مباحث أمن الدولة طالبت بعد سقوط بن على بتعيين نائب للرئيس لغلق ملف التوريث العادلى أدار المواجهة مع المتظاهرين من خارج مكتبه يوم جمعة الغضب الداخلية طلبت نزول الجيش للشارع قبل صلاة الجمعة يوم 28 يناير مبارك رفض مرتين مغادرة مصر بعد التنحى العادلى هدد طارق كامل لقطع اتصالات المحمول ووقف خدمة النت.. وجمال يقول للوزير: «نفذ ما طلبه العادلى» بيان التنحى أعده عمر سليمان وقرأه على مبارك تليفونيا ووافق عليه بدون تعديل مبارك فكر فى التنحى يوم 4 فبراير.. وسوزان وجمال وعزمى وأنس قاوموا خروجه من الرئاسة المجلس العسكرى بدأ ممارسة مسئولية إدارة البلاد قبل إعلان التنحى بيوم مدرعات القوات المسلحة التى نزلت للشارع يوم 28 يناير كانت بلا ذخيرة الحرس الجمهورى التزم بتنفيذ أوامر المشير بعدم إطلاق النار على المتظاهرين الذين حاصروا القصر الرئاسى أنس الفقى فشل فى منع إذاعة خبر اجتماع المجلس العسكرى بدون مبارك يوم 10 فبراير اليوم الأول في هذا اليوم التقت مجموعة من الوزراء بحضور رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية لمناقشة ما هو محتمل أن يحدث يوم 25 يناير، وهو اليوم الذي حددته صفحة «كلناخالد سعيد» للتظاهر في القاهرة وعدد من المدن الأخرى. وقد لاحظ الوزراء الذين حضروا هذا الاجتماع –كما قال لي أحدهم- أن وزير الداخلية حبيب العادلي بدا قلقا مما قد يحدث يوم 25 يناير، على غير عادته، ويخشى أن تتطور هذه المظاهرات إلى ما لا يحمد عقباه من وجهة نظره.. فقد قدر اشتراك نحو ثلاثين أو أربعين ألف متظاهر، وهو رقم ضخم بالقياس لعدد المشاركين في التظاهرات التي سبق أن شهدتها البلاد من قبل على مدى السنوات الخمس السابقة، وكان آخرها تلك المظاهرات التي اندلعت قبلها بأيام قليلة احتجاجا على حادث التفجير أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية..بينما كانت تقديرات جهاز الأمن القومي تتوقع أن يشارك في مظاهرات 25 يناير أكثر من ضعف العدد الذي قدره وزير الداخلية حبيب العادلي، أي نحو مائة ألف متظاهر. ولكن رغم قلق وزير الداخلية مما سيحدث يوم 25 يناير انفض الاجتماع الوزاري دون اتخاذ أية قرارات لاستباق هذه الأحداث، وكأن الوزير، بل والنظام كله قد استسلم لقدره.. لقد شهد هذا الاجتماع الوزاري طرح عدد من المقترحات الاقتصادية تحديدا لتهدئة خواطر الناس وتخفيف حدة غضبهم، وهو الغضب الذي عبر عنه البعض منهم في شكل احتجاجات واعتصامات على رصيف مجلس الوزراء على مدى أسابيع بل وشهور سابقة.. ولكن انفض الاجتماع دون اتخاذ قرار بشأن هذه المقترحات الاقتصادية..ربما لأن أية مقترحات مالية كانت وقتها مرهونة بموافقة رجلين أولهما الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية، والثاني المهندس أحمد عز، الذي كان يدير مطبخا ماليا لقرارات الحكومة وخطط الحزب الاقتصادية، ولم تكن هذه الموافقة متوافرة في هذا الاجتماع الوزاري الذي سبق مظاهرات 25 يناير بثلاثة أيام. أما المواجهة السياسية فلم يتطرق إليها أحد في هذا الاجتماع، رغم أن الدعوة الإلكترونية للتظاهر كانت قد تعدلت من الاحتجاج على عنف الشرطة إلى التخلص من النظام كله الذي تحميه الشرطة.. وهكذا إذا كان حبيب العادلي قد دخل هذا الاجتماع الوزاري وهو يشعر بالقلق تجاه يوم 25 يناير فإنه خرج منه وهو أكثر قلقا لأنه شعر بأنه سيضطر وحده هو والجهاز الأمني الذي يقوده لمواجهة ما تخبئه له الأقدار في اليوم الموعود «25 يناير». باختصار.. كان النظام وأركانه يشعرون بالانزعاج والقلق تحسبا لما قد يحدث يوم 25 يناير 2011 ، لكنهم واجهوا ذلك بالعجز أو بالتظاهر بالثبات وادعاء القوة والقدرة على مواجهة العاصفة الشعبية القادمة في الطريق. اليوم الثانى إذا كان الحكم قد أفلت يوم 22 يناير للقيام بأى إجراء لاستباق مظاهرات 25 يناير، فإنه أفلت أيضا في اليوم الذي تلاه وهو 23 يناير...