بهجة ودوار لذيذ يصيبك وأنت تحلق مع رائحة الفول الممتزجة بعبير «البليلة» ووجه «عم حسنين» الضاحك دائماً يؤكد لك فى كل مرة: «هتاكل وتدعيلي».. ساعتان من المشى معه للحصول على حوار ثرى كان ممتعا ومدهشا... «من أيام المستوقد».. عشرون عاماً فى مرافقة قدرة الفول بدأها «عم حسنين» وقد اقترب من الخمسين وتأثر جسده من طول العمل الشاق، كما أنه كان قد زوج ابنتيه فى سن صغير وبقى «الولدان» يتعلم كل منهم «الصنعة» التى يحب... اختياره لمشروع قدرة الفول جاء كفكرة مريحة مربحة برأس مال قليل، عربة وقدرة وفول بنار «المستوقد» تظهر بقايا أسنانه وهو يضحك لاندهاشك «طبعاً لا يعرف أحد من جيلك ما هو المستوقد» يسترسل «عم حسنين» فى وصف خرابة كبيرة لها باب خشبى وغرفة بمدخنة عالية تحرق بها مخلفات الأخشاب وغيرها، ومع مرور الأيام قرر أن يجرب هو عمل الفول بعيداً عن المستوقد، وقد كان.. نجحت التجربة وقرر أن يوسع نشاطه بقدرة إضافية للبليلة.. لم تكن هذه القصة هى سر تألق «عم حسنين» وإنما كتاب حياته «على بعضه» كما يحلو له أن يسميه.. فهناك عشرون.. أخرى تسبق رحلة الفول والبليلة بدأت بانتقاله وهو الشاب العشرينى المزارع من قريته بمحافظة بنى سويف إلى القاهرة بحثاً عن عمل بعائد أفضل، هناك ومع أبناء عمومته الذين يعملون فى «المعمار» ساعد إصراره، وقوة البنية التى تميز بها بين أقرانه، ووالده المريض وأشقاؤه الذين ينتظرون جميعاً مشاركته معهم ومساعدته لهم على الظهور سريعاً بين أفراد «طائفة المعمار» التى بدأ فيها «عم حسنين» كمساعد صغير يحمل «الطوب والمونة» ثم مرت عليه السنوات التى جعلت من الصبى «أسطي» يكسب ما يرضيه، ظل يرسل لعائلته حتى استقل كل أخوته وتوفى والده، وبعدها تزوج.. كان مزارعا فى قريته، تحول إلى مزارع بعدما قرر والده إقصاءه من المدرسة فهو أكبر أبنائه، والحمل ثقيل.. قضى ما تبقى من طفولته وبداية شبابه أجيراً باليومية جنيهات قليلة كانت تسعده، وابتسامة والده وهو يدسها فى يده آخر النهار كانت عنده الدنيا.. ولكن الزمن يمشى بالعكس - على حد تعبيره- فالاحتياجات تزيد ولا تزيد النقود، ويضيق الحال حتى ينفرج عن رحيل إلى مجتمع أرحب.. وقد كان. ابتعد «عم حسنين» ونداؤه «فول وبليلة» يرتفع مكوناً فقاعة ملونة تشاهد فيها بوضوح صورة لطفل يقطع طريقه لمدرسة القرية يركض ويضحك، لم يعرف يوماً ما تخبيء له الدنيا.