واجه الحكومة المصريّة العديد من التحديات لتحقيق آمال الطبقة الفقيرة في المجتمع المصري، التي تزايد حجمها نتيجة المخاطر التي يواجهها الاقتصاد المصري والتوتّرات السياسية منذ ثورة يناير 2011 التي طالب فيها المصريّون بالخبز والعدالة الاجتماعيّة. بإختصار⎙ طباعة تواجه الحكومة المصريّة العديد من التحديات لتحقيق آمال الطبقة الفقيرة في المجتمع المصري، التي تزايد حجمها نتيجة المخاطر التي يواجهها الاقتصاد المصري والتوتّرات السياسية منذ ثورة يناير 2011 التي طالب فيها المصريّون بالخبز والعدالة الاجتماعيّة. وكانت الحكومة المصريّة الانتقاليّة منذ توليها السلطة عقب عزل الرئيس محمد مرسي إثر تظاهرات 30 يونيو، قد أعلنت عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية... بقلم آية امان نشر سبتمبر 24, 2013 وكانت الحكومة المصريّة الانتقاليّة منذ توليها السلطة عقب عزل الرئيس محمد مرسي إثر تظاهرات 30 يونيو، قد أعلنت عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية العاجلة ضمن برامجها للإصلاح الاقتصادي بهدف مساندة الفقراء وإحداث تغيير هيكلي يحقّق العدالة الاجتماعيّة والنموّ الاقتصادي. فتمّ إعفاء طلاب المدارس الحكوميّة من دفع المصروفات الدراسيّة وتمّ تخفيض أسعار السلع التموينيّة المدعومة بنسبة تتراوح ما بين 10% و 15%، بالإضافة إلى توفير 15 ألف فرصة عمل. وفي هذا الإطار، قال نائب رئيس الوزراء للعدالة الاجتماعيّة حسام عيسى في حديث إلى "المونيتور"، "ندرك أنه لا يمكن اللجوء إلى أسلوب المسكنات لعلاج مشاكل الفقراء. والآن تعمل الحكومة في ظلّ تحديات كبيرة لتمويل برامج جديدة تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعيّة، وقد بلغ الدين الداخلي للحكومة تريليون و300 مليار جنيه مصري. لذلك، تخصّص 27% من ميزانيّة الدولة سنوياً لسدّ فواتير الدين العام". ولفت إلى أن "الحكومة تصرف مما نسبته 73% فقط من الموازنة العامة، إلا أننا نفكر بتنفيذ برامج تنحاز للفقراء نعطيها الأولويّة". أضاف عيسي "لا نفكّر حالياً بتخصيص إعانة للبطالة والتي تكاد تكون مستحيلة في ظلّ الأعباء التي تتحملّها موازنة الدولة، كذلك لن نفكّر بإلغاء الدعم نهائياً لأنه سيكون انتحاراً سياسياً لنا. لكننا نرى أن الحلّ هو في تنشيط الاقتصاد وتحفيز القطاع الخاص للقيام بمشروعات يستفيد منها المواطنون في محافظات الصعيد وسيناء، بالإضافة إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات على المدى القصير والمتوسّط لوضع حلول عاجلة لتحسين حالة المواطن المصري". وبحسب آخر تقرير للأمم المتحدة، ارتفعت معدّلات الفقر والجوع في مصر في السنوات الثلاث الأخيرة، إذ يعيش 13.7 مليون مصري يمثّلون 17% من السكان تحت خطّ الفقر وهم يعانون من سوء التغذية ولا يستفيدون من موارد الدولة. وعلى الرغم من وضوح مؤشّرات التدهور الاقتصادي في العام الأخير ومعاناة الطبقة الفقيرة، تصرّ السلطة القائمة على التحدّث بلهجة متفائلة حول تأمين الاحتياجات الداخليّة من غذاء ووقود، بالإضافة إلى استمرارها في دعم السلع الأساسيّة التي تحتاجها الفئات الفقيرة والتأكيد على توافر الاعتمادات الماليّة والعملة الأجنبيّة اللازمة لشراء القمح والسلع الأساسيّة. من جهته قال وزير التموين والتجارة الداخليّة اللواء محمد أبو شادي في حديث إلى "المونيتور" إنه "على الرغم من الأعباء الماليّة التي تواجهها الحكومة إلا أنه لم يصدر أي قرار يمسّ بمنظومة الدعم المحدّدة ب30 مليار جنيه سنوياً والموجّهة لخدمة المواطن البسيط وتسهيل حصوله على رغيف الخبز والخدمات بأسعار تتناسب مع المداخيل المتواضعة". أضاف أنه "ما من مشاكل في رصيد القمح، ولدينا ما يكفي لستّة أشهر مقبلة". وأشار أبو شادي إلى أن الحكومة ستتّخذ "إجراءات استثنائيّة من