فهذا اليوم حدد لإتمام الاحتفال السنوي الرسمي بعيد الشرطة، وهو الاحتفال الذي كان يشهده الرئيس السابق مبارك ويلقي خلاله خطابا خاصا ويقوم بتكريم عدد من ضباط الشرطة الأحياء والأموات، ويحضره أركان حكمه وعدد من رؤساء أحزاب المعارضة، فضلا عن بعض الإعلاميين. وقد جاء خطاب مبارك يومها خاليا من أية إشارة - ولو عابرة - لما سيحدث بعد يومين في 25 يناير، ناهيك بالطبع عن اتخاذ أية إجراءات أو قرارات تستهدف تهدئة غضب شعب كان يتراكم في الصدور على مدى سنوات سابقة، وكان قد وصل إلى مستوى لم يصل إليه من قبل، ترجمته حركات احتجاجات متزايدة، ضمت فئات اجتماعية متنوعة، وحتى إذا افترضنا أن خطاب الرئيس السابق في الاحتفال بعيد الشرطة كان معدا سلفا قبلها بعدة أيام، فإن الفرصة كانت متاحة لتعديله حتى في ذات اليوم وقبل أن يلقيه مبارك، مثلما حدث بالفعل يومها.. فخلال الاجتماع الذي كان يعقده سنويا الرئيس السابق مع المجلس الأعلى للشرطة، حدث أن دخل فجأة أحد الضباط ليستأذن في خروج وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي لأمر مهم ، فأذن له مبارك، وحينما عاد فاجأ الرئيس السابق بخبر الكشف عن غموض حادث التفجير أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية والذي حدث ليلة رأس السنة ومعرفة التنظيم الذي كان وراء هذا التفجير، وإلقاء القبض على الجناة.. وإزاء ذلك تم سريعا إضافة فقرة لخطاب مبارك الذي ألقاه بعدها بدقائق، تتضمن إشادة بجهاز الشرطة على جهده في هذا الصدد.. وكان الأمر بالطبع متاحا لأية إضافات أخرى تتعلق بمظاهرات 25 يناير. لكن خطاب مبارك في عيد الشرطة جاء خاليا من أية إشارات لما سيحدث يوم 25 يناير.. وكان هذا أمرا غريبا، في ظل القلق الذي كان يشعر به وزير الداخلية قبلها تجاه هذا اليوم.. لكن مسئولا سابقا فسر لي ذلك بأن مبارك آثر بعد الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين وهروبه خارج تونس ألا يبدو هو أو أحد من المسئولين منزعجا من ذات المصير، حتى لا يشجع المحتجين والمتظاهرين ضده، فلا يتمادوا في احتجاجاتهم ومظاهراتهم مستغلين ضعفه.. وقد حدثت مناقشات داخل الدائرة المحدودة التي تشمل أركان حكم مبارك حول الأسلوب الأمثل لمواجهة ما سوف يحدث يوم 25 يناير، وانتهت هذه المناقشات إلى أن تجاهل الرئيس السابق الإشارة إلى هذا الأمر في خطابه خلال الاحتفال بعيد الشرطة سيكون أفضل، وسيبعث برسالة للمواطنين بأن النظام قوي ولا يشعر بأي خوف أو قلق وانزعاج مما حدث في تونس.. لأن الرئيس السابق كان قد توقف منذ سنوات كعادته في بداية حكمه عن مناقشة تفاصيل أي أمر يعرض عليه، ولأنه أيضا سلم الكثير من الأمور لابنه جمال ثقة فيه، حتى إنه كان يتحكم فيما يقدم إليه ليس فقط من تقارير وإنما من صحف أيضا، فإن مبارك قبل بهذه النصيحة التي قدمت إليه، وقبل أن يلقي خطابا في احتفال عيد الشرطة يتجاهل أهم ما كان يزعج معاونيه بخصوص يوم 25 يناير.. وقد بدد بذلك فرصة كانت