يخطئ من يظن أن فوز تيار الإسلام السياسى بأغلبية متوقعة فى الانتخابات البرلمانية، يعد اجتيازا له لاختبار صلاحيته لقيادة الوطن. الاختبار الحقيقى الذى يكرم فيه المرء أو يهان لم يأت بعد. فنجاح التيارات السياسية على اختلافها يرتبط بقدرتها على تغيير الواقع الاجتماعى إلى الأفضل بمعايير موضوعية لا يمكن إنكارها مثل: رفع إجمالى الناتج القومى وعدالة توزيع الثروة بما يقلص نسبة الفقر، ويحقق أثرا إيجابيا يتضح فى ارتفاع مستوى المعيشة، وانخفاض البطالة، وجودة التعليم الحكومى، والخدمات الصحية، وغيرها من المشكلات التى يمكن استخدام معيار استفحالها أو انحسارها كوسيلة صادقة لقياس فاعلية أداء الحكومات. ملف الأمن أيضا يعد واحدا من أخطر الملفات على الإطلاق، لأن السؤال الأكبر الذى يطرحه هو: ما الخطة العلمية لتفكيك منظومة جهاز الأمن القمعى التى يجب أن تتزامن مع إنشاء شرطة جديدة تحترم حقوق الإنسان، وتعمل على صيانة الحريات وفق رؤية شاغلها الأول أمن المواطن؟ نتحدث هنا عن إرساء القواعد الصارمة لتكوين منظومة أمنية جديدة لا تضع فى حساباتها إهدار الحريات العامة وقمع الخصوم السياسيين لصالح السلطة الحاكمة، فضلا عن إمكانية محاسبتها، إن تجاوزت، لمنع تورط الحزب الحاكم واستخدامه لها فى تزوير الإرادة الشعبية لضمان احتكاره الفوز بمقاعد البرلمان والمحليات. هذه قضية فلسفية بامتياز، لأنها تمثل تحديا أخلاقيا أمام أى حزب يعتلى كرسى الحكم بأغلبية ساحقة فى مجتمع أدمن السلطوية، ليجد نفسه مطالبا بتفكيك الأدوات القمعية التى ساعدت غيره على احتلال موقع القيادة لعقود طويلة دون وجه حق، ويرفض إعادة إنتاجها واستخدامها مرة أخرى بعد ثورة الشعب لإسقاطها. ألم يقع المجلس العسكرى فى تلك الخطيئة خلال الشهور الماضية؟ يستوى الأمر كذلك مع المنظومة الإعلامية الحكومية، التى يأمل الناس أن تتحول بطريقة منهجية إلى وسيلة مهنية راقية ومحايدة لا تزيف الوعى، بل تلقى الضوء على الحقائق المجردة، ولا تعتمد طريقة غسل الأدمغة كأسلوب لها، ولنا أيضا فى عسكرة تليفزيون هيكل أسوأ مثال. هى قضية فلسفية إذن لأنها تعكس مدى إيمان القيادة السياسية بالديمقراطية والتعددية والحريات، حتى وإن أتيحت لها الفرصة للانفراد بالسلطة. خلاصة الأمر أن الحكم أمانة، وليس فرصة، أو قل إنه فرصة لإثبات القدرة على تولى الأمانة. لذا تعجبت كثيرا عندما بعث لنا رئيس حزب النور السلفى برسالة تنقصها الحصافة، ويغيب عنها الذكاء السياسى، عندما أعلن تكفيره لاستخدام الديمقراطية، التى أتت به إلى البرلمان، وذلك فى أول تصريح له بعد الإعلان مباشرة عن اكتساح حزبه لانتخابات المرحلة الأولى بالإسكندرية! يتناوب حزبا العمال والمحافظين الحصول على الأغلبية البرلمانية فى مجلس العموم البريطانى بناء على اختيار الجماهير الواعية، التى تقيس نجاح الحكومات التى يشكلها هذان الحزبان بمقدار تنفيذهما وعودهما الانتخابية. حزب الديمقراطين الأحرار الأضعف منهما يشاركهما البرلمان، ويمثل فى بعض الأحيان كتلة نيابية حرجة يمكن لأحدهما استخدامها لتحقيق أغلبية برلمانية فى إطار تحالف بينه وبينها. لم أر أو أسمع عن نظم ديمقراطية ناجحة لا يتنازع فيها تياران سياسيان أو أكثر. فمن المؤكد أن ضمان تحقيق الوعود الانتخابية لا يحدث إلا فى وجود الخصم البديل، الذى يمثل تهديدا حقيقيا للحزب الحاكم فى أى نظام برلمانى محترم. لذا سعدت بحصول الكتلة المصرية على عدد لا بأس به من مقاعد المرحلة الأولى، وسأسعد أكثر إن حصلت هى وقائمة الثورة مستمرة على نسبة محترمة من مقاعد المرحلتين التاليتين، لكى نضمن انضباط أداء الأغلبية فى أول برلمان بعد الثورة. وجود تيار واحد مكتسح فى أى مجلس منتخب يمهد دائما إلى إنتاج نظام سياسى سلطوى ينتهك الحريات، ولا يأبه بالمعارضة، لأنها لا تمثل خطرا على استمراره فى الحكم. لا توجد أحزاب يقودها ملائكة. كلنا بشر، والخوف من خسارة التأييد الشعبى، هو الذى يجبر الحكومات على تحقيق المصلحة العامة. لا يرتفع أداء الأهلى إلا فى وجود الزمالك القوى، ويمكن لأدائه بالقطع أن يرتقى أكثر فى وجود الزمالك والإسماعيلى القويين. أما إن كان يغرد بمفرده فقل على الدورى السلام! ينكر السلفيون بشدة ما أعلنوه فى بدايات الثورة عن عدم جواز الخروج على ولى الأمر ووجوب طاعته وإن أخطأ. فهل تراجعوا عن قولهم: إن مئة عام فى كنف حاكم ظالم أفضل من يوم واحد بلا حاكم؟ إنه خطاب جاء على ألسنتهم، ننقله عن أقوالهم المسجلة، التى تضيق بها مواقع عرض الفيديوهات مثل ال«يوتيوب». ولهم أقول ناصحا: تمهلوا قليلا قبل أن تنكروا تصريحاتكم فلربما تحتاجون مستقبلا إلى استخدامها ضد من يخرجون عليكم إن قدر لكم أن تصبحوا ولاة الأمر! أكررها مرة أخرى نريد الأهلى القوى الذى ينافسه زمالك وإسماعيلى لا يقلان عنه قوة. فتأرجح الفوز بالبطولات بينها هو الذى يخلق طعما للمنافسة، ويحقق مطالب الجماهير التى لن يرضى طموحها أن تشجع فريقا يلاعب نفسه! ملحوظة لها دلالتها: علمت يوم السبت الماضى قبل إرسال المقال، أن العسكر دهسوا بمجنزراتهم صلاحيات الدكتور الجنزورى الكاملة، بعد أن رفضوا طلبه لتغيير وزير الإعلام وأصروا على بقائه فى منصبه. فيا صباح الفل على صلاحياته التى انهرست تحت مدرعاتهم فى أول وأبسط اختبار! التفسير المنطقى الوحيد أنه يستحيل أن تحرز أهدافا فى مرمى فريق يلاعب نفسه! فهل فهمت «العباسية» الآن لماذا كان «التحرير» يطالب دائما بمجلس مدنى يتقاسم السلطة مع فريق المجلس العسكرى؟