رسميًا.. "عين شمس" تحصد الاعتماد المؤسسي من هيئة ضمان الجودة    "الجبهة الوطنية" يعلن تشكيل أمانة العلاقات الحكومية برئاسة عبدالظاهر    أهالي العصافرة يستقبلون البابا تواضروس الثاني    الوادي الجديد تُطلق تطبيقًا رقميًا لتسهيل حصول المواطنين على الخدمات الحكومية    الحكومة عن قانون الإيجار القديم: الطرد ليس حتميا بعد انتهاء المدة الانتقالية    أبو عبيدة: جنائز وجثث جنود الجيش الإسرائيلي ستصبح حدثًا دائمًا ما دام استمر العدوان ضد شعبنا    قائد الحرس الثوري الإيراني يحذر من "رد قوي" حال خرق الهدنة مع إسرائيل    ترامب يهاجم أول من نشر التقييم الاستخباراتي بشأن إيران.. ويطالب بطردها    ترامب: زهران ممداني مرشح الديمقراطيين لرئاسة بلدية نيويورك شيوعي مجنون    عاجل.. عرض خليجي ل طاهر محمد طاهر بعد مونديال الأندية    الزمالك يطلب 6 ملايين دولار لبيع حسام عبدالمجيد    طاهر أبوزيد: الأهلي عانى دفاعيًا في كأس العالم للأندية.. وشوبير يستحق فرصة    حرس الحدود يقيم معارض توعوية ضمن فعاليات اليوم العالمي لمكافحة المخدرات 2025 في مختلف مناطق المملكة    عمرو دياب يحتل "إكس" في نصف ساعة .. و"ابتدينا" كلمة السر    السعودية تستبدل كسوة الكعبة المشرفة مع حلول العام الهجري الجديد    الجمعة.. مدحت صالح وعمرو سليم على المسرح الكبير بالأوبرا    تغيير الاستراتيجيات وتطوير الجيش المصرى    فوز رجال الطائرة الشاطئية على النيجر في بطولة أفريقيا    «التعليم العالي»: 21 طالبًا مصريًا في برنامج التدريب البحثي الصيفي بجامعة لويفيل الأمريكية    تسليم مساعدات مالية وعينية ل 70 حالة من الأسر الأولى بالرعاية في المنوفية    التشكيل الرسمي لمواجهة صن داونز وفلومينينسي في كأس العالم للأندية    لجنة التعاقدات في غزل المحلة تواصل عملها لضم أفضل العناصر المرشحة من عبد العال    مينا مسعود يخطف الأنظار ب "في عز الضهر".. والإيرادات تقترب من 3 ملايين في أسبوعه الأول    هل شريكتك منهن؟.. نساء هذه الأبراج مسيطرة وقوية    أستاذ علاقات دولية: إيران وإسرائيل وأمريكا يرون وقف إطلاق النار انتصارا    ما حكم الزواج العرفي؟ أمين الفتوى يجيب    هيئة الشراء الموحد توقع اتفاقية مع شركات فرنسية لإنشاء مصنع لتحديد فصائل الدم    علاج 686 شخصًا مجانًا في قنا.. وحملة توعية لتحذير المواطنين من خطورة الإدمان    رئيس الوزراء: مصر نجحت في إنتاج وتصنيع أجهزة السونار محليًا لأول مرة    محافظ بورسعيد: هذه إنجازات الدولة المصرية على أرض المحافظة خلال عام    مصدر من اتحاد الكرة ل في الجول: إقامة كأس مصر خلال تحضيرات المنتخب لكأس الأمم    الزمالك يستعيد أرض مرسى مطروح بحكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا    محافظ بورسعيد يكشف سبب ارتفاع الحد الأدنى للقبول بالصف الأول الثانوي    أيمن سليم: "عبلة كامل حالة استثنائية وهتفضل في القلب"    مصرع طفل غرقا في بحر يوسف ببني سويف    أجمل عبارات ورسائل التهاني بمناسبة رأس السنة الهجرية الجديدة 1447ه    