متاحة أمام الرئيس السابق لتفادي النهاية المأساوية له ولأسرته ولنظام حكمه كله.. وهو ما فعله فيما بعد أيضا خلال ثمانية عشر يوما كانت بدايتها مظاهرات واسعة في القاهرة وعدد من المدن الأخرى ونهايتها قبوله بالتخلي عن منصبه كرئيس للجمهورية. اليوم الثالث كان هذا هو اليوم الموعود.. يوم المظاهرات التي تم توجيه الدعوة إليها إلكترونيا.. ورغم احتشاد أعداد ضخمة في هذه المظاهرات تفوق أية أعداد شاركت في مظاهرات سابقة شهدتها البلاد من قبل، ورغم أيضا اتجاه أعداد من المتظاهرين للاعتصام في ميدان التحرير، على غرار ما حدث في السبعينيات من القرن الماضي احتجاجا على تأجيل معركة التحرير.. رغم هذا كله فقد انتهى اليوم بإحساس كاذب بالراحة لدى قيادة جهاز الأمن، بل وقيادة النظام كله.. وكأن القلق الذي كانوا يشعرون به كان مرتبطا فقط بحالة انتظار يوم 25 يناير على طريقة «وقوع البلاء ولا انتظاره». والسبب في الإحساس الكاذب بالراحة عبر عنه وزير الداخلية حبيب العادلي صباح يوم الأربعاء وهو يدلي في مكتبه بحديث لرئيس تحرير روز اليوسف السابق، حينما قال في هذا الحديث: «إن مظاهرات التحرير لم تكن مفاجئة.. وقد تمت تحت سمع وبصر وزارة الداخلية..وهي التي سمحت بها.. وكان يمكن ألا تسمح بها.. فالتحركات كلها كانت أمام أعيننا.. ومن ثم تعاملنا معها باعتبارها تعبيرا عن الرأي .. رغم أنه لم يكن مصرحا بها.. ولما خرجت عن القواعد تم التعامل معها بالطريقة الواجبة». المهم أن عودة الحياة الطبيعية لوسط العاصمة وانسياب المرور في ميدان التحرير منذ منتصف ليلة 25 يناير بعد تمكن الشرطة من فض الاعتصام أعطى أقطاب النظام إحساسا كاذبا بالثقة في النفس بأن الاحتجاجات الشعبية سوف تتراجع أو على الأقل تعود لوتيرتها السابقة على غرار ما حدث قبل ذلك في مدينة المحلة، التي هدأ غضبها في أعقاب فض اعتصام عمال المحلة وإنهاء إضرابهم عن العمل.. ولعل ذلك هو الذي دفع وزير الداخلية الأسبق لأن يقبل دعوة لحضور حفل افتتاح مسجد خارج القاهرة يوم 28 يناير. غير أن هذا الإحساس بالثقة لم يستمر طويلا سوى بضع ساعات قليلة فقط.. وعاد القلق ليحل محل الارتياح في نفوس قادة جهاز الأمن ووزيرهم وقتها، بل وكل أركان حكم مبارك... فقد تمخضت المواجهات التي حدثت في مدينة السويس تحديدا بين رجال الشرطة والمتظاهرين عن قتل اثنين من المتظاهرين، أضيف إليهما ثالث من الجرحى.. وكان ذلك كفيلا بتعزيز الدعوات الإلكترونية التي عاد الشباب لإطلاقها مجددا للاحتشاد في تظاهرات أكبر وأضخم يوم الجمعة 28 يناير، والتي أسموها ب «جمعة الغضب». وهكذا .. الإحساس الكاذب بالارتياح والثقة لفض اعتصام التحرير كان هو السبب في تبديد يوم آخر لتفادي مبارك الانفجار الشعبي... وبالتالي أضيف هذا اليوم للأيام الحاسمة التي أنهت حكمه... فهو انتهى دون أن يفكر أركان حكم مبارك في اتخاذ أية إجراءات استباقية لما سيحدث يوم 28 يناير، مثل تلك الإجراءات التي وجد مبارك نفسه مضطراً لاتخاذها في وقت متأخر من يوم جمعة الغضب بتغيير الحكومة ورئيسها، ثم فيما بعد بتعيين نائب له، وهو ما لم يفعله منذ أن تولى الرئاسة عام 1981... اليوم الرابع كان هذا اليوم حافلا بالأحداث في كواليس الحكم.. فيه دعا وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي لاجتماع مهم مع قيادات وزارته في مكتبه.. وفي هذا الاجتماع قال اللواء حسن عبد الرحمن مدير جهاز مباحث أمن الدولة المنحل إن المظاهرات التي ستحدث في اليوم التالي ستكون حاشدة، وإنه تأكد من مشاركة الإخوان المسلمين فيها..