البشر يهرعون إليه في لحظات الفراق والصراخ والعويل، الجميع يخشاه ويعتبرونه فأل شؤم، يطلق على نفسه الصندوق الأسود في حياة البشر، ومهنته تعلمها من الغراب، يرى ويسمع ولا يتكلم.. إنه «الحفار» صاحب أحد أهم المهن المنسية التي تثير الرعب في نفوس الكثيرين، حيث يعد القائم بأعمال الغسل والدفن للموتي، وتختلف مهنة «الحفار» عن «الحانوتى والتربي» فكل منهم له اختصاصاته، فالحانوتى يختص ببيع مستلزمات رحلة دخول القبر، والتربى يختص ببناء وحراسة المقابر وفتحها وتجهيزها عند إدخال الميت، أما الحفار فيقوم بغسل الجثمان ووضعه في القبر وغلقه عليه والدعاء له عقب عملية الدفن. حمدى أحمد عشري، 32 عاما حاصل على دبلوم صنايع، ويعمل حفار مدينة أبوتيج، يقول: عملت بمهنة الحفار وبدأت بدفن الموتى لما كان عمرى 10 سنوات مع والدى وأعمامي، وبعد وفاة والدى وخلفته بالعمل وعمرى 16 عاما. وعن إحساسه داخل المقبرة يضيف: داخل المقبرة «عالم تاني»، أي ما بين باب المقبرة والعالم الخارجى عالم آخر، بداخل القبر أفكر دائما في مسئولية دفن المتوفى بالطريقة الشرعية وبأيسر الطرق حتى لا أصدم جسد الميت في حوائط المقبرة، وأحرص على مراعاة وجه باب المقبرة، لتوجيه المتوفى نحو القبلة. يطلق حمدى على مهنة «الفحار» «الصندوق الأسود»، لأنه يشهد اللحظات الأخيرة لحياة البشر، وكذا يرى علامات ما بعد الموت، لكن طبقا لتعليمات رسول الله يحرص على ألا يذكر أي منها سوى حسن الخاتمة، لأنها من أسرار الموت، تلك التي تظهر مبكرا عند عملية الغسل وتجهيز الميت للدفن مثل بياض الوجه حتى وإن كان المتوفى من أصحاب البشرة السمراء والابتسامة لوجه الميت، الجسد يكون لينا ورطبا، وأن يبدو الميت وكأنه إنسان طبيعى ما زال على قيد الحياة. حمدى أضاف: الحفار إنسان عادى جدا، وقدرى أن أعمل بهذه المهنة، تلك التي علمنا إياها الغراب، ولكن ما يؤذى مشاعرى يكمن في تعامل الآخرين معنا، إذ دائما يتعاملون بطريقة يغلب عليها الحيطة والحذر والخوف. وبخصوص أصعب لحظات العمل التي مرت به يقول حمدي: «غسل وتكفين ودفن والدى بيدي، وقتها لم أنهر، علما بأنه علمنى أن أمارس المهنة ابتغاء وجه الله، وألا أسأل أهل المتوفى أجرا، إلا بما يجودون به، نظير الغسل والدفن». صاحب ال 32 عاما أوضح أن عملية دفن جثمان المتوفى واحدة ولا فرق بين رجل وامرأة، حيث تبدأ بوضع الميت على جنبه الأيمن، ثم الخروج وغلق باب المقبرة بالحجارة والرمل والجير، وتنتهى بالدعاء له أمام باب المقبرة بعد غلقها. وعن الفرق بين التربى والحانوتى والحفار أوضح أن مهنة الحفار تشمل عملية الغسل وتفصيل الكفن وإنزال الميت إلى المقبرة ودفنه، أما الحانوتى فهو من يبيع مستلزمات الميت من أقمشة وعطور وأدوات يحتاجها الميت في عملية انتقاله من الدنيا إلى الآخرة، أما التربى فإنه يقوم بأعمال رعاية المقابر وبنائها، ويدخل ضمن نطاق عمله فتح المقبرة وتجهيزها حينما يكون هناك ميت قبل وصوله إلى المقابر. كما أضاف أن هناك مواصفات لتفصيل أكفان الرجال تختلف عن السيدات، فأكفان الرجال تتكون من 3 قطع عبارة عن قميص وإزار (السترة الداخلية للرجال) وصديرى ويكون من اللون الأبيض، أما كفن السيدات فيتكون من 5 قطع من القماش الأبيض والألوان ويستحب اللون الأحمر أو الأخضر، وذلك لتمييز جثمان المرأة عن الرجل، ونقوم بتفصيل الكفن طبقا للشريعة الإسلامية وهى عدم الخياطة بالإبرة والخيط أو القص بالمقص.