غدا.. "الوطنية للانتخابات" تعقد مؤتمرا صحفيا لإعلان نتائج الجولة الأولى من انتخابات النواب    تعليمات حاسمة لمديري المدارس بمتابعة التقييمات وسجلات رصد الدرجات بالفيوم    شروط استحقاق حافز التدريس للمعلمين    انطلاق المفاوضات الحكومية المصرية الألمانية لتعزيز الشراكة الاقتصادية الأسبوع الجاري في برلين    مفتي الجمهورية يعزي أسر المعتمرين الهنود المتوفين قرب المدينة المنورة    الدفاع المدني بقطاع غزة: جهود مصرية كبيرة لاحتواء تداعيات موجة المطر    بركلات الترجيح.. مصر تنتزع برونزية بطولة العين من كاب فيردي    محمد صبرى بكل هدوء    مصرع عامل وطفلة في سمالوط صعقًا بالكهرباء في حادثين منفصلين    ارتفاع تدريجي في الحرارة.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الثلاثاء 18 نوفمبر 2025    جهود مكثفة لكشف ملابسات العثور على جثة شخص فى حلوان    تأجيل محاكمة 29 متهما بقضية خلية العملة لجلسة 3 فبراير    "ترندي" يسلط الضوء على لقاء مجدي يعقوب ومحمد صلاح والحالة الصحية لعمر خيرت    حماة الوطن: توجيهات الرئيس السيسى بشأن الانتخابات ترسخ لسيادة القانون    أن تسلبك إسرائيل وظيفتك الصحفية    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة بالغربية    «ويبقي الأثر»، مدحت صالح يختتم مؤتمر انتخابي لحماة الوطن بالقليوبية    قطع الكهرباء عن عدة مناطق ببني سويف غدًا لهذا السبب    بالصور.. جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تنظم ندوة "عودة الوعي الإسلامي الرشيد لشباب الجامعات" بحضور مفتي الجمهورية    وزير الصحة يبحث مع معهد NICE تطوير منظومة تقييم التكنولوجيا الصحية    الحكومة تدرس مقترح بتشكيل لجنة لتعزيز الهوية الوطنية بالمناهج الدراسية    غيرت عملة لشخص ما بالسوق السوداء ثم حاسبته بسعر البنك؟ أمين الفتوى يوضح    مواصفة امتحان اللغة الإنجليزية لطلاب الإعدادية للفصل الدراسي الأول    كيف تغير الموسيقى مزاجك؟.. دليلك لاختيار الأغاني المناسبة    "هنو" و"حبشي" يتفقدان قصر ثقافة بورسعيد للوقوف على الأعمال المطلوبة لتطويره    نائب محافظ الدقهلية يتفقد مدينة جمصة والمنطقة الصناعية    وزيرة التضامن ومحافظ الفيوم يتفقدان مشروع خدمة المرأة العاملة بالحادقة    "من أجل قلوب أطفالنا"، الكشف الطبي على 288 حالة في مبادرة جامعة بنها    رئيسة وزراء بنجلاديش السابقة تعقب على حكم الإعدام.. ماذا قالت؟    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية للشئون السياسية    صادرات مصر من السلع نصف المصنعة بلغت 868.7 مليون دولار خلال يوليو 2025    مولاي الحسن يحتضن مباراة الأهلي والجيش الملكي    هبوط المؤشر الرئيسى للبورصة بنسبة 0.35% بختام تعاملات جلسة الإثنين    شيخ الأزهر يستقبل وزير التعليم العالي التشادي ويناقشان تعزيز التعاون الدعوي والعلمي    شاهد مناورة ودية.. "بث مباشر" مباراة مصر والجزائر اليوم الاثنين 17 نوفمبر 2025    المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية في التحقيقات : صليت العصر وروحت أقتله    مجمع البحوث الإسلامية يطلق مسابقة ثقافية لوعاظ الأزهر حول قضايا الأسرة    الجيش الملكي يعلن تغيير ملعب مباراته أمام الأهلي.. اعرف السبب!    