وإنها ستبدأ من جميع المساجد في المناطق الشعبية لتشتيت جهود قوات الشرطة، وسوف يتجمع المتظاهرون في ميدان التحرير للعودة للاعتصام به مجددا. ومع ذلك لم يتطرق الاجتماع لمناقشة أية خطط أو أفكار جديدة سوى الإجراءات الأمنية اللازمة لمواجهة المتظاهرين، رغم أن جهاز مباحث أمن الدولة كان قد أعد قبل أسبوع - وفي أعقاب سقوط النظام التونسي - تقريرا تضمن تحذيرا واضحا مما قد تشهده مصر، قال فيه إن «القراءة الصحيحة لتوجهات الأوضاع في المنطقة تنذر بمخاطر حقيقية يتعذر معها الجزم بأن أيا من الدول العربية بمنأى عن الخطر».. واستنادا إلى ما حدث في تونس طالب هذا التقرير ، الذي كان في حوزة حبيب العادلي لتسليمه لرئيس الجمهورية، باتخاذ مجموعة من الإجراءات تبدأ ب «عدم فرض أعباء جديدة على المواطنين في مجال أسعار السلع والمواد الغذائية والطاقة ورسوم الخدمات» مرورا ب «ضبط الشرطة النفس مع الاحتجاجات الشعبية» انتهاء ب «تعيين نائب للرئيس لتهدئة مخاوف الكثيرين على مستقبل الأوضاع بالبلاد، درء التوقعات والتكهنات التي تجنح إلى الرهان على قرب حدوث فراغ سياسي أو تروج لإصرار النظام على توريث الحكم». ولكن بدلا من اتخاذ هذه الإجراءات المقترحة، فإن وزير الداخلية الأسبق قصر تركيزه فقط على اتخاذ إجراءات أخرى تمكنه من السيطرة الأمنية على المظاهرات.. وهنا كان التفكير مثلا في وقف خدمة الإنترنت وقطع الاتصالات. فلقد فوجئ وزير الاتصالات الأسبق الدكتور طارق كامل باتصال من وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي يأمره بقطع اتصالات المحمول ووقف خدمة الإنترنت.. لكن طارق كامل حاول أن يناقشه في صعوبة تنفيذ ذلك وأن يفهمه أن صلاحياته كوزير لا تسمح له بهذا الأمر، لكنه فوجئ بحبيب العادلي يهدده بوضوح قائلا له: إذا لم تقم أنت ووزارتك بذلك فنيا سوف نقوم نحن بتخريب شبكات الاتصالات عمليا. وإزاء ذلك لجأ طارق كامل إلى رئيس الحكومة وقتها الدكتور أحمد نظيف ونقل إليه تهديدات العادلي وأوامره بوقف خدمة الإنترنت وقطع الاتصالات التليفونية غير الأرضية، فنصحه نظيف بالاتصال بالرئاسة قبل القيام بأي شيء.. واتصل طارق كامل بالفعل بالرئاسة ورد عليه جمال مبارك، وحينما أبلغه وزير الاتصالات الأسبق بما أمره به حبيب العادلي طلب منه جمال الانتظار بعض الوقت على التليفون، وعندما عاد إليه قال له: «نفذ ما طلبه منك حبيب العادلي..الرئيس يطلب منك ذلك»... وهكذا نفذ طارق كامل تعليمات الرئيس التي تلقاها من ابنه.. غير أن تلقي طارق كامل تعليمات الرئيس من ابنه تبين أن جمال هو الذي كان يتصدر المشهد السياسي ويتولى بنفسه إدارة الأمور قبل الانفجار الشعبي..ولذلك كان أمرا منطقيا أن يتصدى أيضا لإدارة آخر الأزمات التي واجهت نظام حكم والده، وهي الأزمة التي أنهت هذا الحكم ووضعت نهاية مأساوية له ولأسرته. أما نوعية التعليمات التي تلقاها طارق كامل فإنها تبين أن من كان يدير الأزمة - رغم الانزعاج والقلق الذي ساد كواليس الحكم - آثر أن يمضي قدما في المواجهة الأمنية للانفجار الشعبي المنتظر، ولم يفكر في اتخاذ إجراءات وقرارات لتفادي هذا الانفجار أو تخفيف حدته حتى لا يعصف بحكم كان يتصور أنه قادر على البقاء لسنوات أخرى قادمة بعد إتمام خطة التوريث التي كانت تمضي عمليا دون اعتراف بها أو حديث