تحولت الساحة السياسية إلى ما يُشبه بركانًا يكاد ينفجر بين الحين والآخر، فى ظل الصراع الدائر بين جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الليبرالية، المطالبة بإسقاط الرئيس مرسى، والتحدى والإصرار من جانب الإخوان للاستمرار فى مخطط الهيمنة على مفاصل الدولة، وإصباغ كل شىء بصيغة إخوانية؛ بهدف الوصول إلى "دولة الخلافة".. أمام كل هذه الملفات الشائكة كان لنا هذا الحوار مع الدكتور نصر عبدالسلام، رئيس حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، الذى هاجم فيه المطالبين بإسقاط الرئيس مرسى، مستبعدًا وجود ميليشيات مسلحة للتيارات الإسلامية، متهمًا الإعلام بأنه يُروِّج الشائعات ويصدقها، ومؤكدًا ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية.. فإلى نص الحوار: - فى البداية كيف تُقيِّم لنا أداء تيار الإسلام السياسى فى الشارع المصرى.. وهل يمتلك الإسلاميون ميليشيات مسلحة؟ * أولاً، أنا أعترض على مسمى "تيار الإسلام السياسى"؛ لأن هناك إسلام ودين ودولة، والنبى صلى الله عليه وسلم كان إمامًا فى الصلاة، وحاكمًا للدولة الإسلامية، وبالتالى الإسلام دين ودولة، فالله أنزل القرآن ليشمل الدنيا والآخرة، وليس قاصرًا على الدنيا وحدها أو الآخرة وحدها، من هنا نجد أن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ليست ملائكة، إنما هم بشر لهم إيجابيات وسلبيات أيضًا. - الانتقادات تزايدت ضد الدستور.. وظهر ذلك قبل وأثناء الاستفتاء عليه.. بل إن هذه الانتقادات مستمرة حتى الآن.. فهل أنت راضٍ عنه.. وهل يؤسس بالفعل للدولة الدينية وتطبيق الحدود؟ * إذا كنت تقصد المخالفات التى تحدث عنها البعض فى الاستفتاء، وحدوث وقائع تزوير، فهذه يحددها القضاء واللجنة العليا للانتخابات، وأى عمل لابد أن تشوبه شائبة، فضرورى أن تكون هناك أخطاء فى الاستفتاء، وقد وافقنا على الدستور رغم وجود ملاحظات للجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية على المسودة النهائية للدستور، لكننا فى النهاية وافقنا عليه؛ لأن به من النقاط العظيمة، سواء تحجيم سلطات رئيس الجمهورية أو رعاية الفقراء ومحدودى الدخل، أضف إلى ذلك أن الدستور فى مادتيه "217 و218" يقر بتيسير تغيير المواد أو حذفها أو تغييرها بنحو 70 عضوًا فى مجلس النواب، وبالتالى نحن أيَّدنا ذلك، من أجل اكتمال مؤسسات الدولة؛ لأن حجم العيوب لا تمنع الموافقة عليه. - وما رأيك فى معارضى مرسى الذين يتزايدون ويُطالبون بإسقاطه؟ * لابد أن نفرق بين معارضة الدكتور محمد مرسى فى عدة أمور، فهذه المعارضة أمر عادى، لكن الإساءة فى الأدب، هذا ليس من حق أحد، والقضية الكبرى هى إساءة الأدب من جانب البعض، فهناك من له حق فى معارضته، وهناك من يعارض وفقًا لأجندة خارجية أو بحثًا عن الكرسى، فنحن نؤيد الرئيس مرسى، لكننا نعارضه فى بعض الأمور، دون تجريح أو خروج على أدب الحوار والخلاف، ومن ينادون بإسقاط الرئيس مرسى أو خلعه، كشفوا عن أنهم وصلوا لمرحلة الإفلاس السياسى، وهذا يخرجنا بعيدًا عن الديمقراطية التى تنادى بالاحتكام للصناديق، وبالتالى يمكن لهم بعد 4 سنوات تغييره عن طريق صندوق الانتخاب أيضًا. - البعض يرى أن مصر فى انتظار ثورة ثانية قريبًا.. فهل تؤيد ذلك؟ * أنا شخصيًا أستبعد اندلاع أى ثورات فى الفترة الحالية، لسبب مهم جدًا أنه لا توجد معارضة حقيقية، لكن رجال الأعمال وأصحاب الأموال وفلول الحزب الوطنى وبعض الفضائيات التى تعمل وفق أجندة محددة هدفها النيل من الدولة واستقرارها، هى التى تروج لهذا الأمر، فكل هؤلاء ينفخون فى النار من أجل إشعالها، لكن بعد انتهاء الاستفتاء على الدستور الجديد بنعم، والإعلان عن موعد الانتخابات البرلمانية، أعتقد أن مصر تنطلق نحو النهضة والتقدم بإذن الله. - ولكن البعض يرى أن الرئيس مرسى لن يكمل فترته الرئاسية.. فما تعليقك على ذلك؟ * هذا الكلام مجرد آمال من البعض واجتهادات من البعض الآخر، لكنى أرى أن الدكتور مرسى يكمل فترة الرئاسة؛ لأن هذه هى الديمقراطية التى جاءت به عبر صناديق الانتخاب، وأن أى محاولة للانقلاب عليه يتصدى لها الشعب، خاصة أن هناك العديد من التيارات تؤيده من أبناء الشعب المصرى، وبالتالى نحن جميعًا لا نقبل بالانقلاب على الشرعية، ولن يسمح الشعب بأى انقلاب عليها. - إذا كنت تنكر وجود ميليشيات مسلحة للتيارات الإسلامية.. فمن وراء العمليات الإرهابية فى سيناء وقتل جنود رفح وأحداث مدينة نصر؟ * البلد يعيش حالة من الانفلات الأمنى، وبالتالى لا نستبعد دخول أى عناصر تخريبية، سواء خارجية أو داخلية، وارتكاب هذه الجرائم، خاصة أن الكل يسعى لعدم تبوء مصر مكانتها، والفريقان يعملان وفق أجندة خارجية، هدفها إسقاط الدكتور محمد مرسى، أما ما يتردد عن وجود عناصر لتنظيم القاعدة فى مصر، فهذا الكلام غير صحيح، ومن يردده لا يعلم حقيقة هذا التنظيم. - وهل أنت راضٍ عن طبيعة العلاقة بين الدكتور مرسى وإسرائيل؟ * لا توجد علاقة بين الرئيس مرسى وإسرائيل، إنما يُروِّج لذلك بعض رموز الإعلام الفاسد الذى يريد أن يعكر صفو الحياة، والعلاقة بين الشعب والرئيس، بل وصل البعض إلى حد الإعلان أن الرئيس مرسى يريد أن يجعل سيناء وطنًا بديلًا للفلسطينيين، وهذا أيضًا غير صحيح؛ لأن الفلسطينيين لا يقبلون بالتفريط فى أرضهم، فضلًا عن أننا لا نقبل التفريط والتنازل عن شبر من سيناء، التى قدم أبناؤنا دماءهم من أجلها، أما عن "ترسيم الحدود"، فهدفه التدخل فى الاتفاقيات التى أبرمها مبارك، من أجل حماية حدود مصر، وهى ميزة تجعل مصر تتخلص من حالة التكبيل التى كبلها بها النظام السابق. - البعض انتقد تعيين د.صفوت عبدالغنى عضو مجلس شورى الجماعة بمجلس الشورى بدعوى اتهامه فى اغتيال المحجوب.. فما رأيك؟ * من ينتقد ذلك جانبه الصواب؛ لأن القضاء المصرى أثبت براءة د.صفوت عبدالغنى من هذا الاتهام، وبالتالى د.