الزبالة، أو القمامة، هى واحدة من أكبر مشكلاتنا فى مصر، وهى أحد الأسباب الرئيسية، فى انتشار الأمراض والأوبئة، على نطاق واسع، إذ إنه حتى فى بعض الأحياء الراقية، ترى القمامة تملأ صناديقها، وتتجاهلها الأحياء، وكأنها تعشق الأموات، أما فى المناطق الشعبية والبعيدة عن قلب العاصمة فستجد أكواما من القمامة على الرغم من أن النظام السابق قد تعاقد، بملايين الجنيهات، مع شركات أجنبية لجمع القمامة وتنظيف الشوارع وفرض قيمة هذا على فواتير الكهرباء دون أن نرى شوارع نظيفة أو خالية حتى من مظهر القمامة القبيح.... وفى دول العالم المتقدّمة أو بعضها توجد مصانع كبيرة لتدوير القمامة، والاستفادة من كل ما تحويه، ولقد بدأ فى عصر النظام السابق أيضا مشروع كبير لإنشاء سلسلة من تلك المصانع فى مصر ولكنه -كالمعتاد- لم يكتمل، ربما لأن الضمائر كانت أكبر زبالة، يحتاج المجتمع إلى التخلّص منها... ودعونا نتصوّر أننا قد أنشأنا عشرة مصانع لتدوير القمامة، ونرى كيف يمكن لتلك المصانع أن تغيّر وجه مصر، وربما أكثر مما نتصوّر... فتلك المصانع ستقوم بإنشاء سلسلة أخرى من الصناعات الوسيطة التى تعتمد على المخلفات مثل صناعة الأكياس البلاستيكية، وصناديق الكارتون، وعلب الصفيح، والزجاج، وكلها صناعات تحتاج إلى أيد عاملة، وفنيين، وموظفين، وسائقين وطاقم أمن وحتى الفراشين، مما يعنى الآلاف من فرص العمل والقضاء على نسبة كبيرة من البطالة، بالإضافة إلى أهم مصنع يمكن أن ينشأ من تدوير الزبالة ألا وهو مصنع الأسمدة الحيوية، الذى يستفيد من كل المواد العضوية فى القمامة ليضمن سمادا طبيعيا غير مسرطن وطعاما حيويا قادرا على رفع المناعة الطبيعية لأجسام المصريين، صغارا وكبارا، مما يقلّل بالتالى من احتمالات الإصابة بالأمراض، ومن تكاليف الرعاية الطبية بالتالى، بالإضافة إلى توفير ملايين الجنيهات، التى تنفق لاستيراد أسمدة صناعية، نجهل حتى تأثيراتها المستقبلية، وضررها على الأجيال القادمة.... وعلى الجانب الآخر، ستصبح القمامة التى تتراكم أكواما أو تحرق بل فائدة، مسببة أكبر ضرر للبيئة، مستلزمات إنتاج لتلك المصانع، مما سيدفعها إلى جمعها، وربما للتنافس على هذا، حتى إنه مع تحقيق ربح منتظر من هذه الصناعات القائمة على القمامة قد يصل الأمر فى غضون عدة سنوات إلى تصاعد المنافسة على الحصول عليها، إلى حد عرض شرائها من المنازل أو التعاقد مع المستشفيات والمصانع والشركات الكبيرة، لرفع مخلفاتها مجانا.... ربما يرى البعض أن هذا مشروع خيالى، أو حلم هزلى، ولكن الثورة الحقيقية تحتاج إلى أفكار ثورية مبتكرة وخلّاقة، ومن يدرى... ربما كان مستقبلنا.. فى الزبالة.