النائب العام يستقبل رئيس وكالة اليوروجست ووفدًا من ممثلي الاتحاد الأوروبي    مستقبل وطن: العامل المصري يمتلك وعيًا سياسيًا قويًا.. واستخدم حقه الدستوري لاختيار ممثليه    الداعية مصطفى حسني يحث طلاب جامعة عين شمس على المحافظة على الصلاة    إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    البحوث الإسلاميَّة: الأزهر يُولِي أبناءه من مختلِف الدول اهتمامًا خاصًّا ورعايةً كاملة    "المصرية اليابانية" تكرم صحفيي الإسكندرية لدورهم في التنوير الإعلامي وتهدي درع الجامعة للنقيب    الجيزة تعلن تصنيف الشقق اعرف شقتك أى فئة قبل الزيادة فى قانون الإيجار القديم    الزراعة تضبط شونة لتخزين وبيع القطن «بدون ترخيص» في الشرقية    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    «أوتشا»: التمويل غير كافٍ لتغطية الأزمات الناتجة عن المناخ والصراعات    إعلام فلسطيني: وفاة رئيس الأوقاف الإسلامية بالقدس الشيخ عبد العظيم سلهب    نتنياهو: لن أقدم طلبا للعفو إن كان ذلك يعني الاعتراف بالذنب    "أوتشا": التمويل غير كافٍ لتغطية الأزمات الناتجة عن المناخ والصراعات    عبد العاطي يستعرض مع لجنة العلاقات الخارجية ب«الشيوخ» محددات السياسة المصرية    مفوضية الانتخابات العراقية: لا شكاوى مؤثرة على نتائج الانتخابات النيابية حتى الآن    نتائج مباريات اليوم الخميس في دوري المحترفين    المصري يحدد ملعبه الثاني لمباريات كأس الكونفدرالية    تحذير من الأرصاد.. أمطار غزيرة ورعدية على 22 مدينة تمتد للقاهرة غدًا الجمعة    أمن الإسماعيلية يفحص فيديو طفلة الإشارة    انهيار منزل من طابقين دون إصابات في قنا    المخرج أحمد الدنف يشاهد أجواء السجادة الحمراء لفيلمه بمهرجان القاهرة من غزة    خلال جولته بالمتحف الكبير.. وزير السياحة: الآثار المصرية ملك للشعب المصري بأكمله    أغرب عادات الأبراج اليومية.. روتين كل برج    تصريح صادم من المطرب مسلم عن خلافاته مع شقيقته    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    الاعتماد والرقابة الصحية تشارك في مناقشات تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تستعرض جهود مصر في تعزيز الأمن الصحي العالمي    مناقشة تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان العالمي    تفاصيل جديدة في قضية تنمر الطفل جان رامز    «حققت مليارات الدولارات».. وول ستريت جورنال: حرب غزة صفقة ضخمة للشركات الأمريكية    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    خالد الجندي: العلاقة في الإسلام تنافسية لا تفضيلية ولا إيثار في العبادات(فيديو)    دوري المحترفين.. أسوان يفوز على الإنتاج الحربي.. والقناة يتعادل مع بلدية المحلة    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    خالد مرتجي يتحرك قانونيًا ضد أسامة خليل بعد مقال زيزو وأخلاق البوتوكس    مدير التعليم الفني بالمنوفية يتابع سير العملية التعليمية بعدد من المدارس    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    الزمالك يكشف حقيقة صدور حكم في قضية زيزو ويؤكد صحة موقفه    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    حسين فهمي: "نُرمم ذاكرة السينما العربية.. والمستقبل يبدأ من فيلم قديم"    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    إعلام فلسطيني: غارات وقصف مدفعي إسرائيلي على غزة وخان يونس    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تزوّر لتدخل الجنة؟
نشر في التحرير يوم 18 - 12 - 2011

يكفى أن تذكر مصطلحا مثل «الميكيافيلية» أمام أحد معتنقى الإسلام السياسى -على اختلاف مسمياته «إخوان، سلفيين، جماعة إسلامية... إلخ»- حتى ينتفض مكفّرا نيكولا ميكيافيلى، صاحب فكرة أن ما هو مفيد فهو ضرورى، التى كانت الصورة المبكرة للنفعية والواقعية السياسية، والتى يُعبر عنها اختصارا بأن الغاية تبرر الوسيلة، وأسس لها فى كتابه الشهير «الأمير». وربما يزيد هذا الشخص ليكفّرك أنت شخصيا إذا جادلت كثيرا فى مراجعاتك للمنهج الذى تراه يتبعه هو أو جماعته وقلت إنه يمثل «الميكيافيلية» كما لم يتخيّله ميكيافيلى نفسه.
