لا أبالغ فى القول إذا قلت إن جمهور الزمالك من عجائب هذا الزمان، فالقاعدة تقول إن الفريق الذى يخسر ولا يحرز بطولات ويفسد نجومه وتخور إداراته وتنهار مؤسسته تقل جماهيره وتنخفض شعبيته حتى ينقرض ويصير أطلالا لزمن فات وذكرى جميلة لأجيال ومشجعين ينتظرون الرحيل، إلا الزمالك كلما خسر زادت جماهيره! ومع كل أمل يولد محبون جدد ومشجعون متحمسون حتى العواجيز ومن شابوا على حب الزمالك عادت لهم الروح، وجرت فى عروقهم حماس الانتماء والولاء والدفاع عن الفانلة البيضاء. فى مباراة الزمالك والشرطة التى خسر فيها الزمالك، وعكنن كعادته على جماهيره فى العيد قام ما يقرب من 30 مشجعا باقتحام الملعب، حيث كانت تقام المباراة دون جمهور تنفيذا لعقوبة إشعال الجماهير للشماريخ فى مباراة سابقة، إلى هنا والخبر ليس فيه جديد، فالمشهد شاهدناه جميعا على شاشة التليفزيون، ولكن الجديد والغريب والعجيب والمذهل عمر المشجعين الذين تم القبض عليهم، حيث تتراوح أعمارهم من 14 إلى 18 عاما، ما يعنى أن أصغرهم كان عمره 7 سنوات وأكبرهم 11 عاما عندما فاز الزمالك بآخر بطولاته فى الدورى الممتاز، وهى سن صغيرة يتجه فيها الطفل بفطرته إلى الأقوى والأفضل والمنتصر والمبهج، ويصعب علينا القول بأنها وراثة، فالأب كان مكتوما، ملكوما، حزينا، مكتئبا، مهزوما فكيف له أن يورث ابنه حزنه ويتركه يشجع فريقا يخذل من يشجعه، هى بالفعل ظاهرة تحتاج إلى تفسير من علماء النفس والاجتماع، لماذا يتجه الطفل إلى تشجيع فريق الزمالك؟ ولماذا يهواه ويتطرف فى عشقه وكيف يحدث ذلك وهو لم ير معه يوما سعيدا، ولم يبت ليلة منتصرا، منتشيا، مزهوا، رافع الرأس أمام خصم أهلاوى لا يكل أو يمل من حصد البطولات والألقاب المحلية والإفريقية. لا شك لقد كانت مئوية الزمالك سيئة فى كل شىء: الإعداد، والتنظيم، والخناقات، والمشكلات التى أحاطت بها طوال العام والخسارات والهزائم التى لحقت بفريق الكرة، فكان لاعبو الزمالك هم الأسوأ فى تاريخ النادى، ولم يقدروا حجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم، نقطة النور الوحيدة وكشاف الأمل كانت جماهير الوايت نايتس، التى يتم ملاحقتها أمنيا وإعلاميا، ورغم ذلك أبدعت أجمل وأروع ما فى المئوية، ونجحت فى تحقيق إنجاز عالمى بين المشجعين فى أنحاء المعمورة، فاللوحة التى كتبوها خلال المباراة (الزمالك.. مدرسة الفن واللعب والهندسة) هى الأولى من نوعها فى العالم، حيث لم يسبق لجماهير أى ناد أو منتخب قبلهم أن كتبت لوحة بهذا الحجم على مساحة مدرجين بعدد 35 ألف مقعد، وكان التميز أنها (دبل فيس) أى لوحة بوجهين: الأول كتب عليه الزمالك، والثانى مدرسة الفن واللعب والهندسة، وهو أمر يحتاج تنفيذه إلى تنظيم عال ودقة مفرطة وإعداد مؤسسى وقيادة محترفة، فاللوحات الكبيرة مثل التى رأيناها فى مباراة الزمالك وأتليتكو مدريد لا يقدر على تنفيذها سوى تشكيلات نظامية مثل القوات المسلحة والشرطة، التى تملك الكتلة البشرية والوفرة المادية والقيادة المنظمة، وتتدرب أسابيع حتى تشكل لوحات بهذه الدقة، فكيف ينجح الوايت نايتس أو الألتراس الأهلاوى فى تنفيذ هذه اللوحات؟ وكيف ينجحون فى تنظيم هذه الكتل البشرية دون تدريب أو إعداد؟ وقد بحثت عن إجابة لهذا السؤال، فاكتشفت عبقرية وطاقة وخيال جبارة لهؤلاء الشباب، فى البداية يتم الحصول على رسم تفصيلى للمدرجات وتوزيع المقاعد داخل الاستاد من خلال «جوجل إيرث»، ويتم رسم اللوحة على برنامج الأوتوكاد، وهو برنامج للرسم والتصميم، وفيه يتم توزيع اللوحات المصنوعة من البلاستيك أو الورق الملون المقوى على المقاعد، ويقوم أعضاء الوايت نايتس بوضع اللوحات على المقاعد وفقا للرسم قبل المباراة، ويتم التنبيه على الجماهير لحظة دخولها المدرج الالتزام بإشارة قائد المدرج، حيث لكل إشارة لوحة، يتم رفعها والرفع يكون عند الوصول فى العد الجماعى إلى رقم خمسة، ويتوزع قادة الوايت نايتس على المدرج لإرشاد الجماهير، ودور القائد الذى نراه واقفا على السماعة فى الاستاد مهم جدا، فهو المايسترو والفنان الذى يقود هذه الأعداد الغفيرة، الأروع أن هذه اللوحة التى شاهدناها فى المباراة تكلفت 15 ألف جنيه مدفوعة من حر مال شباب الوايت نايتس. فعلا.. مليون برافو.