بعد قليل.. الإفتاء تعلن موعد أول أيام العام الهجري 1447    الإفتاء تكشف عن حكم التهنئة بقدوم العام الهجري    محافظ الغربية يتابع سير العمل بمشروع الصرف الصحي في عزبة الناموس بسمنود    الصين: مستعدون للعمل مع "بريكس" لإحلال السلام في الشرق الأوسط ودعم الأمن الإقليمي    الاتحاد العربي للفنادق والسياحة يُكلف محمد العجلان سفيرًا للاتحاد.. ويُشكل الهيئة العليا للمكتب بالسعودية    شرب الماء أثناء الأكل يزيد الوزن- هل هذا صحيح؟    «يومين في يوليو».. «المحامين» تعلن موعد الإضراب العام اعتراضًا على الرسوم القضائية    الرقابة الإدارية تنفى صدور أى تكليفات لها بضبط عضو نيابة عامة أو ضباط    عاطل يقتل شقيقه السائق بعيار ناري خلال مشاجرة بسبب خلافات بشبرا الخيمة    موعد إجازة رأس السنة الهجرية 1447    الرقابة الإدارية توكد عدم صحة ما تداول بشأن ضبط أحد أعضاء الهيئات القضائية    زد يضع الرتوش النهائية على صفقة ضم خالد عبد الفتاح من الأهلي    «النداهة».. عرض مسرحي في «ثقافة القصر» بالوادي الجديد    جيش الاحتلال يعلن اعتراض مسيرة أطلقت من اليمن قبل دخولها المجال الجوي    من البحر إلى الموقد.. كيف تؤمن سفن التغويز احتياجات مصر من الغاز؟    «العربية لحقوق الإنسان»: مراكز المساعدات لمؤسسة غزةتشكل انتهاكاً خطيراً لمبادئ القانون الإنساني    قرار جمهوري بتعيين سلافة جويلي مديرا للأكاديمية الوطنية للتدريب    تطور قضائي بشأن السيدة المتسببة في حادث دهس "النرجس"    محافظ الجيزة يتابع ميدانياً جهود إطفاء حريق بمخزن دهانات بمنطقة البراجيل بأوسيم    المشاط تبحث مع المنتدى الاقتصادي العالمي تفعيل خطاب نوايا «محفز النمو الاقتصادي والتنمية»    خالد عبد الغفار يوجه بضرورة تطوير التقنيات الحديثة في مجال الصحة الرقمية    رسميًا درجات تنسيق الثانوية العامة 2025 في بورسعيد.. سجل الآن (رابط مباشر)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السمات الجديدة للطبقة الوسطى في دول الإقليم
نشر في البديل يوم 01 - 03 - 2014

لا تزال الثورات العربية وبؤر التوتر السياسية الساخنة في معظم دول إقليم الشرق الأوسط تثير الجدل والنقاش حول أبرز الفاعلين الاجتماعيين الذين ساهموا بدور مركزي في إحداث هذا الحراك "الثوري"، وحول التداعيات المستقبلية المتوقعة على سلوك ومصالح هؤلاء الفاعلين، وما يجب على أنظمة الحكم تنفيذه لتلبية رغباتهم ومطالبهم، والذين يتقدمهم –بلا ريب- الفئات المتوسطة أو الطبقة الوسطى في تلك الدول، سواء تلك التي شهدت تغييرًا لأنظمة الحكم، أو تلك التي تمر بعمليات تحول كبرى صوب تحقيق مطالب قطاعات مختلفة من المجتمع.
فقد كان شباب الطبقة الوسطى هم مفجروا هذا الحراك سواء في مصر وتونس واليمن، أو في تركيا منذ منتصف العام الماضي، وقبلها في إيران حيث قادوا ما يسمي ب"الحركة الخضراء" في عام 2009، فضلا عن أنهم لعبوا دورًا رئيسيًا في الاحتجاجات المطلبية التي ظهرت في عدة دول منها المغرب والسعودية والأردن والسودان وسلطنة عمان وحتى إسرائيل.