فى عام 1992 كنت طالبا فى الفرقة الثانية بكلية الإعلام وأحد المدافعين عن تيار الاستقلال الطلابى فى جامعة القاهرة «تمثله أسرة أسسناها فى الكلية اسمها أسرة النيل (1991)»، وكنت ناجحا فى الانتخابات الطلابية للعام الثانى على التوالى فى اللجنة الثقافية. وقبل تأسيس أسرة النيل كانت التيارات الدينية تسيطر على الانتخابات الطلابية بشكل كبير -مع وجود صغير لتيارات أخرى سياسية أبرزها التيار الناصرى- حتى سيطرت مع الوقت أسرة النيل وغيرها من أسر الاستقلال الرافضة التيارين الدينى والرسمى للدولة «ممثلا فى أسر حورس التى أسسها الوريث المسجون جمال مبارك، ولم تجد لها أى أرضية فى كلية الإعلام فى وقتنا». المهم اقتسمت أسرة النيل نتيجة الانتخابات مع أسرة نجوم الإعلام «مممثلة التيار الدينى، وأغلبه من الإخوان المسلمين»، كما فاز بعض المستقلين، الذين دخلوا فى مساومات مع الطرفين لأن أصواتهم ستحدد مَن الذى سيسيطر على لجان اتحاد الطلاب من التيارين.
ودرءا للخلافات وإعلاء للوحدة الطلابية اجتمع الطرفان «الدينى والاستقلالى» واتفقنا على أن نقتسم رئاسة لجان الاتحاد معا، دون أن نضطر إلى إجراء قرعة تُحدد من الذى سيفوز بها، وبالفعل قرأنا الفاتحة معا مباركة لهذا الاتفاق الذى سيحمى الكلية واتحادها من فتنة نحن فى غنى عنها. ومع أول اختبار نقض الطرف الآخر «المفترض أن مرجعيته دينية» اتفاقه معنا، وفى اجتماع انتخاب أمينى أول لجنة وبعد أن تركنا لهم مقعدا، فوجئنا بقائدهم يترشح على مقعد آخر كان من نصيبنا حسب الاتفاق والفاتحة!
وعندها أدركنا الحقيقة المفجعة، وهى أنهم كانوا يخفون حقيقة ما ينوون فعله معنا، وأظهروا لنا عكس ما يبطنون حتى نقع فى الفخ، فنترك لهم مقاعدهم المتفق عليها، ويدخلون هم على المقاعد المتبقية فى قرعة لا بد وأنهم -حسب الحظ والتوفيق- سيحصدون منها أى شىء يضمن لهم السيطرة على مجلس الاتحاد وبالتالى قراراته، وحينها يهتفون مع كل مقعد حصلوا عليه بالغش والتدليس «إسلامية إسلامية.. كل الجامعة إسلامية»!
فى تلك اللحظة كان أول صداماتى الفكرية الحقيقية مع المنتمين إلى هذا التيار، فلا الأخلاق ولا الدين -حسبما تعلمت- يسمح بما فعلوا، حتى قال لى صديق ينتمى إلى تيارهم إنهم يستخدمون فى ذلك «مبدأ التقية»، وهو ما يسمح لهم بالكذب والخديعة دون أى خشية من عقاب إلهى، لأنهم غايتهم هى إعلاء كلمة الدين!