صفوت لا يوجد أى اتهام ضده، وما يتردد هو من قبيل الافتراءات التى صنعها النظام السابق لتشويه صورة الجماعة الإسلامية.. فلماذا يتم فتح موضوعات قديمة أغلقها القضاء؟! - وما حقيقة وجود صفقة بينكم وبين الإخوان.. بموجبها تم تعيين 3 لكم فى الشورى؟ * هذا الكلام غير صحيح، بل العكس هو الصحيح، فالحزب عُين منه 3 فقط، فى حين أنه تم تعيين 9 من حزب الوسط، وبالتالى فمساندتنا للرئيس مرسى تأتى فى إطار الانحياز للثورة والشريعة الإسلامية، وشهدت الوقائع بعد الثورة على أن مواقف الحزب والجماعة ليس لها هدف دينوى، إنما هدفنا الآخرة، ومصلحة الوطن. - أعلنت عدم قبولك برئيس مسيحى.. وفى نفس الوقت تقول إن الديمقراطية هى التى جاءت بالرئيس محمد مرسى.. كيف؟ * وفقًا للأعراف الدولية المعمول بها لا يمكن لرئيس أقلية أن يقود البلاد، بل إن دساتير بعض الدول الأوربية مثل السويد والنرويج وغيرها تقضى نصًا على الطائفة وليس الديانة، مثل أن يكون رئيس الجمهورية من الطائفة الأرثوذكسية أو الإنجيلية أو الكاثوليكية.. إذن هذا الأمر منته بالنسبة لنا، وهذا ليس تشددًا من البلد، بل هو موقف دستورى قانونى، حتى النظام القديم نفسه كان يرفض أن يعتلى الأقباط المناصب القيادية فى الدولة، لأنهم أقلية. - ألا ترى أن لفظ أقلية يُثير الفتنة؟ * لا، هذا التوصيف لا يثير الفتنة؛ لأن الطوائف المسيحية نفسها تختلف مع بعضها البعض، وأحيانًا يكفرون بعض. - هناك اتهامات توجه إليكم بمحاولة استقطاب البسطاء بتوزيع السكر والزيت.. فما ردك؟ * نحن نقدم مساعدات للفقراء، ونقيم مشروعات خيرية من أجلهم ونوزع عليهم الملابس، وهذا كله فى إطار المساعدات، وليست رشاوى للمواطنين، ومن يروج هذه الاتهامات لا يستحق الرد عليه؛ لأنه يختزل إرادة الأمة فى سكر وزيت، وهذا منطعف غير شريف، وكلام منافٍ للحقيقة التى لا يتحدث عنها أحد، بدليل أن هناك آخرين أنفقوا الملايين من التيارين الليبرالى والعلمانى فى الدعاية والهدايا، ولم يؤيدهم الشعب، فخرجوا يصفون الشعب بأنه متخلف. - وماذا تقول فى اتهام أبناء د.عمر عبدالرحمن لكم بالتخاذل عن نصره شيخكم؟ * الدكتور عمرعبدالرحمن لا يمثل أسرته فقط، فهو شيخ وزعيم وتاج على رأس الجماعة الإسلامية، وهو ممثل التيار الإسلامى فى مصر، فهو عالم أزهرى جليل، فقد قال لمبارك لا، ومهما قالت الجماعة فلن تعطيه حقه، وقد فعلنا الكثير لإخراجه، ونحن مقصرون فعلًا فى حقه، بسبب ضيق ذات اليد، وعدم وقوف المؤسسات الشرعية معنا، والكرة الآن فى ملعب الرئاسة. - أخيرًا: ما طبيعة العلاقة بين الجماعة الإسلامية وجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟ * أولًا لا توجد جماعة بهذا الاسم، إنما هى أكاذيب صنعها بعض الإعلاميين وصدقوها، والجماعة الإسلامية إذا كانت تتشرف بتطبيق "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر"، باعتباره فريضة، لكن الدعوة له بالمعروف، وليس بالعنف - كما يردد البعض.