فى بداية مقالى هذا الأسبوع أتوجه بخالص و أحر التعازي إلى شهداء مصر الذين سقطوا فى موقعة بورسعيد الخميس الماضى, و الذين نعتبرهم امتدادا أصيلا لشهداء الثورة المصرية الذين سقطوا منذ بدء ثورة يناير الغراء . لن أتناول هنا أحداث الخميس الدامي، وأتحدث عن مسئولية الحكومة ، ورئيسها او الأجهزة الشرطية أو حتى اتحاد كرة القدم ، بل أود الحديث اليوم بشكل أكثر عمقا ، محاولا رؤية الأمور من زاوية أخرى.. اكتب اليوم عن المجلس العسكري و رؤيته، و تعامله مع الثورة منذ يوم الثامن و العشرين من يناير من العام الماضى، الذى يدعى قادته أنهم حموها, ووقفوا معها فى مواجهة مبارك .. اعتقد أن المجلس العسكري كطبيعة عسكرية يميل إلى النمط المحافظ و اللاثورى ، وبالتالى اعتقد أن رؤيتهم للثورة من البداية لم تكن الانحياز الثورى بل كان هذا الانحياز لسببين أولهما :استشعاره باهتراء تعامل مبارك مع الأزمة و عدم قدرته على إدارتها مما يورطه فيما لا تحمد عقباه ، اما السبب الثانى فهو أن الثورة سوف تخليه من جمال مبارك للأبد ، وبالتالى تحولت الثورة والثوار عنده إلى وسيلة إلهية للتخلص من التوريث ، لما كان يمثله من هاجس فى نفوس وعقول القيادات العسكرية ، وهو ما تم لها، وانتهى جمال مبارك للأبد . هذان السببان هما تصورى مما جعل العسكر ينحاز للثوار ، وربما تضاف لهما أسباب اخرى مثل الضغط الأمريكى ، والغربي و غيره من الأسباب . و بعد تنحي مبارك انتقل المجلس تدريجيا إلى المرحلة الثانية من التعامل مع الثورة و الثوار وهو التعامل مع الثورة على أنها حركة إصلاحية تروم تعديل بعض الأوضاع عن طريق إحداث تغييرات طفيفة ظاهرية على بنية النظام مع الحفاظ على جوهره، ومضمونه والذى يعتبر المجلس العسكري نفسه احد صوره و احد أركانه ( أؤكد مرة اخرى على انه يوجد فارق بين المجلس العسكري و بين الجيش المصرى الذى هو ملك كل المصريين ) ، وهو الأمر الذى لم يكن ليرضي الثوار والشباب الذين عندما هتفوا :"الشعب يريد إسقاط النظام" لم يكونوا يهدفون الى إسقاط رأس النظام ، وبعض معاونيه بل كانوا يتحدثون عن إحداث تغيير حقيقى فى بنية النظام السياسي وهو ما لم يكن يريده العسكر، لما فى ذلك من مساس بوجودهم نفسه ، و هنا أؤكد ان تغييرا مثل ذلك يحتاج الى سنوات ، ولكن اعتقد انه كان يمكن إنجاز المعقول والمقبول من هذا الهدف عن طريق تشكيل حكومة تعبر عن الثورة وروحها تضم رموزا للعمل الوطنى و الكفاءات الحقيقية التى يمكنها الإنجاز ، و لكن غابت الإرادة السياسية عند القائمين على إدارة البلاد ، و آثروا الحفاظ على أوضاعهم، وذلك عن طريق اختيار وزراء و مدراء ينتمون لمدرسة مبارك، وهو الأمر الذى كشف تصور المجلس للثورة ونواياه اتجاهها . و بعيد ذلك انتقل العسكري إلى المرحلة الثالثة التى نعيشها الآن وهى التعامل مع الثورة كما كان يراها من البداية ألا و هو أنها ليست ثورة بل أصبح وجودها ووجود الثوار يمثل خطرا حقيقىا على مصالح المجلس العسكري ، وعلى ذلك اخرج المجلس العديد من الأسلحة والأدوات لهدم وتشويه متعمد للثورة و الثوار ، و من هنا لم يكن غريبا أن يكون معظم الذين يتم استدعاؤهم و تشويههم إعلاميا الآن هم نفس الاشخاص الذين كان يتم تشويههم و ملاحقتهم امنيا و قضائيا فى عصر مبارك ، و من ذلك نستطيع ان نرى ان المجلس اصبح يتعامل مع الثورة على انها عدو لابد من القضاء عليه مهما بلغ ذلك من نتائج ولو وصل الامر إلى الإيقاع بين المصريين و بين بعضهم ( ليبراليين / إسلاميين - اهلاوية / بورسعيدية - مسلمين و أقباطا - ... الخ ) وما سبق يدفعنا للقول بان الثورة فى خطر حقيقى لو انقسم المصريون إلى شيع و اطياف متعاركة ، ولكن .. ليعلم المجلس العسكري ان الثورة ستنتصر شاءوا ام أبوا ، و للأسف خسر العسكري جميع فرص الخروج الآمن ،وربما حاول الانتقال للهروب الآمن .... لك الله يا مصر