علاقتى بالدكتور كمال الجنزورى تمتد إلى ما قبل ثورة 25 يناير.. عندما كنا نخطط للثورة مع الشباب المصرى عبر الفيس بوك.. وكان الجنزورى في ذلك الوقت يدخل الفيس باسم مستعار.. حيث كان يلقب نفسه ب"الصياد".. ساعتها طلب منى صداقة.. فدخلت على صفحته فوجدتها مليئة بال"بوستات" السياسية التي أعجبنى أسلوبها المتناسق.. وافقت على الصداقة لكنى أردت أن أعرف من هو الصياد هذا.. بعد ساعة من قبولى الصداقة وجدت عمنا الصياد يدخل معى على الدردشة الخاصة ويقول لى "مساء الخير سطوطة هانم.. أشكرك على قبول الصداقة".. فقلت "مساء النور.. لقد أعجبنى أسلوبك في تحليل الموقف السياسي المصرى وتشرفت بصداقتك لكن أريد أن أتعرف على شخصية الصياد".. قال: أنا يا ستى اسمى الدكتور كمال الجنزورى ! قلت: وهل أنت من عائلة الدكتور الجنزورى رئيس وزراء مصر الأسبق أم هذا مجرد تشابه أسماء ؟! قال: بل أنا هو.. أنا الجنزورى رئيس الوزراء ! قلت: أهلا بحضرتك هذه فرصة سعيدة جدا.. ولماذا تدخل باسم مستعار ؟! قال: علشان أقول اللى في نفسى وأدعم الشباب الثائر بطريق غير مباشر ! المهم أن العلاقة بينى وبين الجنزورى قد توطدت عبر فيس بوك حتى اندلعت ثورة يناير وعدنا نحن _الفشارين_ إلى القاهرة نعسكر في ميدان التحرير مع المتظاهرين حتى انتهت بتخلى مبارك عن الحكم وجرت أحداث سريعة وتولى المجلس العسكري حكم البلاد وعدنا إلى ديارنا.. وبينما أتصفح الفيس بوك وجدت رسالة من الجنزورى تقول لى "ليس من المعقول أن تكونى في القاهرة ولا أراكى.. فهذا رقم هاتفى وسأنتظر مكالمة منك نحدد على أثرها موعدا للقاء"... بالفعل اتصلت بالرجل والتقينا في منزله ودار بيننا حوار مطول حول أوضاع البلد تحسست من بين ثناياه أن الرجل طامح في العودة لمنصب رئيس الوزراء. بعد أن انتهى اللقاء تحمست أنا للفكرة واتجهت لدرب الفشارين وكتبت ما دار بينى وبينه في اللقاء من خلال حوار حصرى كان عنوانه "الدهن في العتاقى". ويبدو أن الرسالة قد وصلت للمجلس العسكري ففوجئت بالدكتور كمال الجنزورى يتصل بى ويقول لى إن القيادة تعرض عليه منصب رئيس الوزراء وأمهلونى 24 ساعة للتفكير.. فما رأيك ياسطوطة هانم ! قلت: توكل على الله واقبل العرض فليس أعلم بشئون مصر منك يا دكتورنا الجميل ! كان الرجل قد بدا عليه أنه اتخذ قرار الموافقة لكنه يريد أن يسمعه ممن حوله حتى يشعر بأنه ما زال مرغوبا فيه من الجميع فأنهى المكالمة وفى صباح اليوم الثانى انتشر خبر تولى الجنزورى لمنصب رئيس الوزراء، الأمر الذي انتقده البعض وفسروه بأن مصر تعود للوراء واستحسنه آخرون لما يرونه في الرجل من خبرة مازالت مصر في حاجة إليها.. المهم أن الجنزورى قضى مدته في الوزرارة مثل غيره ممن تناقلوا المنصب عقب الثورة ثم عاد للاختفاء عن الأعين لدرجة أنه أغلق "أكاونت" الصياد الخاص به على الفيس بوك. ودارت الأيام ومرت الأيام والشهور والسنون ولم نسمع عن الجنزورى خبرا سوى في الأيام الأخيرة، حيث بدأت الألسنة والصحف والمواقع تتناقل خبر تكوين جبهة لخوض انتخابات مجلس الشعب بقيادة الدكتور كمال الجنزورى رضى الله عنه وأرضاه. ومرة ثالثة ظهر الرجل المسن للأضواء وكأننا ندور في دائرة مغلقة أبطالها لا يتبدلون... وكعادتى لا يعجبنى الحال المايل استفزنى الأمر عندما ذاد عن حده... وفى يوم الجمعة الماضي اتصلت بالرجل وقلت له أنا سطوطة الفنجرى يادكتور كمال ! مرت ربع ساعة وأنا أذكر الرجل بنفسى وبصداقتى به ومعاونتى له أثناء رغبته في العودة لمنصب رئيس الوزراء. بعد أن عادت الذاكرة للرجل قال لى: أهلا أهلا سطوطة هانم.. إزيك يابنتى.. أنا أتابع حواراتك الجميلة في درب الفشارين والتي كان آخرها مع "عمرو موسى" فلقد أمتعنى هذا الحوار ! قلت: لقد كان آخر حوار مع وزير الداخلية ياكمال بيه لكن يبدو أنك لم تهتم سوى بعمرو موسى.. عموما أنا في هذه المرة أريد أن أجرى حوارا معك أنت ياسيد الناس ! قال: أنتى تنورينى ياقمر.. لكن كى نتحاور في حال البلد حوارا ليس للنشر ولكن لأقف على رأيك فيما هو آت ! قلت: وأين سنلتقى ؟! قال: هنا في منزلى ! قلت: