ما حدث مع رجل الأعمال البارز نجيب ساويرس، ومع الفنان المبدع عادل إمام، مسألة في غاية الخطورة، تتعدي ما قيل عن عودة قضايا الحسبة مرة أخري، لأنها تطرح عدة قضايا كبري تتعلق بأسلوب الفاشية الدينية في مطاردة حرية الفكر والإبداع والنقد. أولى هذه القضايا تتمثل في الفاشية الثقافية التي تلازم الحركات الدينية المتطرفة، والفاشية لا تتم حتما عبر القوانين ولكن عبر ممارسة الإرهاب الفكري علي كل فكر مخالف، لأن الفكر الفاشي لا يملك مقومات الصمود أمام التنوع، والمجتمع المفتوح، أنظر مثلا قبل عام 0791، كان من الصعب الحصول علي امرأة مسلمة محجبة في القاهرة، والآن أكثر من 58٪ من المسلمات المصريات محجبات، وقد تم ذلك بدون قانون، يفرض الحجاب، ولكن بممارسة الإرهاب الفكري والمعنوي، وأحيانا الجسدي ضد غير المحجبات، ونعتهم بالكثير من الصفات السلبية وتعطيل فرصهن في الزواج. حدث هذا التطور السريع في المظاهر الدينية مع تراجع أيضا سريع في الأخلاق والفضائل العامة. لقاء نقيب الممثلين أشرف عبدالغفور مع المرشد محمد بديع يصب في نفس الاتجاه حيث قال المرشد: نحن لن نفرض عليكم شيئا، ولكن نترككم لضمائركم، وهذا يعني أنه لا يعجبه الفن الحالي ويطالب الفنان أن يراقب ذاته وفقا لمعايير مطاطية اسمها الضمير الفني الإسلامي، مع جرجرة كبير الفنانين أمام المحاكم تكون الرسالة وصلت، والفاشية الثقافية قامت بدورها. أما القضية الثانية: فتتعلق بحدود نقد التراث الإسلامي، ففي حين أن نقد النص الديني بل والهجوم عليه شىء طبيعي في المجتمعات المتقدمة، تمارس الحركة الإسلامية المتطرفة توسعا لا معني له في تعريف «المقدس» حتي بات يشمل التراث، والفقه، والتاريخ، والخلافة، والحكومات، بل وصل الأمر إلي أن كل شخص يطلق لحيته، ويرتدي الزي الباكستاني أصبح من المقدسات الممنوع الاقتراب منه بالنقد، أي أن كل ما يتعلق بتاريخ وتراث الدولة الإسلامية القديم والمعاصر برمته أصبح بقرة مقدسة. القضية الثالثة: تتعلق بمصطلح «إزدراء الإسلام» وهو أيضا جزء من مصطلحات الفاشية الدينية لتعميم الفاشية الثقافية والإرهاب الفكري عالميا، والنزول بمعايير الحريات العامة، والخاصة، الدولية إلي مستوي أدني، خاصة بعد تبني مجموعة الدول الإسلامية هذا المصطلح عبر الأممالمتحدة ومؤسساتها، في الوقت الذي لا تقدم هذه الدول تعريفا منضبطا لمعني كلمة ازدراء الإسلام، بل هي محاولة لنقل المصطلحات المطاطة التي تفرضها النظم المستبدة علي شعوبها إلي المستوي الدولي، أي أن الدول الإسلامية تسعي جاهدة إلي تدويل الاستبداد عبر مصطلحات مثل «ازدراء الإسلام»، «الإسلاموفوبيا» ، «العداء للإسلام»، «التآمر علي المسلمين»، «استهداف المقدسات الإسلامية». القضية الرابعة: تتعلق بتقييد أقلية دينية منفتحة نسبيا بمعايير الإستبداد الديني عند متطرفي الأغلبية، وهذا يشكل مظهر من مظاهر طغيان الأغلبية، لمحاولة قولبة الأقلية، وتذويبها في ثقافة لا تريدها، وتتنافي مع معتقداتها وتراثها. القضية الخامسة: تتعلق بمفهوم النقد عموما، فالفاشية الثقافية تعتبر النقد أداة هدم، والدولة العصرية المتقدمة تعتبر النقد أداة بناء، بل هو أهم أداة بناء عرفها التاريخ، كما يقول «كانط» الذي تناول مفهوم النقد في ثلاثة مؤلفات هي: نقد العقل الخالص، ونقد العقل العملي، ونقد ملكة الحكم، بل يمكن القول: إن النقد هو المحرك الفعلي لنهضة الحضارة الغربية برمتها، بل ولا يمكن تحسن وتطور المجتمعات الإنسانية بدون ممارسة النقد علي نطاق واسع. ولكن الفاشية الدينية تعادي وتجرم النقد، لأنه يحطم الأصنام المقدسة التي تصنعها،