الكرة النسائية l مدرب نادي مسار: نستهدف التتويج برابطة أبطال إفريقيا للسيدات    وكيل تعليم بني سويف تتابع انتظام الدراسة بمدارس المحافظة    انسحاب مئات العناصر من قوات الحرس الوطني من شيكاغو وبورتلاند    توم كروز يتوّج ب أوسكار فخري بعد عقود من الإبهار في هوليوود    أبو الغيط: الحوار العربي- الصيني ضرورة استراتيجية في مواجهة تحولات العالم المتسارعة    مصلحة الجمارك: منظومة ACI تخفض زمن الإفراج الجمركي جوا وتقلل تكاليف الاستيراد والتصدير    موعد قرعة الملحقين الأوروبي والعالمي المؤهلين ل كأس العالم 2026    محافظ كفر الشيخ: الكشف على 1626 شخصا خلال قافلة طبية مجانية فى دسوق    إعادة الحركة المرورية بعد تصادم بين سيارتين على طريق "مصر–إسكندرية الزراعي"    جاتزو بعد السقوط أمام النرويج: انهيار إيطاليا مقلق    كوريا الجنوبية تقترح محادثات مع نظيرتها الشمالية لترسيم الحدود    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا .. تفاصيل    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    وزير الصحة يشهد الاجتماع الأول للجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض.. ما نتائجه؟    «العمل» تكثف التفتيش على 668 منشأة وتمهلها لتصويب العقود    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    لأول مرة منذ 7 سنوات.. محمد بن سلمان يزور واشنطن للقاء ترامب    أحمد سعد: الأطباء أوصوا ببقائي 5 أيام في المستشفى.. أنا دكتور نفسي وسأخرج خلال يومين    رئيس شعبة الذهب: البنك المركزي اشترى 1.8مليون طن في 2025    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طرق تدوير القمامة المستخدمة فى مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 09 - 2009


1 الجمع والفرز
يجلس ناصر صديق، متعهد جمع قمامة، أمام منزله فى حى أرض اللواء مع زوجته وابنتيه وحولهم «جُنية» القمامة. والجنية، بضم الجيم، هو اللفظ الدارج بين جامعى القمامة لوصف الشوال الملئ بالمهملات، وكأن القمامة محصول يجمعونه.
«أنا ماسك زبالة 30 عمارة فى الجيزة، و3 فنادق فى المهندسين»، يقول ناصر عن مصادر القمامة التى يجمعها. يبدأ مع عائلته فى فك الأشولة وفرز ما فيها. كومة للورق وكومة للبلاستيك وأخرى للصفيح وزجاجات المياه الغازية.
التعاون العائلى فى جمع وفرز القمامة هو الأسلوب السائد بمنطقة أرض اللواء، وغيرها من مناطق تجمع عاملى القمامة، كمنشية ناصر وعزبة النخل. رب الأسرة يستعمل منزله كمخرن وورشة فرز، وأهل البيت هم العمالة المجانية. «الزبال بتاع شركات النظافة بيفرز لحساب الشركة، فمش بيهمه هو بيجمع إيه ويسيب إيه»، يقول ناصر، أما هو وعائلته فيفرزون القمامة بمنتهى الدقة والحماس، «لأن كل مليم من بيع الحاجات دى راجع لجيبنا إحنا».
أسلوب الفرز اليدوى العائلى هو أسلوب شديد الكفاءة. فى دراسة فى 2005 للدكتور وائل صلاح فهمى، الأستاذ المساعد للتخطيط العمرانى بجامعة حلوان، عن أحياء الزبالين، قالت الدراسة إن دقة الفرز فى هذه الأسر قد أوجدت ما قد يعد واحدا من أكفأ نظم فرز القمامة فى العالم.
إلا أن كفاءة نظام الفرز بهذا الشكل البدائى تأتى على حساب صحة العاملين. لا يرتدى ناصر أو أى فرد من عائلته كمامة أو قفازا وهم يمدون أيديهم داخل أكياس القمامة بحثا عن ما فيها من خيرات، رغم أنهم أكثر من يعرفون مخاطر التعامل مع القمامة بهذا الأسلوب اليدوى البدائى.
«فى مرة دخل جوة إيد بنتى إبرة كبيرة وخرجت من الناحية التانية»، يقول ناصر الذى لم يعرض ابنته على طبيب ليعالجها. «إديتها مضادات حيوية وصلت لألف جرام لحد ما خفت وبقت كويسة». ويتذكر ناصر عشرات الحوادث التى مر بها شخصيا أو حدثت لأصدقائه، «وفى مرة عامل كان بيشيل كيس زبالة، وقعت على راسه من الكيس مادة كاوية جابتله صلع».