عنها، اللهم إلا من بعض المتملقين حول جمال مبارك مثل رجل الأعمال إبراهيم كامل الذي بايع علنا قبل اندلاع ثورة يناير بأسابيع قليلة ابن الرئيس لتولي الرئاسة بعد والده. اليوم الخامس قبل أن ينتصف نهار هذا اليوم كانت الشرطة قد رفعت الراية البيضاء أمام المتظاهرين، وأعلنت قيادتها أنها غير قادرة على مواجهة المظاهرات وأن الأمر يقتضي نزول الجيش إلى الشارع.. وقد حدث قبل صلاة الجمعة أن اتصل اللواء حسن عبد الرحمن مدير جهاز مباحث أمن الدولة المنحل بوزير داخليته حبيب العادلي، والذي لم يكن موجودا في مكتبه بالوزارة وإنما كان مشغولا بحضور احتفال بافتتاح مسجد خارج القاهرة، وذلك ليبلغه بأن الأمور تطورت في كل من مدينتي السويس والإسكندرية، وأن الشرطة لم تعد قادرة على السيطرة على الموقف، وطالب بضرورة تدخل القوات المسلحة في المدينتين، والاستعداد للتدخل في القاهرة.. ورد عليه حبيب العادلي بأنه سيبلغ القيادة السياسية.. ثم بعد صلاة الجمعة بنصف ساعة أعاد اللواء حسن عبد الرحمن الاتصال بوزير الداخلية الأسبق ليبلغه بأن الأمور في القاهرة أيضا تتصاعد بشكل قوي جدا، وأن الأمر يتطلب تدخل القوات المسلحة والنزول إلى الشارع.. وهكذا.. لم تصمد الشرطة سوى بضع ساعات قليلة أمام المتظاهرين في القاهرة والإسكندرية والسويس، بل وغيرها من المدن الأخرى التي انفجرت فيها المظاهرات.. وبدأ الانهيار الأمني يحدث، في ظل وزير مسئول عن الأمن غائب عن موقعه ومكانه في مقر وزارته ويدير الأمور تليفونيا، وأجهزة أمن افتقدت هي الأخرى الاتصال بقيادتها، خاصة بعد أن تم قطع خدمة اتصالات المحمول، ولم تسعفها شبكة اتصالاتها الداخلية الخاصة بها..فضلا عن عدم وجود تعليمات واضحة لقوات الأمن الموجودة في الشارع بما يتعين عليها أن تفعله، بعد أن احتشد المتظاهرون بأعداد هائلة في مواجهتها، بل وحولها، وقيام بعض المتظاهرين بحصار عدد من رجال الشرطة.. وقد أصاب هذا الانهيار الرئيس ومن حوله ممن يديرون الأزمة بشلل في التفكير لعدة ساعات طالت حتى حلول الليل.. ولم يسمح هذا الشلل باتخاذ أية قرارات سوى قرار واحد فقط كان ثمة تفكير مسبق في اتخاذه في اليوم السابق، وهو قرار نزول القوات المسلحة إلى الشارع. غير أن القوات المسلحة عندما نفذت هذا القرار الذي اتخذه الرئيس السابق كانت تعرف على وجه التحديد ماذا ستفعله وما الذي لن تفعله...فهي نزلت إلى الشارع لتنفيذ خطة معدة سلفا لنزول الجيش إلى الشارع في أي وقت تعرف باسم «الخطة دخان».. وهذه الخطة لا تستخدم فيها القوات المسلحة السلاح إلا للدفاع عن النفس وعن المنشآت فقط.. وفوق ذلك كان لدى قوات الجيش التي بدأت في النزول الساعة الرابعة عصر الجمعة 28 يناير في القاهرةوالسويس والإسكندرية تعليمات سابقة أصدرها المشير حسين طنطاوي قبل ذلك بوقت مناسب بعدم إطلاق النار أو استخدام القوة مع المتظاهرين.. بل إن المفاجأة الحقيقية تمثلت في أن هذه القوات المسلحة التي نزلت إلى الشارع كان تسليحها خفيفا، أما المدرعات التي كانت في حوزتها فقد كانت بلا ذخيرة!.. اليوم السادس رغم أن الرئيس السابق حسني مبارك أعلن تخليه عن الحكم في نهاية يوم الجمعة 11 فبراير، إلا أنه أدرك قبلها بأسبوع أنه لم يعد قادرا على الاحتفاظ بحكمه حتى لو لنهاية فترته الرئاسية الخامسة... كانت معركة الجمل وما تلاها من اشتباكات مع المعتصمين في ميدان التحرير قد انتهت يوم 3 فبراير بصمود المعتصمين، وإخفاق المهاجمين في إجبارهم على فض الاعتصام ، بعد سقوط ضحايا وإسالة دماء..