الأصل فى علاقة المصرى بالمصرى هى السماحة، أما التعصب والطائفية فهى صنيعة طرف ثالث، لا هو من مرتادى المساجد، ولم تطأ قدماه يوما كنيسة، ومع ذلك يدافع هذا الطرف - أو هكذا يدعى - عن الدين بسبه والإساءة له، ودين الله منه براء.. ففى «المحروسة» بنى المسيحى مسجدا،وشيد المسلم كنيسة. يقول عبد التواب يوسف في كتابه «الصليب والهلال»: في طفولتى ارتفع فى الحى الذى أسكنه ببنى سويف مسجد بناه مسيحى وما زال المسجد يحمل اسمه «جامع عوض عريان» وكنت أحب اسم عريان فقد قرأت محمد سعيد العريان، فى هذه السن عن عريان سعد الذى حاول أن يقتل رئيس الوزراء المسيحى، وأسعدنى أن يحمل الاسم مسيحيون ومسلمون.. وكان بيتنا يواجه كنيسة فى نفس الشارع الذى أقيم فيه جامع عوض عريان وعندما انتقلنا من بيتنا هذا إلى آخر كانت غرفتى تشترك مع كنيسة فى حائط واحد. ويذكر أيضا المسجد الذى شيده فى مغاعة المرحوم قلينى باشا فهمى إلى جوار الكنيسة التى شيدها أيضا، وفى طنطا رأينا مرقص بك يوسف يبنى مسجدا فى بلده جناح. وبعض المؤرخين يقولون إن القائمين على الجامع الغمرى أعاروا بعض كنائس القبط القناديل والأبسطة لاستخدامها فى بعض صلواتهم هذا ولا نستطيع أن ننكر أن كثيرين من أعيان المسلمين قد شاركوا في تأسيس كنائس الأقباط فى مختلف أقاليم مصر. وفىقنا، ما زال أحفاد البرلمانى إبراهيم برير - من قبيلة العليقات - يفخرون بأن جدهم هوالذى بنى كنيسة الست دميانة، فى كوم البيجا بمدينة فرشوط من حر ماله، وهى باقية حتى الآن على الطراز، الذي بنيت به..تدق فيها النواقيس، وتقام فيها الصلوات الكنسية. حفيد إبراهيم برير - البرلمانى، الذى عاصر أواخر عهد الملك فؤاد، وبدايات حكم الملك فاروق، ويدعى إبراهيم يقول : إن جده تعاطف مع المسيحيين وهم يقيمون صلواتهم فى الشوارع، فسأل عن أقرب كنيسة فقالوا له كنيسة بهجورة، فحسب المسافة فوجدها بعيدة وتشق على المسيحيين، فقال لهم «لا تصلوا في الشارع، ولا تذهبوا لبهجورة»، وقام بالتبرع بفدان من أملاكه لبناء كنيسة. أما المسلمون فى قرية دندرة بقنا، فقالوا للمسيحين الإنجيليين حين شرعوا فى بناء كنيسة عام 1920 ما زالت موجودة وما زال مرسوما عليها الهلال والعلم المصرى القديم: «لقد تبرعتم لنا بجنيه من الذهب الخاص، ولابد أن نتبرع لكم فى الكنيسة». فيما يحمل صارى كنيسة الأنبا بولا بمدينة ناصر الهلال والصليب، منذ أكثر من مائتى عام، فى تحد صريح للعنصرية والفتن المصنوعة. والأمر ليس مقصورا فقط على بناء المسلم للكنيسة وتشييدالمسيحى للمسجد، فالتاريخ سجل أيضا أنه كان للأقباط قديما رواق فى الجامع الأزهر يتلقون فيه العلوم المنطقية والشرعية والإسلامية وأن العشرات من كبار مثقفى القبط درسوا فى الأزهر وفى طليعتهم أولاد العسال أصحاب المؤلفات الهامة فى التاريخ القبطى.