رغم ذلك لا يعانى ناصر من أى ضيق من عمله، «إحنا وولادنا اتربينا هنا، وبقى التعامل مع الزبالة شىء عادى».
2 مسارات التدوير
بعد الفرز، يذهب ناصر إلى أحد أصحاب الموازين، ليزن حصاد يومه من القمامة. «زمان كنا بنكسب من السكان اللى بنلم منهم الزبالة، ومن بيع المخلفات نفسها»، يقول ناصر، «لكن دلوقتى بعد الشركات الأجنبية ما بدأت فى جمع الزبالة، بقينا نكسب من بيع الحاجات دى بس». ما زاد خسارة ناصر هو أن الشركات الأجنبية قد قللت من فرص الزبالين فى جمع مخلفات المناطق الراقية، وهى المناطق ذات المخلفات الأغلى ثمنا حيث يكثر فيها زجاجات المياه المعدنية البلاستيكية وعلب المياه الغازية.
بعدما يعرف ناصر وزن المخلفات التى جمعها، يتجه إلى يسار المحور بأرض اللواء حيث ورش تدوير المخلفات. بعد خصم ثمن إيجار السيارة المستخدمة فى جمع القمامة وأجور العمالة التى ترفع القمامة إلى السيارة من ثمن بيع المخلفات المفروزة للورش، يتراوح ربح ناصر ما بين 20 إلى 30 جنيها يوميا.
«كل واحد هنا بيتخصص فى نوع معين من الزبالة»
يقول ميلاد توفيق، مدير ورشة لكبس الصفيح. تصطف عشرات الورش البدائية. كل ورشة تشترى نوعا بعينه من القمامة، إما الصفيح أو البلاستيك أو الورق.
ورشة ميلاد ما هى إلا أرض فضاء يكتظ فيها آلاف من علب المياه الغازية الفارغة. على يسار الأرض 3 مكابس بدائية، وحمار يتجول بجوار كومة من العلب الفارغة.
يستأجر ميلاد بعض العمالة اليومية عشوائية الأجر لتشغيلها. يقوم العمال بتجميع العلب وكبسها وتشوينها فى مكعبات متساوية الحجم. يقول ميلاد أنه يكبس تقريبا 12 طنا من علب المياه الغازية شهريا.
الورش التى تجاور ميلاد تكتفى بأنشطة بدائية مشابهة، فورشة تقوم بتطبيق وتجميع الورق الأبيض والورق المقوى،وأخرى تعمل على تكسير زجاجات البلاستيك وطحنه وغسيله.
هذه العمليات البسيطة ترفع من قيمة المخلفات إلى الضعف. فسعر طن زجاجات المياه المعدنية البلاستيك، على سبيل المثال، ثمنه 400 جنيه، وبعد كسره وغسيله فقد يصل إلى ألف جنيه. وفى دراسة أعدتها وزارة البيئة فى 2008، قدرت الدراسة قيمة القمامة فى مصر بستة مليارات جنيه، تتضاعف قيمتها إلى 12 مليار جنيه بعد تحويلها إلى مواد أولية، من خلال العمليات الوسيطة كطى الورق وكبس الصفيح.
3 التصدير
«تصدير المخلفات أحسن ماديا من تصنيعها فى مصر».
يقول حسام مصطفى، نائب رئيس شركة إيجى إندسترى Egy Industry لإعادة تدوير القمامة وتصديرها. تستأجر الشركة مصنعا فى أبورواش تستخدمه فى إعداد البلاستيك للتصدير.
تشترى الشركة سنويا ما يقارب 200 طن من مخلفات البلاستيك السليمة من جامعى القمامة بأنحاء القاهرة، لتقوم بفرزها وتفتيتها بماكينات حديثة ثم غسيلها. وتشترى 300 طن من البلاستيك المفتت بالكسارات العشوائية بمنشية ناصر وأرض اللواء، لتذهب إلى الغسيل مباشرة.
شهريا تحضر الشركة 500 طن من البلاستيك تصدرها بالكامل إلى الخارج، «ومالوش سوق كويس فى مصر»، على حد قول حسام.
عملية تجهيز المخلفات للتصدير، على بساطتها مقارنة بعملية إعادة التصنيع المعقدة، تكلف الكثير. يعدد حسام تكاليف إدارة المصنع، فإيجاره يصل إلى 10 آلاف جنيه شهريا، بالإضافة إلى 4 آلاف جنيه للكهرباء، وألفين للمياه، «دا غير أجور العمال اللى بتوصل 200 ألف جنيه فى السنة».
