيلد، أن مشاعر معاداة الأقليات أكثر نموًا لدى أفراد الطبقة الوسطى". وأضاف: "ما نشهده في درسدن هو أقوى مشهد لحركة متواجدة بالفعل في عدة أماكن، ففي ولاية شمال الراين ويستفاليا مثلًا، هناك عدد من الحركات المدنية المعادية للإسلام، لكن ما هو غير موجود حتى الآن هو الرابط السياسي بين هذه الحركات، وذلك لأن المواطن العادي لا يريد أن يرتبط بأحزاب يمينية متطرفة مثل الحزب القومي الديمقراطي الألماني والنازيين". وتابع: "المواطن العادي يريد أن يبقى جزءًا من مؤسسات الدولة، يريد أن يقول: نحن أوربيون وفي حقيقة الأمر معارضون للحرب، لذلك فإن الخطر كبير أن تقوم الأحزاب السياسية بتبني هذه الأفكار، فيوم أمس مثلًا، قام بيرند لوكه، زعيم حزب "البديل لألمانيا"، بالترحيب بما تقوم به "بيجيدا"، وذلك على صفحته في موقع "فيس بوك". وأضاف: "إن لوكه ينتمي إلى جناح في الحزب يظهر نفسه على أنه قريب من المواطن ومنفتح وليبرالي، لذلك فإن هناك خطرًا من أن يتحول هذا الحزب بأكمله إلى تبني العنصرية المناوئة للإسلام". وأشار إلى أن سكان درسدن تغاضوا في بادئ الأمر عن مشكلة "بيجيدا"، ولكن يوم الإثنين الماضي، خرج عشرة آلاف مناصر لها في مظاهرة، خرج عشرة آلاف متظاهر ضدهم، وقال: "يجب ألا ننسى أن درسدن مكان له خصوصية، فهي كانت في العقد الأخير مسرحًا للعديد من مسيرات النازيين من مختلف بقاع أوربا، لكن المجتمع المدني هناك نجح خلال السنوات الخمسة الأخيرة في منع هذه المظاهرات من خلال مظاهرات حظيت بمشاركة واسعة النطاق ورافقها عصيان مدني، ولأول مرة لم تنظم مرة هذا العام مسيرة للنازيين الجدد في هذه المدينة". وأكد أنه من الصعوبة إجراء حوار مع أشخاص مدفوعين بالعواطف مثل المنتمين ل"بيجيدا"، وقال: "يجب علينا مواجهة الحجج التي يطرحها هؤلاء وانتقادها بشكل علني، أي القيام بحملة توعية، لكنني أرى أن من الخطأ إعطاء بيجيدا أكبر من حجمها الحقيقي عبر دعوتها إلى حوار". وقال: "وإذا ما فكرنا بأن "بيجيدا" يرأسها شخص فاشل له سوابق إجرامية، فإن علينا أن نتساءل حول الخطر الكامن في مجتمعنا من عواطف قادرة على تحريك المجتمع بهذه الطريقة، ولذلك فإن دور المجتمع المدني يجب أن يكون دورًا مزدوجًا، منع هذه المظاهرات بشكل مباشر ومواجهتها، وطرح النقاش بشكل عام حول المشاعر بخصوص الإسلام وعدم تحمل إبداء أي تسامح مع مثل هذه العواطف". ويعتبر أوليفر ناختفاي، باحث في الشئون الاجتماعية بالجامعة التقنية في مدينة دارمشتات وخبير في الحركات المجتمعية، وفي شهر مارس المقبل، سيصدر له كتاب بعنوان "مجتمع الهبوط"، يناقش العلاقة بين ازدياد الشعور بانعدام المساواة والصراع. هذا المحتوى من موقع شبكة ارم الإخبارية اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل