أصيب ابني عبد الله المهندس المدني في ساقه اليمني في التحرير وحين انكفأ علي وجهه ظل الشرط يطلقون عليه الخرطوش فأصابوه في وجهه وظهره ، ولأن الإمكانات الطبية في التحرير كانت أقل من أن تسعفه فقد تم نقله إلي قصر العيني . علمت أنه أصيب من والدته وحين كلمته لم يرد أن يقلقني فقال : إنه ماض إلي المنزل فيما كان يمضي إلي المستشفي ، وحين سألته عن الإصابة هونها علي وقال مس طفيف من خرطوش الشرطة وبعض قنابل الغاز الخانقة . حين ذهبت إلي قصر العيني للتعرف علي ما جري علمت أن إصابته شديدة وأنه في جراحة لمدة طويلة وأنه في الإفاقة ، لم أتحمل ذهبت لمدير المستشفي وعرفته بنفسي فأوفد معي أحد مسئولي العلاقات العامة فالتقيت الطبيب المساعد للطبيب الذي أجري الجراحة فطمنني وقال ركبنا له شريحتين في ساقه اليمني وهو ما جعلني أشعر بالرهبة والقلق علي ابني ، لم أستطع مقابلة الطبيب الذي أجري له العملية فقد كان منهكما في عمليات أخري لشباب آخرين كان المكان مكدسا بهم . وأتساءل لماذا يذهب هؤلاء الشباب لمواجهة الموت والإصابة بصدور عارية ؟ وأحاول الاجتهاد في الإجابة فهؤلاء الشباب قاموا بموجة الثورة الأولي وانتظروا تسعة أشهر كاملة لتحقيق مطالب الثورة فلم يجدوا أثرا في الواقع يؤكد تحقيق مطالبهم ، إذن هم شعروا أنهم قد خدعوا فالمجلس العسكري شارك الثوار في ثورتهم لكنه بدا منحازا لاستمرار بقاء النظام القديم ، وكما هو معلوم فإن الجيش قوة محافظة لها تقاليدها ونظامها وهيراركيتها بينما مطالب الثورة تحتاج لروح وثابة تقفز إلي الإمام للإنجاز . لا يزال مبارك وأبناؤه يحاكمون أمام قاض مدني بينما شباب الثورة يحاكمون أمام قضاة عسكريين ، لا يزال نواب الحزب الوطني موجودين بل ويخوضون الانتخابات رغم أن المحكمة الإدارية قضت بإفساده للحياة السياسية وقضت بحله . لا يزال الفقر والبطالة والأمية والعشوائيات ولم يتم إنجاز أي تطور علي صعيد المشكلة الاقتصادية – الاجتماعية في مصر رغم أن المفتاح الحقيقي لعبور مصر نحو نظام سياسي عادل يعبر عن المصريين جميعا هو حل المشكلة الاقتصادية – الاجتماعية . يشعر ا لشباب في التحرير أنهم أزاحوا مبارك عن سدة الحكم بينما نظامه لا يزال رابضا وقويا ويحكم , فوزارة الداخلية لا يزال المتحكمون فيها هم رجالة ا لعادلي ، واختفاء أمن الدولة قد عاد من جديد في صورة الأمن الوطني ، والثقافة التي تتحكم في المؤسسة والقائمة علي منطق العصابة لا تزال مستمرة . المعلومات التي جاءت من تونس تقول إنه قد تم محاكمة وعزل قيادات الداخلية وإعادة بنائها من جديد علي أسس حقوقية وقانونية تحترم القانون والناس . المعلومات غائبة وغير متوافرة عما يجري في البلاد فلا نعرف شيئا عما يحدث في الوزارات والمصالح ولا نعرف كيف تدار الأموال ولا من يأخذ ماذا ؟ ، حق المعرفة هو قانون ما بعد الثورات لا يزال غائبا . قانون العزل السياسي الذي طالبت به كل القوي السياسية لم يحدث وخاض فلول الحزب الوطني الانتخابات البرلمانية وتشير التوقعات إلي أنهم سيفوزون ب20% من مقاعد البرلمان بينما شباب الثورة لقلة إمكانياتهم المالية لن يكون لهم تمثيل في البرلمان يعبر عنهم . الذي يشاهد ما يجري في التحرير يعرف أن مشكلة مصر في جوهرها هي مشكلة الشباب أمثال عبد الله ابني والذين معه ، ومن ثم فلا بد لأية حكومة أن تضع علي أجندتها الحوار مع هؤلاء الشباب والتعرف علي مشاكلهم وعلي رأسها حقهم في المشاركة السياسية وبناء النظام السياسي ا لجديد في مصر وحل ا لمشكلة الاقتصادية – الاجتماعية وعلي رأسها البطالة ، لا بد من مشروع قومي يستوعب طاقات هؤلاء الشباب حتي يتحول عنفهم بعيدا عن المواجهة مع مؤسسات الدولة ، وعلي رأس هذا المشروع أن تكون تلك الدولة عادلة ومعبرة عن كل قطاعات الجماعة الوطنية المصرية . الموجة الثانية لثورة يناير تريد نظاما عادلا يحقق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحرية السياسية .