مجهود إدارة المصنع مقارنة بهامش الربح «مش جايب همه» طبقا لحسام. لذلك فقد قرر مؤخرا أن يكتفى بالتصدير فقط، وأن يبتعد تماما عن عملية الإعداد، بحيث يتولى متعهد آخر تأجير المصنع وشراء البلاستيك جاهزا للتصدير. لذلك يربح أصحاب الورش العشوائية أكثر من أصحاب المصانع الأكثر حداثة.
«مستأجر المصنع حياخد 50 جنيها على الطن. نشترى 200 من المصنع و300 من بره والعملية تمشى».
«الهند والصين أكبر دولتين بيستوردوا مخلفات من مصر»، على حد قول حسام.
يقف حسام أمام أحد مكابس علب المياه الغازية المعدنية بحى أرض اللواء بالجيزة. ينتهى العمال من تحميل سيارات النقل بأطنان من الصفيح. يستخدم حسام كاميرا هاتفه المحمول فى تصوير السيارات والحاويات ليوثق بصوره أن السيارات مليئة بالبضاعة، قبل انطلاقها لميناء دمياط. «العملا بيطلبوا الصور دى قبل ماتوصلهم الشحنة، علشان يتأكدوا من أن الشحنة فى الطريق وأرقام الحاويات».
«مصادر الطاقة فى دول جنوب شرق آسيا غالية جدا»، يشرح حسام، «علشان كدة بتستورد مخلفات صلبة من كل الدنيا». تصدر الشركة ما يقارب 1200 طن من المخلفات الصلبة سنويا، إلى الهند وبنجلاديش والصين وتايلاند وفيتنام.
سعر طن الصفيح انخفض من 1800 إلى 300 جنيه فى النصف الأخير من 2008 بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.
طبقا لحسام فالهند هى أكثر الدول التى تطلب المخلفات من مصر، يليها الصين. إلا أن الصين يزيد فيها الطلب على المواد البلاستيكية أكثر من أى دولة أخرى. «أمال كل الصناعات الصينى اللى بتيجى مصر من أول الشباشب لحد المنبهات، بيبقى أسعارها رخيصة ليه؟»، يتساءل حسام، ويجيب أن السبب هو استخدام الصين زجاجات المياه المعدنية القابل لإعادة التدوير لبلاستيك PET فى الصناعات الرخيصة التى تغرق بها أسواق العالم، بدلا من تحمل تكاليف إنتاج البلاستيك من النفط الخام. وطبقا لدراسة أعدتها الحكومة الإندونيسية فى 2004، فإن الصين تستورد 12 مليون طن من البلاستيك القابل لإعادة التدوير سنويا، وأنفقت فى 2002 ما يزيد على المليار ونصف مليار دولار فى استيراد البلاستيك من أنحاء العالم.
الأسعار بدأت تعود إلى طبيعتها طبقا لحسام. «حتى لما بيحصل أزمة، انت ممكن تعتمد على الناس دى إنهم يصلحوا اقتصادهم ويرجعوا الأمور لطبيعتها»، فى حين أنه يرى الاقتصاد المصرى يتأثر ولا يؤثر، ولا يمكن الثقة فى تقلبات أحواله.
4 عيوب فى نظام المتعهد العشوائى
«فلوس تدوير الزبالة فى مصر ملاليم لأن مكسبها الحقيقى أكتر من المخدرات».
هكذا يعلق شرف إمام، رئيس مجلس إدارة المكتب العلمى للخدمات البيئية والبيولوجية، على كيفية إدارة المهملات فى مصر.
تخرج شريف فى قسم المايكروبيولوجى بكلية العلوم، جامعة الأزهر. بدأ عمله كموظف بهيئة المصل واللقاح إلى أن قرر أن يستقيل من الهيئة فى 1999 ويدخل فى عالم بيزنس القمامة.
«إدارة المخلفات فى مصر ما فيهاش تخطيط»، يقول شرف، «والشكل العشوائى اللى الأمور ماشيه بيه بيجيب شوية ملايين، لكن المفروض إنه يجيب شوية مليارات».
المثال الأكبر للعشوائية، فى نظر شرف، هو نظام تدوير القمامة فى أحياء الزبالين بالقاهرة والجيزة. «النظام ده بيجيب فلوس كتير، وفيه أحياء كاملة عايشة عليها»، إلا أن أضرارها الاقتصادية والصحية قد تفوق مكاسب التجارة كلها.