خلال وضع تسعيرة إلزاميّة على السلع الاستهلاكيّة للحؤول دون رفع الأسعار ومنع الاحتكار ووضع برامج لإعانة الأسر الفقيرة مادياً". وبحسب تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، فإن ارتفاع معدّلات الفقر والجهل وتدهور الخدمات الصحيّة يشكّل عائقاً دائماً أمام محاولات التنمية التي تقوم بها الحكومة. وقد رصد التقرير ارتفاع نسبة الفقر في المجتمعات الزراعيّة، وكذلك وجود ألف قرية في صعيد مصر صنّفت من القرى الأكثر فقراً والمحرومة من مصادر نظيفة للمياه أو من شبكات الصرف الصحي أو من خدمات التعليم. وقال مصدر مسؤول عن الملف الاقتصادي في مجلس الوزراء، إن "عجز الموارد الماليّة في الخزانة العامة سيشكّل عائقاً أمام الحكومة لتنفيذ خططها الطموحة والمنحازة للفقراء". أضاف المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته "نحن ما زلنا بحاجة إلى موراد إضافيّة في الموازنة العامة حتى نتمكّن من الصرف على المشروعات الموجّهة لدعم الفقراء وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، والتي تمّ حصرها ب 22 مليار جنيه تضاف إلى مصروفات الدولة"، مستبعداً "إمكانيّة فرض أي ضرائب إضافيّة على الدخل لأنها قد تزيد من أعباء محدودي الدخل، في الوقت الذي ينخفض فيه معدّل النموّ". وتعاني الحكومة المصريّة عجزاً في الموازنة العامة بعد ارتفاع الدين الخارجي إلى 45 مليار دولار وبلوغ الدين الداخلي تريليون و700 مليار جنيه مصري، بحسب إحصائيات البنك المركزي المصري. وعلى الرغم من الحديث عن محدوديّة موارد الدولة، أصدر رئيس الحكومة المصريّة حازم الببلاوي في 18 أيلول/سبتمبر الجاري قراراً مفاجئاً يقضي برفع قيمة الحدّ الأدنى لأجور العاملين في ملاك الدولة والقطاع العام، بحيث لا يقلّ إجمالي ما يحصل عليه الفرد من دخل شهري عن 1200 جنيه أي ما يعادل 170 دولاراً أميركياً ابتداءً من كانون الثاني/يناير المقبل، بعد أن كان 730 جنيهاً مصرياً. وهو ما يكلّف الدولة مليار جنيه شهرياً بحسب تقديرات وزارة التخطيط ، وهو ما يضع تحديات جديدة أمام الحكومة حول إمكانيّة توفير الموارد الماليّة بهدف ضخّها لصالح الطبقة الفقيرة من العاملين فيها. بالنسبة إلى الأستاذة المحاضرة في الاقتصاد في جامعة القاهرة علياء المهدي، فإن "مفهوم العدالة الاجتماعيّة ومواجهة الفقر لا يعنيان زيادة الحدّ الأدنى للدخل كما فعلت الحكومة، بل يجب أن تكون ثمّة عدالة في الفرص وفي توفير القدرات التعليميّة والصحيّة والاجتماعيّة التي تؤهّل المصريّين للحياة الكريمة". وأوضحت المهدي التي تنتقد القرارات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة مشكلة الفقر في مصر، إن "رفع الحدّ الأدنى للأجور الآن إلى 1200 جنيه سيتسبّب في مشاكل اقتصاديّة بالغة، لأنه سيزيد من التضخّم وسيؤثّر على أصحاب المداخيل المتدنّية والثابتة من غير العاملين في ملاك الدولة وعلى الذين يتقاضون معاشات تقاعديّة، بالإضافة إلى أنه سيفاقم من ضعف القوّة الشرائيّة بسبب ارتفاع الأسعار". ورأت المهدي أن "إصرار الحكومة على تطبيق هذا القرار على العاملين في القطاع الخاص سيتسبّب في حالة من البطالة وتشريد العمال بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج بالنسبة إلى أصحاب العمل، وبالتالي ارتفاع الأسعار"، مطالبة "رئيس الحكومة بمصارحة الشعب حول سبب إصداره هذا القرار ومن أين سيموّله". ما زالت آمال المصريّين معلّقة على الحكومة الحاليّة علّها تتمكّن من تحقيق ما يحلمون به من انتقال من الحياة تحت خطّ الفقر إلى حدّ أدنى من العيش الكريم، إلا أن التركة المثقلة بالأعباء التي توارثتها الحكومات المتتالية منذ ثورة يناير 2011 باتت تشكّل التحدي الأكبر أمام خطط وبرامج طموحة تتمسّك بها الحكومة من دون الإعلان عن مصادر تمويلها.