وقد أدت هذه المعركة إلى خسارة الرئيس السابق التعاطف الذي كان قد كسبه من قبل قطاع من المواطنين بعد خطابه الثاني إبان الأزمة في مساء الثاني من فبراير، والذي أكد فيه أنه لن يستمر في الحكم وكان لا ينوي ترشيح نفسه مجددا، وأنه لن يغادر مصر وسيحيا ما تبقى له من عمر فيها، وعندما يموت سيدفن في ترابها. فبعد هذا الخطاب الذي أحدث تخلخلا في الجبهة الشعبية التي كانت قد بدأت تتشكل ضد الرئيس السابق خلال الأيام الأولى للانفجار الشعبي تصور عدد من قيادات الحزب الوطني المنحل وأصحاب المصالح في استقرار نظام مبارك أن المعركة قد حسمت وسوف تنتهي بخروج النظام سليما معافى من هذه الأزمة.. لذلك بادر هؤلاء بتقديم القرابين للرئيس وابنه من خلال تنظيم محاولة إنهاء وتصفية الاعتصام في ميدان التحرير بالقوة وإرهاب المعتصمين... لكن جاءت النتائج عكس ما كانوا يتوقعون..حيث بدأ الغضب الشعبي يتزايد تجاه النظام، والتأييد الشعبي يتجه نحو المعتصمين في ميدان التحرير. وهكذا.. صار الرئيس السابق وحيدا.. لا الجيش معه ولا الشرطة التي كان يراهن عليها صارت موجودة بعد الانهيار الأمني.. ولا أيضا تعاطف شعبي بات يملكه.. وهنا أدرك أنه لن يستطيع البقاء حتى شهر سبتمبر كما كان يخطط من يديرون هذه الأزمة، وكانوا يبحثون له عن خروج مشرف يتناسب مع انتمائه للقوات المسلحة ودوره في حرب أكتوبر، كما قال ذلك عمر سليمان الذي رأى أن كلمة «الرحيل الفوري» التي كان يطالب بها الميدان شديدة الوطأة على النفس ولا تناسب تقاليدنا. وفي يوم 4 فبراير أبلغ الرئيس السابق عددا من المحيطين به بأنه يريد بالفعل ترك السلطة.. غير أن بعض هؤلاء المحيطين - خاصة ابنه جمال وزوجته سوزان ومعهما زكريا عزمي وأنس الفقي - قاوموا تنفيذ هذه الرغبة لأنهم كانوا يراهنون على الوقت لإنهاء هذه الأزمة وفتور همة المتظاهرين والمعتصمين، خاصة بعد أن كانت الحكومة الجديدة قد تشكلت برئاسة الفريق أحمد شفيق، وتولي عمر سليمان منصب نائب رئيس الجمهورية، بما يعني إنهاء ملف التوريث، فضلا عن استقالة أعضاء هيئة مكتب الحزب الوطني المنحل وتعيين أمين عام جديد للحزب منفتح على الشباب. لكن.. على الجانب الآخر.. ومع مرور الأيام بدون انفراج الأزمة واستمرار الاعتصام في ميدان التحرير.. كان هناك تقدير موقف آخر يرى أن بقاء مبارك في منصبه بات مستحيلا، وأنه حان الوقت لتتولى القوات المسلحة السلطة في البلاد. اليوم السابع لم يكن تولي القوات المسلحة الحكم في البلاد بعد تنحي مبارك قراره.. إنما كان قرارا فرضته الظروف باعتبار أن القوات المسلحة هي المؤسسة الوحيدة التي كانت متماسكة وقوية في البلاد، في ظل حالة الضعف التي كانت تعاني منها القوى السياسية.. فالبيان الذي أعلنه عمر سليمان حول تخلي مبارك عن مسئولية رئاسة الجمهورية واقتصر على 31 كلمة كان من صاغه هو نائب الرئيس السابق، وعندما تلاه عليه تليفونيا وهو في شرم الشيخ ظهر يوم 11 فبراير وافق عليه، ولم تكن له ملاحظات على كلماته أو يطلب تعديل أي منها.. كل ما طلبه فقط هو أن يسجله عمر سليمان بصوته وأن يتم إرجاء إذاعته حتى وصول ولديه إلى مدينة شرم الشيخ.. وعندما أبلغه مجددا عمر سليمان صعوبة الانتظار في ظل وضع جماهيري ملتهب طلب فقط تأجيل الإذاعة حتى يستقل ولداه الطائرة المتجهة إلى شرم. وإذا كان كل من المشير طنطاوي والفريق