الطمع المادى
أول عيب فى نظام الاعتماد على المتعهدين العشوائيين، هو أن همهم الأول هو الكسب المادى، وليس نظافة المكان. «علشان كده تلاقيهم بيجمعوا الزبالة يحطوها فى بيوتهم وشوارعهم»، فأحياء الزبالين بؤر لانتشار الأوبئة والأمراض. وكان مسئولو وزارة الصحة أعربوا مرارا عن مخاوفهم من نشأة طاعون مصرى خالص وأشكال متحورة مميتة من إنفلونزا الخنازير والطيور داخل هذه الأحياء. وحتى الآن لم تقم وزارة البيئة بحل المشكلة، ففى مايو الماضى هدد زبالو منشية ناصر بالإضراب حين تردد أنباء عن نية الوزارة منع دخول المخلفات الصلبة إلى الحى.
اختفاء الخنازير
«العيب الثانى أن الزبالين كانوا بيستعملوا المخلفات العضوية فى أكل الخنازير بدل استخدامها فى السماد، ودا بيفيد الزبال لكن بيضر بالمجتمع». قبل قرارات ذبح الخنازير، كانت القمامة العضوية تقدم طعاما للخنازير. وكان الزبالون يستفيدون من تربية الخنازير على مدار حياتها من خلال بيع مخلفاتها كسماد بلدى غنى بالمواد العضوية، ويستفيدون بالطبع من ذبحها وبيع لحومها.
«لكن المخلفات العضوية اللى كان بياكلها الخنازير، بتكون عفنت من الشمس ومليانة بكتيريا»، يشرح أشرف، «وبالتالى فديدان بطنه وجراثيمها بتكون موجودة فى معدته ومخلفاته»، وبدورها تنتقل تلك الديدان والجراثيم إلى الخضراوات والفاكهة بالحقول التى تستخدم فى مخلفات الخنازير فى التسميد لتصيب آكليها بالأمراض.
بعد ذبح الخنازير صار الزبالون يهملون جمع المخلفات العضوية، أو يلقون بها فى مقالب الزبالة. «والمقالب لوحدها مشكلة، لأن كتيرا منها غير مطابق للمواصفات الصحية»، يقول شرف، شارحا أن كثيرا من المقالب غير مجهزة بأرضية خرسانية، مما يجعل بكتيريا القمامة المتعفنة تتسلل عبر الأرضية الترابية إلى المياه الجوفية.
«أنا كنت عايز أعمل محرقة فى مقلب شبرمنت»، يقول شرف، «وفوجئت بوزارة الصحة ترفض طلبى لأن المقلب غير مطابق للمواصفات»، وهو ما كان مفاجأة لشرف، فالمقلب يستخدمه جميع جامعى القمامة بأرض اللواء، إضافة إلى الشركات الأجنبية المتعهدة بنقل قمامة الجيزة والقاهرة.
البديل الجاهز للإلقاء مقالب القمامة لدى الزبالين هو الحرق، وهو أحد الأسباب الرئيسية للسحابة السوداء للقاهرة.
العشوائية والغش
«العيب الثالث هو أن المتعهدين دول مستحيل يقدروا يتوسعوا ويطوروا فى شكل نشاطهم»، فكل عامل يجمع على قدر ما يستطيع أن يدوره مع أسرته ومساعديه من العمال إن وجدوا. إضافة إلى أن أغلبهم يعمل بشكل غير رسمى وبلا شهادات ضريبية.
أما العيب الرابع، وقد يكون الأخطر، هو قيام هؤلاء المتعهدين بتدوير مواد غير قابلة للتدوير. مثل بيع مخلفات المستشفيات والعيادات لمصانع البلاستيك، فالمخلفات الطبية تصنع من بلاستيك شديدة الجودة والسمك يرفع من سعرها. ويزعم شرف أن بعض متعهدى القمامة يبيعون أعقاب السجائر ومخلفات تبغ المقاهى لمصانع المعسل.
«الناس لما اتعلمت الفرز من المنبع سابونى وبقوا يبيعوا لحسابهم»، كما يحكى أشرف، الذى مزجت شركته بين عملية الجمع والفزر والتوريد للمصادر وبعض أنواع التصنيع.