لم أجادل كثيرا قبل أن أبحث وأفهم، فوجدت أن «التقية» كمصطلح دينى تعنى إخفاء معتقد ما خشية الضرر المادى أو المعنوى. وأهل السنة والجماعة والإثنا عشرية متفقون على مسألة «التقية» ولكن الخلاف فى معناها واستخدامها، وأن «التقية» هى الحذر من إظهار ما فى النفس من معتقد وغيره للغير، كما يمكن القول بأن «التقية» عند أهل السنة هى إظهار المسلم بعض الأقوال والأفعال الموافقة لأهل الكفر أو الجارية على سبلهم إذا اضطر المسلم إلى ذلك من أجل اجتناب شرِّهم، مع ثبات القلب على إنكار موافقتهم وبُغضها والسعى لدفع الحاجة إليها. كما يمكن القول بأن «التقية» هى إظهار الكفر وإبطان الإيمان وذلك عند خوف المسلم على نفسه من الكفّار والمشركين.
فى العادة حين أفهم أرتاح، ولكننى فى هذه الحالة بُهتّ وألجمتنى المفاجأة. عن أى كُفّار يتحدّثون؟ وعلى أى دين يتقوّلون؟ هل الكفّار هم نحن، الذين يُصلّون معهم على سجادة الصلاة نفسها فى مساجد ومُصليات الجامعة؟ هل اتحاد الطلاب الذين نتنافس على التطوّع من خلاله لخدمة زملائنا هو الغاية المنشودة التى سيعلون من خلالها كلمة الدين ولو عن طريق وقف جميع الأنشطة الطلابية كما فعلوا لسنوات؟ وهل دفاعنا عن استقلال الكلية واتفاقنا على أن يحتفظ كل منا بتياره السياسى المؤمن به بعيدا عن الأنشطة الطلابية التقليدية كالرحلات والمسابقات الثقافية والفنية والدينية والرياضية وغيرها كفر يستحق رفع مبدأ «التقية» فى وجهه؟
بحثت عن إجابات تُرضينى وتُقنع عقلى فلم أجد، ولكننى أصبحت بعدها أكثر قدرة على امتصاص المفاجآت، وأقل قدرة على الاندهاش، فمن ينتهج مبدأ «التقية» الذى حافظ به المسلمون الأوائل على إيمانهم ودينهم من بطش الكفار الحقيقيين فى وقت كان الإسلام والمسلمون فيه مستضعفين، سيفعل أى شىء بعد ذلك وسيتخذ المبدأ نفسه ذريعة فى مقابل كل ما ومن يخالفه الرأى والرؤية، فما الفارق إذن بين من ينتمون إلى تلك التيارات التى تتخذ من الدين مرجعا، وبين هؤلاء السياسيين المؤمنين بالميكيافيلية والنفعية والبراجماتية وغيرها من مصطلحات الفلاسفة الغربيين التى يراها هؤلاء المتأسلمون كفرا؟
اتخذت بذلك حصانة مبكرة، وقبل أن أمد يدى فى يد أحدهم للاتفاق على شىء ما -أيا كان هذا الشىء- يجب أن أكون واثقا فيه أولا كصديق أو شريك لا قيمة للتيار الذى يمثله عندى، ولا أضع اعتبارا إلا لمعرفتى الشخصية به لأحكم عليه إن كان صادقا أو خائنا.
فلا يتعجب أحد إذن من الطريقة التى فاز التيار الإسلامى من خلالها ببعض -وليس الكل بالتأكيد- مقاعد مجلس الشعب عن طريق مخالفات صريحة لقوانين الدعاية الانتخابية، أو بتزوير فاضح عن طريق تصويت جماعى، أو تصويت لمنتقبات أكثر من مرة لمرشحى هذا التيار أو ذاك، أو غير ذلك من طرق تأباها الأخلاق والأديان -جميع الأديان- والقوانين المنظمة للعملية الانتخابية. ولو فعل أى شخص ينتمى إلى أى تيار آخر الفعل نفسه فلا حُكم عليه سوى أنه شخص غير محترم ومخالف للقانون ويجب أن يُعاقب بعيدا عن تصوراتنا الدينية والأخلاقية التى يجب أن تخرج من أى حسابات، ما دمنا لعبنا لعبة تعتمد على قواعد وقوانين.
وما دام ارتضى أصحاب المرجعية الدينية أن يشاركوا فى هذه العملية السياسية فلا حرج علينا إذن أن نسميهم ميكيافيليين حين يستخدمون أساليب وقواعد النفعية السياسية، ولا فارق إن سموها هم «تقية» -وهى براء مما يفعلون- أو سموها...!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.