ولعل دور الطبقة الوسطى في ذلك الحراك يؤكد ما ذهبت إليه معظم الدراسات العربية والعالمية حين أشارت إلى تنامي هذه الطبقة في كافة المجتمعات والدول النامية –والمتقدمة أيضًا- بأكثر مما كان متوقعًا، وإلى تميزها بسمات وخصائص جديدة تلعب فيها السياسة محورًا ثابتًا في حراك هذه الطبقة على المستوى العالمي.
وتشير الإحصائيات إلى أن دول الإقليم تشهد تناميًا واضحًا في أعداد المنتسبين لهذه الطبقة. إذ بلغ عدد السكان الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى الكلية في الدول العربية 146 مليون نسمة، يمثلون نسبة 44,5% من جملة السكان. ويتركز 100 مليون نسمة ممن ينتمون للطبقة الوسطى، في ست دول عربية، هي مصر والمغرب والسودان والسعودية والجزائر والعراق، بنسبة تبلغ 42,3% من جملة سكان هذا الدول.
ويمكن إرجاع تلك الظاهرة إلي عدة عوامل مختلفة، أهمها يتعلق بالوفرة النفطية في الدول المصدرة للنفط في دول الإقليم، وبظاهرة تنامي سكان الحضر، إذ للمرة الأولى يعيش أكثر من 50% من سكان الدول العربية في المدن وفقًا لدراسة أصدرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة في ديسمبر 2013 تحت عنوان "المنطقة العربية.. أطلس بيئتنا المتغيرة"، علاوة على ارتفاع المستوى الصحي والتعليمي في العديد من الدول، وبروز ظواهر جديدة مثل الاقتصاد الموازي أو غير الرسمي في مصر وسوريا واليمن ودول المغرب العربي على سبيل المثال، علاوة على التأثير البالغ لوسائل الاتصال الحديثة، لا سيما القنوات الفضائية والإلكترونية، والتي نقلت المستوى الثقافي حتى لذوي التعليم الأدنى إلى مستوى أكثر تقدمًا وتطلعات جديدة لم تكن قائمة من قبل.
متغيرات جديدة:
يشير التتبع المبدئي للتغيرات المتسارعة في دول الإقليم إلى أن ثمة بعض الخصائص التي تتسم بها الطبقة الوسطى بوجه عام، يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
1-يمثل تصاعد دور الطبقة الوسطى في دول الإقليم جزءًا من سياق عالمي عام يشهد هذه الظاهرة، بدءًا من الاحتجاجات في الولايات المتحدة ضد الأزمة المالية كما برز في حركة "احتلوا وول ستريت"، مرورًا بالتظاهرات العديدة التي خرجت في أنحاء متفرقة بدول الاتحاد الأوروبي، والتظاهرات التي شهدتها بعض الدول مثل البرازيل وإندونيسيا والهند وغيرها. وفي هذا الشأن تخلص دراسة أعدها المحللان الاقتصاديان، شيميلس علي وأوري دادوش، نشرتها مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية العام الماضي إلى تزايد ملحوظ في أعداد المنتسبين لهذه الطبقة على مستوى العالم. كما تشير الدراسة إلى أن الدول النامية التي يعيش داخلها 85% من سكان العالم تشهد تناميًا كبيرًا للشرائح الواقعة داخل الطبقات الوسطى.
