عاد الثوار إلى الميدان لإنقاذ الثورة.. عادوا لاستعادة الثورة من الفشلة والمنتفعين والمتحولين. عادوا من أجل الحرية والعدالة والكرامة.. عادوا من أجل تحقيق مطالب الثورة وأهدافها. عادوا لإعادة ثورة 25 يناير العظيمة إلى مكانتها الحقيقية التى أبهرت العالم.. وكانت ملهمة لثورات وحركات الكثير من الشعوب العربية والغربية! عادوا لتحقيق الإنجاز.. إنجاز الدولة الحديثة. لقد تركوا الحكومة «التى اعتبروها حكومة الثورة» لكى تحقق مطالب الثورة ومنحوها ثقتهم، لكنها لم تكن أبدا على مستوى الثورة نفسها وطموح الشعب الذى استطاع أن يقهر الظلم والطغيان والاستبداد.. وبدت وكأنها حكومة من حكومات مبارك وأصبح الطموح شخصيا لكل وزير.. يسعى إلى مصالح خاصة من خلال ولائه للذين يحكمون ويتحكمون فى البلد المتمثل فى المجلس العسكرى. لقد تركوا قوى سياسية كانت تساند النظام السابق لكى تتفاعل مع المجتمع الجديد.. ولكنهم تاجروا بالثورة. وحاولوا تصدر المشهد السياسى من خلال إعادة إنتاج سلوكهم مرة أخرى بالتبعية -بل بالعمالة- لمن يحكم وتقديم خدماتهم له، مقابل الحصول على مصالح شخصية وبعض مقاعد برلمان مطعون فيه قبل انتخابه! لقد تركوا المجلس العسكرى يحكم البلاد بعد أن وثقوا فيه لحماية الدولة.. وبناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة بناء على خارطة طريق واضحة من دستور جديد للبلاد وانتخابات رئاسية وبرلمانية للبلاد وانتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وإعادة بناء مؤسسات الدولة واستقلال القضاء وإطلاق الحرية وحماية حرية الصحافة والإعلام وإعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية التى كانت وقود النظام السابق فى تزييف وعى الناس.. وذلك كله خلال فترة انتقالية واضحة ومحددة، يعود بعدها إلى ثكناته لحماية الحدود. لكن لم يكن المجلس العسكرى الحاكم بجنرالاته على قدر الثقة التى منحها له الشعب المصرى، فبدأ بعض جنرالاته فى تلميع أنفسهم على حساب مطالب الشعب.. وبدؤوا على طريقة وأسلوب صاحبى النفوذ من النظام السابق من استخدام إعلاميين وسياسيين فى ذلك الأمر.. بل وصل بعضهم إلى استخدام شيوخ لم يكونوا يستطيعون الكلام فى عهد النظام المخلوع ليدافعوا عنهم. واستعان المجلس بمستشارى السوء الذين يقدمون خدماتهم لأى نظام فى تدبير المكائد من أجل تبريد الثورة وتشويه الثوار.. وإشاعة روح الكراهية لدى الرأى العام فى الثورة بأنها وراء تعطيل مصالحهم وخراب البلاد.. وسوء الأحوال المعيشية والادعاء بأن الاقتصاد على وشك الانهيار بسبب ذلك. وعادوا إلى نفس أسلوب النظام القديم فى استخدام القوى السياسية التى كانت تدار من خلال أمن الدولة المنحل فى خلق حالة من الاتفاق والتسويق للمجلس العسكرى فى الوقت الذى شكل فيه ائتلافات جديدة لمحاربة ائتلاف شباب الثورة الذى لا يستجيب لمطالبهم ولا يروج لهم. إنه مجلس مرتبك ومنعدم السياسة.. وسلم نفسه إلى قوى رجعية تسعى لرفع مصالحها الخاصة بصوتها العالى وبتمويل غير معروف مصدره «لا يهتم به المجلس العسكرى.. فى وقت يطارد فيه المنظمات الحقوقية ويتهمها بالتمويل المشبوه!!». وتوسع المجلس العسكرى فى محاكمة المدنيين عسكريا وأصدر قوانين ومراسيم أربكت المجتمع بما فيها قانون الانتخابات والدوائر. وكانت المصيبة الكبرى خلال الفترة الانتقالية -التى لم يعرف أحد متى تنتهى!! هو ترك وزارة الداخلية فى حالة «استمرار الانفلات الأمنى» ولم يجر فيها أى إصلاح أو إعادة هيكلة.. وإن كان قد ترك الناس تدخل مقرات أمن الدولة ولساعات -لحاجة فى نفس يعقوب- ليعود مدافعا عن الوزارة ويقدم لها الشكر.. فى الوقت الذى تقتل فيها المتظاهرين السلميين ويسقط عشرات الشهداء ومئات المصابين. ورغم الإجماع من كل القوى والمؤسسات فى البلد على إعادة الأمن فإن المجلس العسكرى ترك الأمن فى حالة انفلات لإطلاق عصابة وزير الداخلية الأسبق فى إدارة الوزارة.. لتستمر نفس سياسات نظام مبارك المخلوع. ولعل ما حدث من الثوار من استعادة ثورتهم منذ يوم 19 نوفمبر وحتى الآن من اتجاههم إلى رمز الداخلية للتظاهر أمامها وفى كل المحافظات، بل ووصل الأمر إلى محاولات اقتحامها.. وهى رسالة مهمة للمجلس العسكرى، أن الداخلية بهذا الشكل لم تعد مؤسسة من مؤسسات الدولة.. بل إنها ضد الثورة وضد الدولة نفسها وتعمل لصالح عصابة العادلى ونظامه المخلوه. فهل فهم العسكرى ذلك؟! أم أنها ما زالت رسالة عصيّة على فهمه؟ إن الثوار عادوا إلى التحرير من أجل إنقاذ ثورتهم من فشل المجلس العسكرى وتوابعه.. إنهم يريدون ثوارا يديرون البلاد فى المرحلة الانتقالية لا موظفين، حتى ولو كانوا جنرالات أو سياسيين يجب عزلهم ومحاكمتهم.