أحمد شفيق واللواء عمر سليمان قد توافقوا فيما بينهم على أن يتخلى مبارك عن السلطة في ظهر يوم 11 فبراير داخل مقر وزارة الدفاع ومطالبة مبارك بذلك.. فإنهم توافقوا قبلها بخمسة أيام على أن تتولى القوات المسلحة إدارة شئون البلاد بعد أن يترك مبارك منصبه. وحتى الاقتراح الذي قدمه الدكتور حسام بدراوي الأمين العام الجديد للحزب الوطني المنحل بقيام مبارك بتفويض سلطاته إلى نائبه عمر سليمان والابتعاد عن القاهرة والإقامة في شرم الشيخ، لم يؤثر في القناعة التي تكونت من قبل حول ضرورة تسلم القوات المسلحة السلطة.. ولذلك كان ينوى .. أمرا له مغزاه، ولافتا للانتباه أن يعقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم 10 فبراير اجتماعا لأول مرة بدون رئيسه مبارك، ليعلن أنه سوف يظل مجتمعا لتدارس ما يتعين اتخاذه من إجراءات وتدابير ضرورية. ولعل أنس الفقي وزير الإعلام وقتها فهم مغزى هذا الاجتماع ولذلك سعى لعدم نشر خبر وصورة الاجتماع في التليفزيون المصري، وطلب ذلك من عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار، والذي كان يدير التليفزيون وقتها في ظل غياب وزير الإعلام عن مبنى ماسبيرو لانشغاله في القصر الرئاسي... غير أن المناوي رفض الاستجابة لطلب الفقي بعد أن أبلغ اللواء إسماعيل عتمان بهذا، وقام بإذاعة خبر اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة وصورة اللقاء التي خلت لأول مرة من الرئيس السابق مبارك.. ولقد رد المجلس الجميل للمناوي بحمايته عندما حاول بعض العاملين في ماسبيرو التعرض له وإخراجه من المبنى. وهكذا.. إذا كان عمر سليمان أعلن رسميا تنحي مبارك عن السلطة مساء يوم 11 فبراير، فإن قرار التنحي لم يتخذه بنفسه.. وإنما توافق عليه قائد الجيش مع النائب الذي عينه ورئيس الحكومة الجديدة وعرضوه عليه فوافق عليه بسهولة لأنه أدرك قبلها بأسبوع أنه يستحيل عليه البقاء في منصبه.. أما قرار تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد فهو لم يكن قراره أيضا إنما طلب منه فوافق عليه، وذلك دون توافق الثلاثة أيضا المشير والفريق واللواء على ذلك قبلها بخمسة أيام...أما المشير فقد كان حصل على موافقة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تولي إدارة شئون البلاد مساء يوم الخميس 10 فبراير خلال اجتماع المجلس الذي تم لأول مرة بدون مبارك. اليوم القامن في هذا اليوم بدأت القوات المسلحة بالفعل تقوم بدورها في إدارة شئون البلاد، وقبل نحو يوم كامل من إعلان «تخلي مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية».. ولم يكن المظهر الوحيد الدال على ذلك فقط هو اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأول مرة بدون مبارك على مدى ثلاثين عاما وإصداره البيان رقم «1» له، إنما كانت هناك مظاهر أخرى، ربما كان أهمها هو سيطرة القوات المسلحة على مبنى ماسبيرو بعد إنهاء سيطرة أحد رجال جمال مبارك عليه وهو أنس الفقي وزير الإعلام الأسبق..ومع ذلك كان هناك ضمان تأييد كل من الفريق أحمد شفيق رئيس الحكومة واللواء عمر سليمان الذي صار نائبا للرئيس.. وساهم في ذلك الخلفية العسكرية للرجلين بالإضافة إلى رغبة بدأت تتشكل لدى نائب الرئيس السابق، الذي كان تعرض قبل أيام لمحاولة اغتيال، للتقاعد وترك منصبه، وهو ما أتاحه له تنحي مبارك وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسئولية إدارة شئون البلاد. وقد حكى لي مسئول سابق أن وزير المالية الأسبق الدكتور يوسف بطرس غالي كان يبغي التخلص من رئيس إحد الهيئات العامة المهمة وهو من أصول عسكرية، وطلب من هذا المسئول أن يسعى لتحقيق ذلك..