2-أضحى لعب أدوار سياسية فاعلة عنصرًا جوهريًا للطبقة الوسطى في دول إقليم الشرق الأوسط؛ فمع سوء توزيع الدخول وصعود دور رجال الأعمال سياسيًا في بعض الدول، برزت ظاهرة لافتة خلال العقد الأخير تتمثل في انضمام قطاعات كبيرة من الطبقة الوسطى إلى الأحزاب والحركات السياسية، وتحولها إلي محور رئيسي في منظمات المجتمع الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات العمالية والمهنية بطبيعة الحال، بل إن شرائح اجتماعية جديدة دخلت ضمن هذه الطبقة منها ذوي التعليم المتوسط الذين تمكنوا من إدارة مشروعات صغيرة خاصة وبعض صغار الفلاحين وأصحاب المهن الحرة الوليدة والعاملين في القطاع غير الرسمي، حيث تمكنت جميع هذه الفئات من الحصول على العديد من السلع الكمالية، وهو ما يؤشر لتجاوزها عتبة الطبقة الدنيا أو الفقراء ومحدودي الدخل.
3- ا تنحصر مطالب الطبقة الوسطى، لا سيما الشريحة الأعلى داخلها، في الخدمات المعيشية والاجتماعية، إذ أنها أضحت أكثر اهتمامًا بقضايا سياسية تشكل جوهر هذه المطالب السابقة، فهي باتت على يقين بأن الانفتاح والتنمية الاقتصادية واتفاقات التجارة الدولية أصبحت أكثر تأثيرًا على مصالحها بالسلب؛ ومن ثم بات من أولوياتها مراقبة المسئولين والحكومات ومساءلتهم، وتعزيز الحقوق السياسية والحقوق والحريات العامة والفردية، ودعم الشفافية، وإجراء انتخابات عادلة ونزيهة، وتبني مبادئ التداول السلمي للسلطة.
4-بات شباب الطبقة الوسطى هم المحرك والمفجر للاحتجاجات الشعبية، كما يستدل على ذلك من ثورة 25 يناير في مصر التي قادها شباب الشريحة العليا داخل الطبقة الوسطى، وحتى ثورة 30 يونيو التي كان السواد الأعظم من المشاركين فيها يقعون في سياق الطبقات الوسطى. ويصدق الأمر ذاته على "الحركة الخضراء" في إيران وعلى احتجاجات تركيا التي تقدم مثالا بالغ الأهمية على أن عدم تعزيز حكومة حزب العدالة والتنمية للحقوق الشخصية والعامة حتى في ظل التطور الاقتصادي قاد شرائح من الشباب الذين استفادوا من هذا التطور إلى المشاركة في مظاهرات ميدان "تقسيم" في يونيو 2014، وهم الأكثر اعتراضًا على قضية الفساد التي هزت الدولة التركية نهاية العام الماضي.
نحو سياسات حكومية أكثر فاعلية:
إن هذه الخصائص الجديدة تشير إلى أن حراك الطبقة الوسطى في دول الإقليم لن يتوقف في الأجل المنظور، وأن ثمة العديد من المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لم يجرِ تحقيقها من قبل الحكومات لاعتبارات متباينة بين دولة وأخرى، لكن هذا الواقع الجديد وتلك الظاهرة التي تكاد تكون قد تشكلت بالفعل، وما يرتبط بهما من تحديات، تستلزم من الحكومات أخذ هذه المتغيرات المستحدثة موضع الجدية، بما قد يتوجب معه تبني بعض الخطوات الأولية، من أبرزها:
1-إعداد دراسات علمية جادة حول تنامي ظاهرة صعود الطبقة الوسطى، وتحديد من يقعون بالفعل داخل هذه الطبقة، وفق مؤشرات محددة، ودراسة الخصائص الاجتماعية والثقافية والمعرفية والنفسية الجديدة لهذه الطبقة التي تمثل عماد بناء الدولة وأساس النمو الاقتصادي.
