كانت على بالى. هى وزوجها وابنهما الوحيد بيتر. وهممت أن أتصل بهما. واتصلت. أعطانى الرقم بأنه غير موجود بالخدمة. فاتصلت بالبيت لم يرد أحد، كان ذلك على مدار أيام، وعندما يأست اتصلت ببيت الوالدة. وجاءنى الصوت حزينا. فلم أستبشر خيرا. قالت الأم بعد السلام والعتاب لأنى ماباتصلش من زمان إن مريم وزوجها هاجرا إلى كندا. كانت الأم تنطقها حزينة، فقلت مندهشا مريم فى كندا مهاجرة ليه؟ قالت. ليه إنت يا ابنى مش شايف البلد بيحصل فيها إيه للأقباط تحب تشوفها مسافرة ولّا تشوفها مقتولة؟ فانزعجت وأخفيتها فى صدرى. وقلت ممكن تليفونهم هناك، وأعطتنى إياه واتصلت على الفور بمريم وكان صوت بيتر المفرح هو من استقبلنى وجاءت مريم وقد عاتبتها وعاتبتنى قبل أن أدخل فى التفاصيل. وقالت عارفة انت عايز تقول إيه. -مريم وزوجها كانا فى الميدان وقت أن كانت هناك ثورة- قالت إوعى تفكر أن أنا لوحدى اللى سافرت. أنا سافرت مع أربع عائلات، تعرف أنا سمعت إيه فى الجوازات وأنا باخد الجواز، 15 ألف قبطى طالبين الهجرة إلى أمريكا وكندا وأستراليا. لدرجة أن معظم الدارسين الآن فى المعهد الفرنسى من الأقباط لدراسة الفرنساوى حتى المستوى الثالث، حسب ما اشترطت السفارة الكندية. أسمع الأقباط بيهاجروا من مصر. الأقباط فى حالة رعب وخوف لا تتخيلها. وقد طال الحديث الصدمة. الذى انتهى. بانت عايزنا نقعد لغاية لما الإخوان والسلفيين يمسكوا مصر؟ ويحرقونا. وانتهى الحوار ببكاء مريم. وارتعشت أنا من الحزن. الأقباط يهاجرون من مصر. ونحن هنا لا نزال نتحدث عن محاكمة المخلوع الذى قد نسيت اسمه هو وابنه. الأقباط يهاجرون من وطنهم ونحن ما زلنا نبحث عن قاتليهم فى ماسبيرو ومفجريهم فى القديسين. وقد نجح المخطط القديم. الذى ظهر لأول مرة فى مقالة فى صحيفة «التايمز» الإنجليزية عام 64 يتحدث عن المخطط الأنجلو-صهيونى الذى تبنته أمريكا فى ما بعد ويتحدث عن وضع المسيحيين فى الشرق الأوسط وترحيلهم إلى أمريكا وأوروبا. والمخطط يتم على شكلين، الأول الترحيل والثانى التفريق. الترحيل يتم فى الدول التى يسكنها عدد كبير من المسيحيين كمصر والعراق. والتفريق يتم فى دول الشام. وذكر المقال أن الغرب فى بداية القرن القادم سيعانى بشدة من نقص نسبة الشباب وبانتقال مسيحيى الشرق إلى الغرب يحل كثيرا من المشكلات. كمقابلة المد الإسلامى فى دول أوروبا وجعل منطقة الشرق الأوسط للمسلمين فقط وخالية من المسيحيين. وقد بدأ المخطط بالعراق وظهر كم كبير من تفجيرات الكنائس فى بداية العام الماضى، مما أدى إلى هجرة 150 ألف عراقى مسيحى إلى السويد وحدها. وفى مصر ظهر بشكل واضح فى حادث القديسين، بداية العام، وكان اختيار الكنيسة له عدة أبعاد أهمها أنها فى الإسكندرية بالتحديد، وهى المعروفة عالميا بأنها المدينة الكوزموبولتان التى تنصهر فيها كل الأديان والأعراق. رغم أن التحذيرات بالتفجير كانت على عدة كنائس فى مختلف المدن. لكن الإسكندرية هى المطلوبة. وتوالت الأحداث على الأقباط بتركيز شديد وخرجت بعض التصريحات تتحدث عن الأيدى الخارجية المتسببة فى الأحداث دون معلومة واحدة أو تفسير أو تحليل من السادة المنظرين. وفى الأيام الأخيرة قامت السفارة الأمريكية بتوزيع أوراق طلب هجرة على الكنائس وكان آخر ميعاد لتسليم الأوراق المطلوبة الأول من نوفمبر وسيتم إعلان النتائج النهائية فى أول مايو القادم. وكان عدد المتقدمين مليونى قبطى. والسفارة الآن تقدم كثيرا من التسهيلات فى حصول الأقباط على تأشيرة دخولها. وقد هاجر إلى الآن ومنذ مارس الماضى 16 ألفا إلى ولاية كاليفورنيا وعشرة آلاف إلى نيوجيرسى و8 آلاف إلى نيويورك و8 آلاف إلى باقى الولاياتالمتحدة و14 ألفا إلى أستراليا و9 آلاف إلى مونتريال بكندا و8 آلاف إلى تورنتو وحوالى 20 ألفا فى أنحاء أوروبا خصوصا فى هولندا وإيطاليا وإنجلترا والنمسا وألمانيا وفرنسا، ومن المتوقع أن يصل عدد المهاجرين حتى نهاية هذا العام إلى ربع المليون قبطى. ويصل العدد فى مايو القادم بعد إعلان السفارة الأمريكية نتيجة فحص طلبات الهجرة إلى مليونين ونصف المليون مهاجر قبطى. كارثة بكل المقاييس أن يحدث هذا فى مصر. كيف تعيش هذه الأمة دون جزء من شعبها من أجل أن يصل التيار الإسلامى إلى الحكم، فليذهب الجميع إلى الجحيم وتحديدا التيارات الإسلامية التى تفرغ مصر قطعة من جسدها الجميل، لكى لا يزايد عليهم من يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية المفصلة على هواهم. ألف لعنة ولعنة على كل التيارات الإسلامية السياسية التى لا تحمى إخوتهم الأقباط ليعيشوا على أرضهم فى أمان من كل خوف. نحن مقبلون على كارثة تزلزل الأمة المصرية، وما زلنا نتحدث عن التوافه من الأمور. والمخطط المكتوب عنه منذ ستينيات القرن الماضى نجح بتفوق مع أمة يقودها مجموعة من الجهلاء والانتهازيين. لكى الله يا مصر.