ولماذا الإزعاج لأهل المنزل يادكتور.. دعنا نلتقى في مكتبك ! قال: لا تقلقى فأنا أعيش هنا وحدى وليس معى سوى القائمين على مساعدتى ! قلت: هذا يعنى أننا سنكون وحدنا في المنزل يادكتور ! قال: نعم ! قلت: والشيطان ثالثنا يادكتور ! قال: شيطان إيه وزفت إيه.. يابنتى إحنا خلاص يللا حسن الختام ! قلت: يعنى حسن الختام عنى أنا وماهواش حسن الختام عن المناصب والسياسة يادكتور ؟! قال: هذه نقرة وتلك نقرة أخرى وبلاش لماضة يللا أنا مستنيسكى بكره الساعة 12 ظهرا ! قلت: هذا يعنى أننى سأتناول الغداء معك ياسيد الناس ! قال: الغداء والعشاء ولو أردت أن تنامى هنا فالمنزل يسع الكثيرين ! قلت: يعنى كمان ناوى تعمل حفلة وعايزنى أبات ! قال: يللا ياسطوطة أنا مستنيكى وبلاش الغلبة دى ! انتهت المكالمة وفى تمام الثانية عشرة ظهرا من يوم السبت الماضى، كنت في منزل الدكتور الجنزورى حيث وجدته في انتظارى فسلمت عليه وقبل يدى وقال لى وحشتينى ياسطوطة ! قلت: يالهوى عليك وعلى حنانك ياسيد الناس.. وأنت كمان وحشتنى خالص ! قال: الأولاد عايزينى أترشح في مجلس الشعب ياسطوطة ويلحون في هذا الأمر ! قلت: أليس هذا الترشح قصيرا على مقاس كمال بيه الجنزورى ؟! قال: الهدف ليس عضوية المجلس ياسطوطة بقدر ماهو رئاسة المجلس الذي سيدير البلد في المرحلة القادمة ! قلت: ألم يكن "عمرو موسى" هو المعنى بتشكيل ائتلاف من المرشحين الوطنيين للمنافسة على الانتخابات وتوليه رئاسة المجلس فيما بعد ؟! قال: المفروض ذلك.. لكن موسى أخذته العزة بالإثم وظن أنه الرجل الأول في مصر بعد الرئيس السيسي خاصة عندما أسندوا له لجنة الخمسين ونسى أنه كان مطلوبا في مرحلة معينة وانتهى دوره لدرجة أن قادة الأحزاب والشخصيات العامة اتفقوا عليه، وهم من طلب منى الترشح وتكوين جبهة وطنية لخوض الانتخابات القادمة بعيدا عن موسى ! قلت: ولذلك أنت تتذكر حوارى الأخير مع عمرو موسى وتصفه بالحوار العبقرى ! قال: الأولاد أتوا لى بالجريدة وقالوا لى انظر ماذا فعلت سطوطة بموسى ! قلت: ولماذا اختاروك أنت بالذات يادكتور ! قال: لأنه لا يفل الحديد إلا الحديد ! قلت: حديد إيه وبتاع إيه.. دا هو بيلعب في الثمانينات وأنت تنافسه فيها.. يعنى انتو الإثنين يللا حسن الختام في حين أن البلد يجب أن تستعين بشبابها ! قال: الشباب شباب القلب ياسطوطة والسياسة ليس لها علاقة بالسن ! قلت: ألم تقل لى في التليفون "يللا حسن الختام" ؟! قال: دا بالنسبة للّماضة اللى بتتكلمى فيها وليس بالنسبة للسياسة ! قلت:يعنى مش هنعمل حفلة ! ضاحكا قال: الله يجازيكى ياسطوطة ! قلت: لكن ظهورك على الساحة السياسية الآن وتدخلك في تشكيل تحالفات انتخابية أمر لا يليق بتاريخك يادكتور فأنا أخاف عليك من التلاسن ! قال: كل شيء مدروس ولا تقلقى ! قلت: البلد راحت في ستين داهية وكان كل شيء مدروس أيام ولايتك خلال حكم مبارك ! قال: مبارك وأسرته هم سبب خرابها ولست أنا ! قلت: تأكد ياسيدى أن من أتى بك ليحرق عمرو موسى سيأتى بغيرك ليحرقك ويضيع تاريخك السياسي ! قال: لا تقلقى ياسطوطة، فالدهن في العتاقى وانتظرينى رئيسا للبرلمان القادم ! قلت: ألا ترى أنه من الخطأ السياسي أن يتم تكوين ائتلاف انتخابى لمجلس الشعب بين مجموعة من الوزراء داخل مكاتب حكومية ؟! قال: يابنتى المكاتب مكاتبنا والبلد بلدنا والمجلس مجلسنا.. لا تأخذى في بالك ! قلت: أولا تأتى لنتجول قليلا في حديقة منزلك ؟! قال: يابنيتى أنا لا أقوى على المشى الكثير ! قلت: لكنك تقوى على تشكيل مجلس شعب وخوض انتخابات من أجل رئاسته ! قال: قلت لك هذه نقرة وتلك نقرة أخرى ! قلت: يعنى لو قلتلك "هئت لك" ألم تتحرك عن مقعدك ! قال: ولااااااااااااااااااااااااااا الهوى ! وهنا ضحكنا معا ووقفت أستأذن في الانصراف إلا أن الرجل أقسم علىّ أن أتناول معه طعام الغداء فاضطررت لتلبية الدعوة وبعد الغداء وتناول القهوة انصرفت إلى درب الفشارين، وجلست أكتب لكم مادار بينى وبين الرجل القابع في منزله، يحلم بأن يرأس مجلس نواب سيشكل تاريخ مصر القادم، رغم كونه أحد رموز ماضية الذي أتلفه الهوى !