قصة نجاح
تكاليف المشروع كانت رخيصة مقارنة بالمكسب. أجور العمال والسيارة والمحصلين لا تزيد على 7 آلاف جنيه. وتصريح المحافظة بجميع مبالغ التأمين لا تتجاوز 5 آلاف جنيه. ويحصل شرف 4 جنيهات من كل شقة يجمع منها القمامة. ووصل مكسب شرف إلى مليون جنيه سنويا.
كان شرف يبيع البلاستيك والورق والصفيح للمصانع كغيره، إلى أنه زاد عن نشاط التدوير الأولى التقليدى استعمال المخلفات العضوية فى إنتاج سماد عضوى عالى الجودة يستخدمه فى مشتله الخاص. ويستخرج شرف من بقايا الطعام مخصبات حيوية للزرع ثمن اللتر الواحد منها 90 جنيها.
«حاولت أدخل فى المنطقة اللى أنا فيها ثقافة الفرز من المنبع»، يقول شرف، وهو ما نجح فيه بالفعل، إلا أن نجاحه قد أدى إلى انخفاض دخله بشدة وتوقف مشروعه فى النهاية.
«قبل دخولى البراجيل، كان بياعين الروبابيكيا يلفوا حوالين الشوارع والترع يلموا منها الزبالة»، ولكن بعد بداية شرف لنشاطه لم يعد لباعة الروبابيكيا رزق فى المنطقة. «وزعت على البيوت أكياسا لفرز القمامة، وطلبت منهم أن يوزعوا فى الأكياس مخلفات البلاستيك والورق والزجاج. «بعد 7 سنين من الشغل فى البراجيل الناس فهمت قيمة الزبالة»، يقول شرف. وكانت النتيجة أن أصبح السكان يفرزون قمامته ثم يبيعونها لحسابهم الخاص إلى باعة الروبابيكيا. «بعض البياعين كانوا بيقايضوا ستات البيوت، ياخدوا منهم زبالة، ويدوهم فى المقابل صابون سايل وسلك مواعين».
وأسباب الهروب
لأن «سعر طن الزبالة الخليجى أغلى من برميل البترول»، قرر شرف الانتقال إلى دولة الكويت، وافتتح فرعا لشركته هناك منذ سنة بعد توقف مشروعه فى مصر. «أنا دلوقتى داخل فى مناقصة كبيرة للحكومة الكويتية، وبعمل دراسة كاملة عن إدارة المخلفات الصلبة هناك».
السبب الرئيسى لهذا الانتقال هو أن قمامة دول الخليج الغنية ليها قيمة اقتصادية ضخمة، نظرا لجودة وفخامة تغليف المواد الغذائية هناك. «أنا وعدت الحكومة الكويتية بأنى لو فزت بالمناقصة حادى كل بيت أجمع منه مخلفات 20 دينارا فى الشهر، وكل عامل حياخد من ألف لألفين دينار كويتى»، وهو ما يوازى 40 ألف جنيه مصريا. «أؤكد لك أن ثمن طن الزبالة الخليجى أغلى من برميل البترول».
يقول شرف إنه على اتصال بشركات ومسئولين فى دول عربية مختلفة، كعمان وقطر ودبى. وأنه يأمل أن يتوسع فى نشاط تصنيع المخلفات. «فيه شركات صينية بتفاوض معاها عشان تعمل مصانع تدوير فى الأماكن اللى أنا فيها، بدل ما نصدر لها المواد الخام».
ويأمل أيضا أن يطبق فى الخليج التكنولوجيات التى لم يملك الإمكانات الكافية لتطبيقها فى مصر. «ورق الشجر على سبيل المثال، بيستخرج مواد تساعد على الحفاظ على نسبة المياه فى الأرض الزراعية»، يقول شرف، «حتى فروع الشجر الميت، بيتم تلوينها بمواد خاصة تحافظ عليها من التحلل، وتستخدم فى تجميل الحدائق».
يتمنى شرف أن يستطيع العمل فى مصر مجددا، إلا أن ما يمنعه هو «أن كوم الزبالة فى مصر عايش عليه كلاب ومعيز وحمير وخنازير ومتعهدين وأحياء كاملة». تشكل القمامة مصدر الدخل الوحيد لآلاف العاملين عليها، من جامعين وفرازين وعاملى تدوير. إلا أن نشاطهم العشوائى يخرب أى فرصة فى نجاح استثمار جاد وعلمى لتدوير القمامة المصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.