غير أن المشير طنطاوي كان يرفض ذلك..وعندما قال له المسئول السابق على سبيل المزاح إنه غير قادر على مقاومة الضغوط رد عليه المشير بجدية: «لا تخش شيئا ربنا سوف ينصرنا عليهم».. وهذا كلام يشي بأن ثمة ترقبا لمعركة سياسية تلوح بشائرها في الأفق المصري. و حكى لي مسئول سابق آخر كان قريبا من المشير أن المشير طنطاوي التقى به قبل تنحي مبارك ببضعة أيام وقال له بشكل مباشر: «إن الموقف عصيب ودقيق فماذا ترانا فاعلين؟».. فرد عليه بسؤال قائلا: «إذا كنت في موقف الاختيار والانضباط العسكري فماذا تختار».. وبدون تفكير قال المشير سريعا: أختار الوطن بالطبع..وهذا يعني أن النية قد عقدت لممارسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسئولية إدارة شئون البلاد قبل تنحي مبارك، غير أن الأمر احتاج إلى إعلان ذلك مع تنحي مبارك بعد بضعة أيام، نظرا لوجود مقاومة من داخل القصر الرئاسي لذلك وتحديدا من أسرة مبارك وتحديدا زوجته وابنه جمال ومعه زكريا عزمي وأنس الفقي.. وربما كانت هذه المقاومة هي سبب مبادرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم الخميس 10 فبراير بتولي مسئولية إدارة شئون البلاد فعليا وقبل أن يتم الإعلان عن تنحي مبارك في اليوم التالي.. والأغلب أن المشير طنطاوي لم يجد صعوبة في إقناع أعضاء المجلس بتولي هذه المهمة والمسئولية نظرا لما تربطه بهم من علاقات وثيقة لها جذور تاريخية..ولذلك وجدنا الحرس الجمهوري ينفذ بدقة تعليمات القائد العام للقوات المسلحة التي تقضي بعدم إطلاق النار على المتظاهرين الذين حاصروا القصر الرئاسي من كل الاتجاهات. ولأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد بدأ بالفعل يمسك بزمام الأمور كان من السهل أن يتفق المشير طنطاوي والفريق شفيق واللواء عمر سليمان على ضرورة الإسراع بإعلان تنحي مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية.. ولم يؤخر هذا الإعلان أن السيدة سوزان مبارك كانت في حالة غير طيبة وتعرضت لإغماءة أخرت سفرها إلى شرم الشيخ للحاق بزوجها وولديها..وإن كان إعلان التنحي تأجل بعض الوقت حتى يستقل كل من علاء وجمال الطائرة التي كانت ستنقلهما مع أسرتيهما إلى شرم، وذلك بناء على رغبة مبارك.. غير أن تسجيل بيان التنحي بصوت عمر سليمان اختصر من وقت إعلان تنحي مبارك ثلاث ساعات على الأقل.. وإذا كان مبارك قد قبل بسهولة وبدون نقاش تخليه عن منصبه عندما أبلغه ذلك عمر سليمان، فإنه في ذات الوقت لم يقبل مرتين السفر للخارج وأصر على البقاء في مصر..وإن كان في المرة الثانية التي عرض فيها عليه السفر للخارج وافق على سفر ولديه علاء وجمال.. غير أن زوجة علاء أصرت على البقاء في مصر لتكون قريبة من ابنها المدفون فيها، فانضم إليها زوجها علاء في ذلك.. وتبعه جمال برفض السفر حتى يبقى بجوار أبيه، والأغلب أنه وقتها لم يكن يتصور أنه سيلتقي بوالده داخل قفص محكمة صار فيها هو ووالده وأخوه من المتهمين أمامها بجرائم متنوعة، مثلما لم يتصور حتى يوم 8 فبراير أن حكم والده قد انتهى بالفعل وأنهم في سبيلهم للخروج من القصر الرئاسي، بل على العكس كان حتى هذا الوقت يعتقد أن هذه الأزمة التي يعيشونها سوف تنتهي في بضعة أيام قليلة.