2-تعزيز أطر الشفافية وتوفير المعلومات بشأن السياسات الاجتماعية والتنموية، وبذل مزيد من الجهود في محاربة الفساد الإداري والمالي المستشري في القطاعات الحكومية والعامة، والوصول لصيغ أكثر عدالة فيما يخص علاقات أصحاب الأعمال والعمال في القطاع الخاص، حتى لا تتحول مطالب الطبقة المتوسطة من مجرد مطالب معيشية واجتماعية إلى مطالب سياسية لا تتحقق إلا بالتغيير الراديكالي غير المحسوب؛ إذ أضحى هذا التحول دينامية جديدة تستخدمها الطبقة الوسطى لتوصيل رسائلها إلى المسئولين والحكومات.
3-التوصل إلي حلول فعالة لمشكلة تزايد أعداد مالكي السيارات، والتي مثلت إحدي نتائج نمو أعداد الطبقة المتوسطة، وفرضت عبئًا إضافيًا في قطاعات متعددة تستلزم التفكير في معالجتها بواقعية وحكمة.
4-الحرص علي أن لا تأتي الاتفاقات التجارية مع الخارج، وخصوصًا مع الدول الصناعية، على حساب الدولة ذاتها، حيث تقود المتطلبات المتنامية للطبقة الوسطى من سلع كمالية مثل السيارات وخدمات حديثة مثل البرمجيات، إلى توفير فرص أكبر لرجال الأعمال في الدول الصاعدة، ومن ثم يجب استثمار جهود الطبقة الوسطى في تعزيز التصنيع المحلي وتشجيع الابتكارات العلمية والفنية.
لا تزال الثورات العربية وبؤر التوتر السياسية الساخنة في معظم دول إقليم الشرق الأوسط تثير الجدل والنقاش حول أبرز الفاعلين الاجتماعيين الذين ساهموا بدور مركزي في إحداث هذا الحراك "الثوري"، وحول التداعيات المستقبلية المتوقعة على سلوك ومصالح هؤلاء الفاعلين، وما يجب على أنظمة الحكم تنفيذه لتلبية رغباتهم ومطالبهم، والذين يتقدمهم –بلا ريب- الفئات المتوسطة أو الطبقة الوسطى في تلك الدول، سواء تلك التي شهدت تغييرًا لأنظمة الحكم، أو تلك التي تمر بعمليات تحول كبرى صوب تحقيق مطالب قطاعات مختلفة من المجتمع.
فقد كان شباب الطبقة الوسطى هم مفجروا هذا الحراك سواء في مصر وتونس واليمن، أو في تركيا منذ منتصف العام الماضي، وقبلها في إيران حيث قادوا ما يسمي ب"الحركة الخضراء" في عام 2009، فضلا عن أنهم لعبوا دورًا رئيسيًا في الاحتجاجات المطلبية التي ظهرت في عدة دول منها المغرب والسعودية والأردن والسودان وسلطنة عمان وحتى إسرائيل.
ولعل دور الطبقة الوسطى في ذلك الحراك يؤكد ما ذهبت إليه معظم الدراسات العربية والعالمية حين أشارت إلى تنامي هذه الطبقة في كافة المجتمعات والدول النامية –والمتقدمة أيضًا- بأكثر مما كان متوقعًا، وإلى تميزها بسمات وخصائص جديدة تلعب فيها السياسة محورًا ثابتًا في حراك هذه الطبقة على المستوى العالمي.
وتشير الإحصائيات إلى أن دول الإقليم تشهد تناميًا واضحًا في أعداد المنتسبين لهذه الطبقة. إذ بلغ عدد السكان الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى الكلية في الدول العربية 146 مليون نسمة، يمثلون نسبة 44,5% من جملة السكان. ويتركز 100 مليون نسمة ممن ينتمون للطبقة الوسطى، في ست دول عربية، هي مصر والمغرب والسودان والسعودية والجزائر والعراق، بنسبة تبلغ 42,3% من جملة سكان هذا الدول.
