قال عبد الرحمن الجبرتى: فلما اشتد ضرب القنبر جرى الناس صائحين: يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف.. وظلوا يدعون على الفرنساوية. كنت بميدان التحرير مساء الإثنين حتى فجر الثلاثاء وقد رأيت آثار القنبر الذى أطلقه الأعداء على شباب مصر الوطنيين بكثافة. منذ أن تركت السيارة بجوار محطة محمد نجيب وتقدمت خطوات ناحية باب اللوق دهمتنى رائحة الغاز الخانق، فضاق تنفسى، وشعرت بحرقة شديدة فى العينين، فجريت مسرعا محاولا الابتعاد عن سحابات الغاز والدخان، لكن الرائحة والتأثير تابعانى فى كل جهة انطلقت إليها، حيث إن جيش الكفار قد أمطر المنطقة بكاملها بزخات لا تنتهى من القنابل المحرمة والممنوعة دوليا، التى لا تستخدمها أمريكا أو إسرائيل اللتان أهديتاها إلى حلفائهما فى مصر. هو نوع من القنبر ورد إلينا فى عهد المجلس العسكرى وفى زمن منصور عيسوى راعى القناصة، وهو يختلف اختلافا بينا عن القنبر الذى كان يستخدمه حبيب مبارك وحيواناته المسعورة فى يناير الماضى. لكن بعد ذلك ثم تطور الوضع على نحو مرعب اعتبارا من مساء الثلاثاء، وعقب الكلمة التى ألقاها المشير طنطاوى بشن حرب كيماوية بمعنى الكلمة ضد المتظاهرين، مع البدء فى استخدام غاز أعصاب لا دخان له، وصفه أحد أطباء الميدان بأنه ذو رائحة تشبه المستردة، وبه قدر من الخردل، وهو سلاح يمنع استخدامه فى الحروب، وتعف الجيوش عن إطلاقه على الأعداء، لأنه يحدث شللا وتشنجات تعقبهما الوفاة. ولقد شاهدنا جميعا الفيديو الذى يبين أحد الضباط القناصة وهو يطلق الرصاص من بندقيته ويصوب على الرؤوس، واستمعنا إلى تهنئة زملائه له بقولهم: «جدع يا باشا..أكلت عين الواد». بعدها ظهرت على النت صورة للضابط وضعها النشطاء وكتبوا أسفلها: «مطلوب حيا أو ميتا»، ورصدوا مكافأة لمن يقبض عليه قدرها خمسة آلاف جنيه. أنا لا أقلل من وحشية الجرائم التى ارتكبها الضابط المسعور، لكنى أرى أن الإعلان يجب أن يتوسع ليشمل صور وأسماء كل الوحوش الذين قاموا بتسليح الإرهابى الصغير وأطلقوه فى الشوارع على المتظاهرين، وكذلك صور وأسماء كل الذين منحوه تصريحا بالقتل ووفروا له الغطاء الأمنى والحصانة القانونية والحماية من المحاكمة والحساب. إن الضابط القاتل لم يكن يستطيع أن يفعل ما فعل لولا أنه مطمئن إلى أن المجلس العسكرى الذى يتولى السلطة التنفيذية والتشريعية، إضافة إلى جانب كبير من السلطة القضائية لن يسمح بأن يحاسبه أو يتعرض له أحد، وهو يعلم أن النيابة العامة لن تتحرك وتصدر أمرا بالقبض عليه ما دام أن المجلس العسكرى لم يأذن لهم بذلك! وفى الحقيقة إننى أكتب وعيناى ممتلئتان بالدموع، ولا أستطيع أن أمنع نفسى من التساؤل: هل نربى أولادنا ونستثمر فيهم أعمارنا ونعمل على تنشئتهم وتعليمهم ليكبروا ويصيروا قرة أعيننا من أجل أن يأتى عسكرى جاهل متعفن يأخذ أوامره من ضابط جاهل متعفن يتلقى بدوره التعليمات من قائد أكثر جهلا وعفونة روحية ويطلق رصاصه الحى وخرطوشه ومطاطه وغازاته المحرمة، فيخترق الرؤوس ويفقأ العيون ويخمد الأنفاس، ثم يتقدم لسحب من يسقط من أبنائنا قتيلا ويقوم ومعه زملاؤه الحيوانات بضرب الجثة بالعصى وبالأيدى والأرجل قبل أن يسحل الجسد الميت ويقوم بإلقائه فى الزبالة؟ أقول لكل ضابط يدفعونه للتعامل الوحشى مع المتظاهرين: اعلم أنهم لم يطلبوا منك أن تقوم بالقتل والقنص والتعذيب، إلا لأنهم يتعاملون معك على أنك حيوان، ولو كانوا ينظرون إليك بحسبانك رجلا ذا شرف وكرامة لما جرؤ أى قائد منهم على أن يصدر إليك أوامر شائنة تسحب منك شرفك وتجعلك مثل المومس تأكل لقمتك ببيع شرفك. ارفض يا بنى أن تكون مومسا وقل لرئيسك المسعور إنك تصر على أن تحتفظ بإنسانيتك وشرفك وترفض أن تُعامل على أنك كلب.. لا تفرح بثناء الرؤساء فإنهم لا يثنون على الشرفاء الذين لا يقبلون القيام بالمهمات القذرة، بل إنهم يعلمون جيدا مَن من زملائك رجل ومَن منهم كلب. ارفض أن تكون كلبا وتمثّل ما قاله صلاح جاهين فى رباعيته الجميلة: «اخلع غماك يا تور وارفض تلف.. اكسر تروس الساقية واشتم وتف. قال بس خطوة كمان وخطوة كمان.. يا أوصل نهاية السكة يا البير تجف»! لا تفعل مثل التور الذى يظن أنه سيصل لنهاية السكة ولا يعلم أنه سيظل يدور ويجر الساقية إلى الأبد. وإذا كنتم تلاحظون أننى لم أتحدث إلى الجنود، لأنهم أقرب إلى الحيوانات العجماء منهم إلى البشر، بعد أن جنى عليهم مبارك وأوصلهم لما هم فيه، كما لم أوجه حديثى إلى القادة الذين تسرى الخيانة وكراهية الوطن فى شرايينهم، ولا أمل فى أن يحبوا الوطن الذى نهبوه وعذبوا أهله ورضوا أن يكونوا أحذية فى قدم كل حاكم حقير من أجل الحفاظ على المسروقات.. فإننى أقصد هذا لأنكم أنتم الذين تملكون أن تنجوا بأنفسكم قبل أن يضربكم الشعب بالأحذية ويضعكم فى السجون مهما طال الزمن. ألا قد بلغت اللهم فاشهد. لعنة الله على مبارك وعلى آله وصحبه وعشاقه ومحبيه ومن سار على دربه واتبع خطاه بكل وساخة وقلة حيا.