لست أعتقد أن الأديان قد جاءت لكى تقام لها أحزاب سياسية، لكى تحكم الشعوب بمرجعيتها المتباينة وفقا لثقافة، ومزاج، ومصلحة، المفسر، من بلد إلى آخر، وداخل البلد، الواحد من مرحلة إلى أخرى. إن تحويل الأديان من عقيدة للإيمان، مكانها القلب، إلى أيديولوجية سياسية، مكانها الأحزاب،والبرلمانات، وصناديق الانتخابات، يعنى استخداما لا يليق بالدين، وبالسياسة، وتطبيق الحكم المطلق، على القضايا النسبية المتغيرة. ما الأديان؟ أليست هى عقائد، ورثناها، عن الأهل، ولا يد لنا فيها؟ما الإسلام فى مصر؟ ألم ترث الملايين من الناس، دين الإسلام، من الآباء ومن الأجداد، عبر مئات السنين؟! مثلما ترث العيون السوداء، أو العيون العسلية؟! هل يمكن أن ينشأ حزب مثلا، اسمه حزب الحرية، سيحكم مانحا الامتيازات، لأصحاب العيون العسلية؟ هل نتصور أحد الأحزاب، قد تكون واسمه حزب البريق، بمرجعية العيون السوداء؟! إن الأحزاب السياسية، ذات المرجعية الدينية، التى تريد الحكم، بالإسلام، وحسب الشريعةالإسلامية، ووفقا للثقافة السلفية، هى بالضبط، مثل حزب بمرجعية العيون السوداء، أو حزب بمرجعية العيون العسلية. لا فرق على الإطلاق. نحن نرث الإسلام، كما نرث لون العيون، وطول القامة، أو قصر القامة، أو كما نرث الاستعداد لبعض الأمراض، مثل مرض السكر، وقصر النظر، والميول الاكتئابية. وإذا تساءلنا عن معنى الحكم بمرجعية العيون السوداء، فهو تساؤل منطقى تماما، لأنه ليس له، معنى، إلا التعصب لصالح العيون السوداء، ضد أصحاب العيون الزرقاء، والعيون العسلية، والعيون الخضراء. وهكذا لا بد أن يكون الرد، إذا تساءلنا عن معنى الحكم بمرجعية إسلامية. هذا إذا توخينا المنطق، والنزاهة، مع كلا الردين. إن أى مرجعية موروثة لهى مرجعية متعصبة، متطرفة، تعمل ضد العدالة بين البشر. من يهمه، لون العيون -الموروث- فى الحكم؟! من يهمه، إذا كان اللون أسود، أو اللون عسلى، أو اللون أخضر، أو اللون أزرق؟! ماذا يفيد هذا فى حكم البلاد، وقيادة الشعوب، نحو العدل، والتقدم، والكرامة، والحرية، والسعادة؟! بالدرجة نفسها، وبالشكل نفسه، نسأل من يهمه نوع الديانة -الموروث- فى الحكم؟! من يهمه، إذا كان نوع الديانة، مسلما،أو مسيحيا، يهوديا، بوذيا، أو ليس له، دين؟! ماذا يفيد هذا فى حكم البلاد، ومكافحة الفقر، وتوفير العمالة، وإزالة القمامة يوميا، وحظر مكبرات الصوت، والنهوض بالتعليم، وضمان حرية التفكير، والإبداع، والرأى، والحقوق الشخصية؟! فى تونس، وفى ليبيا، وفى المغرب، فاز التيار الإسلامى.. وفى مصر، حصدت التيارات الإسلامية، أعلى الأصوات فى المرحلة الأولى، من الانتخابات البرلمانية. يقولون إن هذه هى إرادة الشعب، وهذا هو اختيار الشعب، وهذه هى رغبة الشعب. بالإضافة إلى ما قلناه مسبقا، عن التشابه، بين الحكم بالدين المتوارث، والحكم بلون العيون المتوارث، فإننا نتوقف قليلا عن مصطلح «إرادة الشعب». إن إرادة الشعب، حتى تكون مرآة صادقة، ديمقراطية، نزيهة، طبيعية، عادلة، غير ذكورية، لما يراه الشعب، لا بد أن تتشكل فى مناخ صادق، ديمقراطى، نزيه، طبيعى، عادل، غير ذكورى. وهو الأمر الذى لم يحدث، فى ظل أنظمة عربية، غارقة فى