فصفقنا جميعا لإمرئ القيس، الذى تلاه "الشريف الرضى"، بقصيدة "ظبية البان"، التى كتبها فى معشوقته التى حضرت بصحبته، ومن أبياتها: يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى فى خَمائِلِهِ لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعى البا هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ ثُمَّ اِنثَنَينا إِذا ما هَزَّنا طَرَبٌ عَلى الرِحالِ تَعَلَّلنا بِذِكراكِ سَهمٌ أَصابَ وَراميهِ بِذى سَلَمٍ مَن بِالعِراقِ لَقَد أَبعَدتِ مَرماكِ وبدا أن تلك الكلمات الناعمة لامست قلوب الجميع، الذين صفقوا طويلا قبل أن يظهر علينا "الحصرى القيروانى"، منشدا: يا ليلُ الصبُّ متى غدُه أقيامُ السَّاعةِ مَوْعِدُهُ رقدَ السُّمَّارُ فأَرَّقه أسفٌ للبيْنِ يردِّدهُ فبكاهُ النجمُ ورقَّ له ممّا يرعاه ويرْصُدهُ كلِفٌ بغزالٍ ذِى هَيَفٍ خوفُ الواشين يشرّدهُ نصَبتْ عينايَ له شرَكاً فى النّومِ فعزَّ تصيُّدهُ وكفى عجباً أَنِّى قنصٌ للسِّرب سبانِى أغْيَدهُ صنمٌ لفتنةٍ منتصبٌ أهواهُ ولا أتعبَّدُهُ وكانت المفاجأة لى رومانسية الشاعر الثورى "أبى القاسم الشابى"، الذى رسم بأبيات متخمة بالعاطفة حبيبته كائناً سماوياً يفيض رقة وطهراً وشفافية، فأنشد: عذبة أنت كالطفولة كالأحلام كاللحن كالصباح الجديد كالسَّماء الضَّحُوكِ كاللَّيلَةِ القمراءِ كالوردِ كابتسامِ الوليدِ يا لها مِنْ وَداعةٍ وجمالٍ وشَبابٍ مُنعَّمٍ أُمْلُودِ يا لها من طهارةٍ تبعثُ التَّقديسَ فى مهجَةِ الشَّقيِّ العنيدِ يا لها رقَّةً تَكادُ يَرفُّ الوَرْدُ منها فى الصَّخْرَةِ الجُلْمودِ أَيُّ شىءٍ تُراكِ هلْ أَنْتِ فينيسُ تَهادتْ بَيْنَ الوَرَى مِنْ جديدِ لتُعيدَ الشَّبابَ والفرحَ المعسولَ للعالمِ التَّعيسِ العميدِ أَم ملاكُ الفردوس جاءَ إلى الأَرضِ ليُحيى روحَ السَّلامِ العهيدِ ونال "الشابى" استحسان الجميع، سوى "أنيس منصور"، وكاتب هذه السطور، لاعتقادنا أنه ليس هناك امرأة مهما بلغت من حُسن هذا الثناء والتقدير، ثم جاء بعده الشاعر "محمود حسن إسماعيل"، الذى أنشد قصيدته جاءت "أقبلى كالصلاة" ومن أبياتها: أقبلى كالصلاة رقرقها النسك بمحراب عابد متبتل أقبلى آية من الله علينا زفها للوجود وحيُ مُنزَل أقبلى كالجراح ظمأى وكأس الحب ثكلى والشعر ناى معطل أنت لحنُ على فمى عبقرى وأنا فى حدائق الله بلبل أقبلى قبل أن تميل بنا الريح ويهوى بنا الفناء المعجل زورقى فى الوجود حيران شاك مثقل بأسى شريد مضلل أزعجته الرياح واغتاله الليل بجنح من الدياجير مسبل ولأن "نزار قبانى"، كان دبلوماسيا، وظهر فى عصر وسائل الإعلام المتقدمة، وقدم أغنياته أشهر المطربين، فإنه حظى فور ظهوره على المنصة باستقبال وحفاوة طاغية، قبل أن ينشد بأداء راق: علمنى حبك أن أحزن وأنا محتاج منذ عصور لامرأة تجعلنى أحزن لامراة أبكى فوق ذراعيها مثل العصفور لامرأة تجمع أجزائى كشظايا البللور المكسور علمنى حبك سيدتى أسوأ عادات علمنى أفتح فنجانى فى الليلة آلاف المرات وأجرب طب العطارين وأطرق باب العرافات علمنى أن أخرج من بيتى لأمشط أرصفة الطرقات وأطارد وجهك فى الأمطار وفى أضواء السيارات وألملم من عينيكِ ملايين النجمات يا امرأة دوخت الدنيا يا وجعى يا وجع النايات أدخلنى حبك سيدتى مدن الأحزان وأنا من قبلك لم أدخل مدن الأحزان لم أعرف أبدا أن الدمع هو الإنسان أن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان علمنى حبك أن أتصرف كالصبيان أن أرسم وجهك بالطبشور على الحيطان يا امرأة قلبت تاريخى إنى مذبوح فيكِ من الشريان إلى الشريان علمنى حبك كيف الحب يغير خارطة الأزمان علمنى حين أحب تكف الأرض عن الدوران علمنى حبك أشياء ما كانت أبدا فى الحسبان فقرأت أقاصيص الأطفال دخلت قصور ملوك الجان وحلمت بأن تتزوجنى بنت السلطان وحلمت بأنى أخطفها مثل الفرسان وحلمت بأنى أهديها أطواق اللؤلؤ والمرجان علمنى حبك يا سيدتى ما الهذيان علمنى كيف يمر العمر ولا تأتى بنت السلطان .. وكان "نزار قبانى"، هو مسك الختام وبأبياته والرقراقة انتهت أمسية عيد الحب، والتف الحضور حول الشعراء، ودار بينهم همس كثير قبل أن يأووا هم إلى موتهم، وأعود أنا إلى حياة، بلا حب، وبلا مشاعر، حياة يسودها الكذب والخيانة، والعواطف المأجورة، حياة أصبح الحب فيها يباع ويشترى، تماما كالنساء..