ويمكن إرجاع تلك الظاهرة إلي عدة عوامل مختلفة، أهمها يتعلق بالوفرة النفطية في الدول المصدرة للنفط في دول الإقليم، وبظاهرة تنامي سكان الحضر، إذ للمرة الأولى يعيش أكثر من 50% من سكان الدول العربية في المدن وفقًا لدراسة أصدرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة في ديسمبر 2013 تحت عنوان "المنطقة العربية.. أطلس بيئتنا المتغيرة"، علاوة على ارتفاع المستوى الصحي والتعليمي في العديد من الدول، وبروز ظواهر جديدة مثل الاقتصاد الموازي أو غير الرسمي في مصر وسوريا واليمن ودول المغرب العربي على سبيل المثال، علاوة على التأثير البالغ لوسائل الاتصال الحديثة، لا سيما القنوات الفضائية والإلكترونية، والتي نقلت المستوى الثقافي حتى لذوي التعليم الأدنى إلى مستوى أكثر تقدمًا وتطلعات جديدة لم تكن قائمة من قبل.
متغيرات جديدة:
يشير التتبع المبدئي للتغيرات المتسارعة في دول الإقليم إلى أن ثمة بعض الخصائص التي تتسم بها الطبقة الوسطى بوجه عام، يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
1-يمثل تصاعد دور الطبقة الوسطى في دول الإقليم جزءًا من سياق عالمي عام يشهد هذه الظاهرة، بدءًا من الاحتجاجات في الولايات المتحدة ضد الأزمة المالية كما برز في حركة "احتلوا وول ستريت"، مرورًا بالتظاهرات العديدة التي خرجت في أنحاء متفرقة بدول الاتحاد الأوروبي، والتظاهرات التي شهدتها بعض الدول مثل البرازيل وإندونيسيا والهند وغيرها. وفي هذا الشأن تخلص دراسة أعدها المحللان الاقتصاديان، شيميلس علي وأوري دادوش، نشرتها مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية العام الماضي إلى تزايد ملحوظ في أعداد المنتسبين لهذه الطبقة على مستوى العالم. كما تشير الدراسة إلى أن الدول النامية التي يعيش داخلها 85% من سكان العالم تشهد تناميًا كبيرًا للشرائح الواقعة داخل الطبقات الوسطى.
2-أضحى لعب أدوار سياسية فاعلة عنصرًا جوهريًا للطبقة الوسطى في دول إقليم الشرق الأوسط؛ فمع سوء توزيع الدخول وصعود دور رجال الأعمال سياسيًا في بعض الدول، برزت ظاهرة لافتة خلال العقد الأخير تتمثل في انضمام قطاعات كبيرة من الطبقة الوسطى إلى الأحزاب والحركات السياسية، وتحولها إلي محور رئيسي في منظمات المجتمع الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات العمالية والمهنية بطبيعة الحال، بل إن شرائح اجتماعية جديدة دخلت ضمن هذه الطبقة منها ذوي التعليم المتوسط الذين تمكنوا من إدارة مشروعات صغيرة خاصة وبعض صغار الفلاحين وأصحاب المهن الحرة الوليدة والعاملين في القطاع غير الرسمي، حيث تمكنت جميع هذه الفئات من الحصول على العديد من السلع الكمالية، وهو ما يؤشر لتجاوزها عتبة الطبقة الدنيا أو الفقراء ومحدودي الدخل.
3- ا تنحصر مطالب الطبقة الوسطى، لا سيما الشريحة الأعلى داخلها، في الخدمات المعيشية والاجتماعية، إذ أنها أضحت أكثر اهتمامًا بقضايا سياسية تشكل جوهر هذه المطالب السابقة، فهي باتت على يقين بأن الانفتاح والتنمية الاقتصادية واتفاقات التجارة الدولية أصبحت أكثر تأثيرًا على مصالحها بالسلب؛ ومن ثم بات من أولوياتها مراقبة المسئولين والحكومات ومساءلتهم، وتعزيز الحقوق السياسية والحقوق والحريات العامة والفردية، ودعم الشفافية، وإجراء انتخابات عادلة ونزيهة، وتبني مبادئ التداول السلمي للسلطة.