الاستبداد، معجونة بالذكورية. وإذا أضفنا، ما حدث فى الانتخابات من دعاية محظورة، وتوزيع هدايا، وأموال، وغيرها من الانتهاكات، التى نشرتها جميع الصحف، وأيضا ارتفاع نسبة عدم الوعى بالفرق بين الإيمان، والدين، وكذلك سيادة لغة التأسلم لمدة 45 عاما، يصبح من حقنا، التشكك، فى مقولة «إرادة الشعب ». أو لنقل، هى «إرادة الشعب» نعم.. هذا صحيح. ولكنها إرادة تم تزييفها، وأسلمتها، وشراؤها بالفلوس، والخدمات، والإعلام المضلل. هذا أمر. أما الأمر الثانى فيرتبط، بأنه ليس كل ما توافق عليه الأغلبية من الشعب، وتريده، وتعطيه الأصوات، يكون صائبا، وفى صالح الوطن، وفى تناغم مع قيم العدل، والمساواة، والكرامة،والتقدم الإنسانى، وليس فقط التقدم الصناعى، أو التقدم التكنولوجى. المثال التقليدى لهذه الحالة، هو حين اختار الشعب الألمانى، إمبراطور الإجرام «هتلر». الغالبية من الشعب، «أرادت»... هتلر، الغالبية من الشعب «أعطت أصواتها»... لهتلر وكان هتلر، النازى، المجرم، قاتل الملايين، المتعصب للجنس الألمانى النقى، ذابح العرقيات الدخيلة.. هتلر الذى أراده، أغلب الشعب الألمانى، كان خرابا على ألمانيا، نفسها، وعلى العالم كله. وهناك الكثير، والعديد، من الأمثلة، يحكيها التاريخ، كيف أن الأغلبية ليست دائما على صواب، وعلى أن الأقلية ليست دائما على خطأ. لقد أصبح معيار الكثرة العددية، خصوصا فى البلاد التى تعيش فى ظل الهيمنة السياسية، والهيمنة .. الذكورية، معيبا، وغير ذى دلالة فى حد ذاته، ويحتاج إلى تحليلات سياسية، وثقافية، لتفسير نتائجه. لقد لاحظت أن فوز التيارات الإسلامية، فى المرحلة الأولى فى الانتخابات البرلمانية، جعل عددا لا بأس به من الرجال، سعداء، ينتظرون لحظة الحكم الإسلامى، بفارغ الصبر. وحين سألت أحدهم رد قائلا: «هم الإسلاميين اللى هيقدروا يشكموا الستات بتوعنا، وكمان كل الستات فى البلد دى.. خلاص الستات فلتوا. ومحدش قادر عليهم.. أنا عن نفسى مش عارف أمشّى كلمتى على الست بتاعتى.. بكره يجولها بتوع الدقون يخلوها تمشى على العجين متلخبطوش» رجل آخر قال لى: «الست مكانها البيت.. تقعدتطبخ وتخدمنى وتشوف عيالها.. ولازم تتغطى من فوق لتحت.. أمال إيه.. هى الدنيا باظت من شوية.. كل البلاوى حصلت لما الستات خرجوا قال إيه يشتغلوا زى الرجاله.. كلها يومين لما الإسلام يحكم بلدنا ويرجع للراجل منا كرامته، وهيبته فى البيت». هذا كلام واقعى. وأود الإشارة هنا، إلى أن هذا التصور، لاستعادة هيبة الرجال، ووأد النساء، وهن أحياء، ليس مقصورا على طبقة ما، أو على فئة ما. فالذكورية، تتجاوز الطبقات، والشرائح، والفئات، وحتى الدول. الذكورية قضية عالمية، وإن اختلف الشكل، وتباين المضمون. إلى أى مدى، فعلا، سوف يضحى الرجال، بحقوق، وحريات النساء، لكسب رضاء ذكورة مريضة، ونيل استحسان التيارات الإسلامية، التى فى كل تصريحاتها، يتضح التمييز بين المرأة، والرجل؟! من واحة أشعارى فى وطنى إذا تقدمت امرأة لرئاسة الجمهورية قالوا «مجنونة» وإذا رفضت طاعة الزوج قالوا بالجن «مسكونة» وإذا كان عقلها هو المفتى قالوا بالكفر «مفتونة» فى وطنى الذكور جلادون يأمرون وينهون ويحكمون والمرأة قطعة لحم «مسجونة»