دعاء خليفة : يقابلك بوجه بشوش رغم تشوهه وشلل جانبه الأيسر, إنه أحمد غريب(53 سنة), جندي باسل من جنود ثورة52 يناير, رغم أنه لم يلتحق أبدا بالخدمة العسكرية. أحمد الراقد في الغرفة(025) بمستشفي كليوباترة, يعاني كسرا في الجمجمة ونزيفا داخليا, وكسورا في الضلوع, وقطعا في العصب السابع للوجه, وصمما بإحدي أذنيه, هذا غير ما تم علاجه في الفترة الماضية مع ترقيع ومسامير بأجزاء من الوجه والجمجمة وجرح قطعي في الفخذ والساق اليمني. إصابات بالغة لا يمكن أن توصف إلا بأنها إصابات حرب, فهي الحرب مع الشرطة في يوم82 يناير, حين رفض أحمد غريب وزملاؤه من الثوار دخول أحد سيارات الشرطة المدرعة إلي ميدان التحرير لإمداد القوات داخله بالذخيرة والقنابل, فما كان من الضابط إلا أن قال له أنا بشتغل مع مبارك, افسحوا الطريق وإلا فسوف نضربكم بالجزمة, فرد عليه أحمد, أرجوك خليك محايد علي الأقل, ارجع ولتقل لقادتك أنك لم تستطع دخول الميدان, دي ناس كويسة, عايزين حرية البلد, يلغوا الرشوة والفساد ويخلوا مصر أفضل.. كلمات لم تحرك ساكنا في قلب الضابط الميت فأصدر أوامره بأن تتقدم المدرعة لتدهس أحمد تحتها. وفقد الجندي الباسل الوعي وراح في غيبوبة امتدت لأكثر من عشرة أيام, عاد بعدها للحياة ليعاني كم هائل من الإصابات. تهتكات وتشوهات يقصها أحمد بدقة وفهم, لأنه درس الطب إلي جانب الهندسة, ليعمل بعد ذلك في إحدي الشركات الخاصة, لكن رغم كل هذه الاهتمامات, فإن قضية بلاده كانت شاغله الأساسي. وبرغم شلل نصف وجهه الأيسر, ورغم صعوبة التحدث, فإنه ما إن يقترب الحوار مع والدته من حرية مصر وحق شعبها في الحياة الكريمة, حتي يتغلب أحمد علي آلامه ويتحدث إعاقته لتتدفق الكلمات علي لسانه. كنت شديد الألم بسبب ما آل إليه حال مصر, التي كانت تقود الدول العربية, كيف يصبح الشعب المصري خير أجناد الأرض في هذا القاع, كيف وصل الحال بحكومتنا لأن تقتل الناس وتعذبهم ثم ينفي الطب الشرعي ذلك, كما حدث مع خالد سعيد, دون أن يحاسبهم أحد.. كيف استشري الفساد إلي حد تزوير الانتخابات بهذه الطريقة المشينة والمهينة للشعب المصري. يقول أحمد إنه كان يتواصل مع حركة6 أبريل وكلنا خالد سعيد, ونزل يوم52 ليعيد الحرية والديمقراطية. وفي يوم82 قلت لأمي إنني سوف أذهب مع المتظاهرين إلي ميدان التحرير, فقبلتني وأعطتني زجاجة خل وبيكربونات. يومها لم تعرف فاطمة طه الأم ما يخبئ القدر لابنها.. وبصبر وثبات وبسالة, جديرين بأم البطل, تفص الأم أن ابنها اتجه بعد صلاة الجمعة مع مئات الشباب من مسجد رابعة إلي ميدان التحرير.. رحلة طويلة تخللتها حروب كر وفر مع الشرطة وغازات مسيلة للدموع ورصاص مطاطي وخراطيش حتي استطاع الآلاف رغم ذلك الوصول إلي الميدان, حيث ساحة الحرب الحقيقية, كما يقول أحمد غريب مقاطعا رغم آلامه الشديدة. نعم حرب, بخراطيش, رصاصات مطاطية