4-بات شباب الطبقة الوسطى هم المحرك والمفجر للاحتجاجات الشعبية، كما يستدل على ذلك من ثورة 25 يناير في مصر التي قادها شباب الشريحة العليا داخل الطبقة الوسطى، وحتى ثورة 30 يونيو التي كان السواد الأعظم من المشاركين فيها يقعون في سياق الطبقات الوسطى. ويصدق الأمر ذاته على "الحركة الخضراء" في إيران وعلى احتجاجات تركيا التي تقدم مثالا بالغ الأهمية على أن عدم تعزيز حكومة حزب العدالة والتنمية للحقوق الشخصية والعامة حتى في ظل التطور الاقتصادي قاد شرائح من الشباب الذين استفادوا من هذا التطور إلى المشاركة في مظاهرات ميدان "تقسيم" في يونيو 2014، وهم الأكثر اعتراضًا على قضية الفساد التي هزت الدولة التركية نهاية العام الماضي.
نحو سياسات حكومية أكثر فاعلية:
إن هذه الخصائص الجديدة تشير إلى أن حراك الطبقة الوسطى في دول الإقليم لن يتوقف في الأجل المنظور، وأن ثمة العديد من المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لم يجرِ تحقيقها من قبل الحكومات لاعتبارات متباينة بين دولة وأخرى، لكن هذا الواقع الجديد وتلك الظاهرة التي تكاد تكون قد تشكلت بالفعل، وما يرتبط بهما من تحديات، تستلزم من الحكومات أخذ هذه المتغيرات المستحدثة موضع الجدية، بما قد يتوجب معه تبني بعض الخطوات الأولية، من أبرزها:
1-إعداد دراسات علمية جادة حول تنامي ظاهرة صعود الطبقة الوسطى، وتحديد من يقعون بالفعل داخل هذه الطبقة، وفق مؤشرات محددة، ودراسة الخصائص الاجتماعية والثقافية والمعرفية والنفسية الجديدة لهذه الطبقة التي تمثل عماد بناء الدولة وأساس النمو الاقتصادي.
2-تعزيز أطر الشفافية وتوفير المعلومات بشأن السياسات الاجتماعية والتنموية، وبذل مزيد من الجهود في محاربة الفساد الإداري والمالي المستشري في القطاعات الحكومية والعامة، والوصول لصيغ أكثر عدالة فيما يخص علاقات أصحاب الأعمال والعمال في القطاع الخاص، حتى لا تتحول مطالب الطبقة المتوسطة من مجرد مطالب معيشية واجتماعية إلى مطالب سياسية لا تتحقق إلا بالتغيير الراديكالي غير المحسوب؛ إذ أضحى هذا التحول دينامية جديدة تستخدمها الطبقة الوسطى لتوصيل رسائلها إلى المسئولين والحكومات.
3-التوصل إلي حلول فعالة لمشكلة تزايد أعداد مالكي السيارات، والتي مثلت إحدي نتائج نمو أعداد الطبقة المتوسطة، وفرضت عبئًا إضافيًا في قطاعات متعددة تستلزم التفكير في معالجتها بواقعية وحكمة.
4-الحرص علي أن لا تأتي الاتفاقات التجارية مع الخارج، وخصوصًا مع الدول الصناعية، على حساب الدولة ذاتها، حيث تقود المتطلبات المتنامية للطبقة الوسطى من سلع كمالية مثل السيارات وخدمات حديثة مثل البرمجيات، إلى توفير فرص أكبر لرجال الأعمال في الدول الصاعدة، ومن ثم يجب استثمار جهود الطبقة الوسطى في تعزيز التصنيع المحلي وتشجيع الابتكارات العلمية والفنية.
إبراهيم غالي
المركز الإقليمي للدرسات الاستراتيجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.