لا تستعجب عزيزي القارئ من العنوان لعله قد يكون بالنسبة لك وللكثيرين، عنوانًا صادما، ففي الوقت الذي اتفقت فيه جميع حكومات العالم في القضاء على الفقر وتحدي الجوع من خلال دعم الفقراء وتحسين أحوالهم، اتخذت حكومتنا مسلكًا آخر للقضاء عليه، ولكنها هذه المرة لم تتخذ إجراءات تقليدية أو أساليب يمكن أن تجدها في دولة أخرى في العالم، فاعتبرت حكومتنا أن القضاء على الفقراء أنفسهم ومحاربتهم قد يكون سبيلًا للقضاء على الفقر في مصر والحد من نسبته. ما أوجزته في المقدمة البسيطة كانت انعكاسا لما لمسته من حالة إحباط ويأس أصابت المواطن البسيط، والذي استشعر بأن الحكومة الجديدة قد خيبت آماله وطموحاته في العيش بكرامة وعدالة اجتماعية، انتظر تحقيقها بعد تلك الحكومة تحديدا، لاسيما بعد انتخاب رئيس جديد للبلاد، علق عليه فقراء الوطن خاصة، ما ابتغوه من ثورتين على مدى ثلاث سنوات. فالحكومة الجديدة والتي تم اختيارها على طريقة "مقاول" شاطر، منذ أيامها الأولى، وقد شهدت تخبطًا غير معهود في القرارات، فنهارًا تجد الحكومة وكل أعضائها يغازلون الفقراء من أبناء هذا الوطن، وتصريحات حول حرصها على رفع العبء عن كاهلهم، ثم تأتى ليلًا لتصدر قرارات من شأنها إعلان الحرب عليهم بشكل مباشر، وكأن قرارات الحكومة في واد وتصريحاتها في وادٍ آخر. والغريب في الأمر أن كل تلك القرارات التي اتخذتها حكومة "المقاولين"، جميعها تأتى في غير صالح محدودى الدخل ومعدميه، وهى الفئة التي تكبدت كثيرًا بسبب فترة انتقالية ساء تقدير موقفها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وحتى الآن، بل وكانت تلك الفئة ترى أحلامها مرأى السراب مع كل مرحلة يمر بها الوطن في تلك الفترة، وتعلق آمالها على المرحلة نفسها ولكن دون جدوى. أما الأغرب من ذلك أن تلك الحكومة نفسها، تقف مرتعشة الأيدى أمام كبار الدولة والرأسماليين غير الوطنيين، بدءا بحد أدنى عجزت في تطبيقه الفعلى، وحتى حد أقصى قالت إنها ستطبقه على الأجور وليس الدخول من الوظائف الاستشارية ذات الرواتب المتميزة، مما يزيد من التفاوت الملحوظ في كل شيء في بلادنا، بين شعبين الأول لا تكاد أن تراه، والثانى تحميه الدولة بكل أجهزتها. ورغم ذلك إلا أن الحكومة وقفت متلعثمة عندما هدد مستشارو الدولة وكبار رجالها، بترك مناصبهم حال تطبيق الحد الأقصى عليهم، وعلى النقيض تمامًا ما قاله أحد المحافظين للعمال عند زيارته لأحد المستشفيات عند شكوتهم لضعف الأجور والتي لا تزيد بالنسبة للبعض على 100 جنيه ليقول لهم بكلمات صادمة عجزت الحكومة في الرد عليها، "اللى مش عاجبه مرتبه يسيب الشغل". حتى وعندما أعلن الرئيس عن مبادرته بالتنازل عن نص راتبه، فسرعان ما لحق به رجال الأعمال من القطاع الخاص لتغازله، ويعلنون التبرع للصندوق الذي أنشأه تحت اسم "تحيا مصر"، بجزء من ثرواتهم، بل والبعض بالغ في الغزل الصريح، وأعلن أن العاملين في مؤسسته تنازلوا عن نصف رواتبهم لهذا الشهر دعمًا للصندوق، وخصمًا على العامل "الشقيان" الذي لا حول له ولا قوة، ويقف مكتوف اليدين أمام هيمنة صاحب المنشأة. وعلى سبيل تنفيذ تعليمات الرئيس "النهارية" برفع العبء عن كاهل المواطن البسيط ومحدودة الدخل، خاصة في رمضان، خططت وزارة التموين لتنفيذ تعليمات الرئيس "ليلًا" من خلال غلق وتجديد 180 مجمعا استهلاكيا، تابعة للشركة القابضة للمجمعات الاستهلاكية، في شهر رمضان بحجة التجديد والتطوير، ليفتح الباب على مصراعيه أمام السوق السوداء والتجار المحتكرين، دون حتى النظر في تأجيل القرار وحتى انتهاء عيد الفطر. أما عن قرارها الأخير برفع الدعم عن المحروقات فحدث ولا حرج، عن تبعاته، والتي لا يتحملها سوى أيضًا المواطن البسيط ومحدود الدخل بالأساس، والذي تأثر بالقرار بشكل مباشر، في زيادة تعريفة سيارات الأجرة، والتي زادت الضعف، وأسعار السلع التي تتأثر طرديًا لظروف الإنتاج والنقل وغيرها، أمام دخول ثابتة لم تتغير. فالسؤال الآن.. لم تصر حكومات مصر على الانتقام من فقرائها ومحاربتهم والقضاء عليهم؟ ولماذا تصر أيضًا على الانحياز للكبار والأقوياء بهذا الوطن وتتجاهل الضعفاء من أبناء، والذين هم الأشد تأثرًا بأي أحداث تمر بها البلاد؟.. ففقراء بلادى وحدهم من يناضلون النضال الحقيقي، وهم الأحق بأن تقف الدولة وراء مطالبهم وحقوقهم. فإلى متى يستقيظ هؤلاء مبكرين حتى لا يسبقهم إلى العذاب أحد؟!