وحية, ناس تموت ودماء تحيط بنا في كل مكان, حتي المستشفي الميداني كان يتعرض لقصف ورصاصات الشرطة, مما جعل بعض الأطباء يمسكون الميكروفونات ليطالبوهم بأن تأخذهم الرحمة بالجرحي. يصف أحمد المشهد وساحة الحرب الضارية مسترجعا آخر يوم عاشه قبل الغيبوبة:, لا أعرف كيف واتتني هذه الشجاعة وهذه الطاقة, رغم أنني لم أحارب من قبل, تقدمت في الصفوف الأمامية مع الشباب, لنحمل قطعا من الحديد لنسد مداخل الميدان علي سيارات الشرطة التي كانت تحمل الأسلحة والذخيرة, ورغم أنني أصبت ثلاثة إصابات من الخرطوش في رأسي, فإنني قررت الاستمرار, لأنه لا مجال لأن ننسحب, وكنا نرقد علي بطوننا أو نبقي في وضع السجود تلافيا للرصاص.. فكانت لحظات فارقة بالنسبة لنا, فإما الحرية والعدالة حتي لو كان مقابلها الموت أو العيش في ذل وفساد وتردي باقي العمر].. وهو ما جعل أحمد يستبسل حتي النهاية وفقد الوعي. لكن الحمدلله مبارك تنحي, هو الخبر الذي هون علي أحمد جراحه وآلامه, ما أن عاد من غيبوبته إلي الحياة. وكما تشرح الأم البشوشة الوجه والروح, اليوم كان رائعا وفرحتنا كانت هستيرية, كنت أصلي المغرب بجوار أحمد في المستشفي فسمعت زغاريد في الشارع, فعرفت أن مبارك تنحي, فصرخت من الفرحة لأقول لأحمد: الحمدلله.. تعبك وإصاباتك لم تذهب هدرا]. ويضيف أحمد أنه فرح ونسي آلامه, فالحرية لا تنال إلا بالدم. بينما تقول والدته إنها أصيبت بإحباط كبير في الفترة التي كانت فيه المساومات بين الرئيس والشعب, وزاد حزنها علي ابنها, لكن كل ذلك تبدل بعد الحرية والتنحي].. تؤكد الأم التي لم تكتف بتقديم ابن واحد للثورة, ولكنها لم تمنع ولديها الأخريين: نور الدين, طالب هندسة, وعمرو, مهندس, من المشاركة في المظاهرات حتي يوم التنحي رغم الإصابة البالغة لأكبرهم أحمد. ,ده أقل ما يمكن أن نخدم به مصر].. تقول فاطمة: أما أحمد فهو رغم انشغاله بآلامه, وضرورة سفره للخارج لاستكمال علاجه, فإنه يتابع الأخبار ويؤكد أن ما خرج هو رأس النظام, بينما لازال الكثيرون جاثمين علي أنفاس مصر من القيادات والمديرين. ,أتمني قانون صارم, دستور موحد, وأن يحاسب الجميع بأخطائه, أيا كانت المناصب].. يقول أحمد متمنيا أن يرأس مصر رجل ذو ضمير وأخلاق ليحافظ عليها ويعيد إليها مكانتها بين الأمم التي تستحقها, أما حقي فهو عند الله]. لكن الأم التي انشغلت طويلا بمراحل علاج ابنها التي لم تنته بعد, فترجو معاقبة المتسببين في إصابته وتتمني مساعدتها في ذلك... كما تطالب الجهات المعنية بعلاج المصابين بمساعدة ابنها لاستكمال علاجه بالخارج. فالأطباء أكدوا أن عمليات عصب الوجه وعلاج كسور الجمجمة يفضل إجراؤها في ألمانيا أو فرنسا].. عمليات لن تقل تكلفتها عن07 ألف يورو, مبلغ كبير لا تتحمله ميزانية الأسرة المتوسطة, التي ضحت من أجل حرية مصر, وتحتاج اليوم للمساعدة وأيضا القصاص العادل.