قبل أن تقرأ.. من أسبوعين تقريبا نشرتُ فى هذا المكان «صفحة» من مذكرات مواطن يعمل «على باب الله» لكنه يعيش على حلم وأمل أن تدركه «الفئوية» ذات يوم ويصبح بمقدوره الخروج للتظاهر مع إخوته «الفئويين» مطالبا بزيادة راتبه الشهرى التافه، إذ هو الآن لا يعرف يعنى إيه مرتب أصلا. وكانت ذروة الأحداث المحكية فى الورقة المنشورة، نصيحة مخلصة تلقاها أخونا المذكور من رفيق له فى الميكروباص خلاصتها أن يجرب مثله كسب الرزق من العمل «كبلطجى حر» فى مؤسسة «الانفلات الأمنى» العملاقة القائمة حاليا، ولأن سطور الورقة انتهت قبل أن نعرف ماذا فعل صاحبنا بهذه النصيحة، فإننى أستكمل اليوم بالورقة التالية: .. صباح هذا اليوم بدا لى رائعا أيضا، فرغم عودة الخبط والرزع والزعيق الذى نصحو وننام عليه فى حتتنا إلى مستواه الطبيعى مع استمرار الغياب الأبدى للعصافير المشقشقة أو حتى الخرساء، وكذلك موسيقى حفيف الشجر (سألت من قبل يعنى إيه شجر؟)ومع أن مراتى سعدية بقيت كدأبها تصرخ وتهتف وتزعق كلما فتحت بقها (المرة اليتيمة التى ناجتنى وقالت لى «بحبك يا سيد» خُفت الناس تتلم علينا وتفتكرنى باضربها) ورغم الأجواء اللزجة الخانقة المعجونة بزن وطنين جيوش الدبان (أى الذباب) فالصباح كان رائعا فعلا، على الأقل لأن سعدية أفاضت فى الكرم فنفحتى مع كوباية الشاى، حتة الجبنة القريش الباقية من ليلة أمس. وما دمنا وصلنا لليلة أمس، فقد كانت ليلة ليلاء بحق، صحيح ماكانتش «ليلاء» قوى.. لكن لدواعى السفر والحكى الأدبى لا بد من «الليلاء» تلك التى بدأت باستقبال الست سعدية لحضرتى بوصلة زعيق وصوات حيّانى غطى تماما على فرقعات وصرخات فضيلة الشيخ السلفى فى ميكروفون الجامع.. فيه إيه يا ولية فهّمينى، حد مات لك؟! هكذا هتفت مذعورا فردت قائلة: ابنك تامر يا فالح.. ابنى.. ابنى مات؟! بعد الشر يا اخويا.. تف من بقك، ماتبشّرش ع الواد.. أمال ماله.. إيه اللى حصل.. بتصوتى ليه؟! الواد اتسرق.. اتخطف يعنى.. طيب والبهايم اللى خطفوه دول ح يأكلوه منين؟! يا راجل باقولك سرقوه.. سرقوا فلوسه.. كده.. ألف مبروك.. مبروك على إيه يا راجل يا مجنون.. مش بتقولى ابنك كان معاه فلوس واتسرقت.. كويس، بقينا من الناس اللى مع عيالهم فلوس بتتسرق. يا راجل دول التلاتين جنيه بتوع الدرس.. الواد كان ماشى فى الشارع رايح مركز الدروس طلع عليه واحد ابن حرام بمطوة وسرقهم منه وضربه. وضربه ليه.. مش خد التلاتين جنيه؟! كان عايز ياخد النيلة الموبايل.. وهو تامر معاه موبايل كمان؟! يا راجل ما تستعبطش.. هو إحنا لاقيين ناكل عشان نجيب موبايل.. الحرامى ضربه عشان ماكانش مصدّق إن الواد مامعهوش موبايل.. طيب وعايزانى أعمل إيه دلوقتى.. أجيبله موبايل عشان لما الحرامى يقابله تانى ما يضربوش؟! آه يا غلبى.. بقول لك فلوس الدرس بتاعة الواد اتسرقت وانت قاعد تهرج.. يا راجل اتصرف.. أعمل إيه؟! ما انتى إمبارح رفضتى بإباء وشمم اقتراح الراجل الطيب اللى قال لى أشتغل معاه فى «الانفلات الأمنى».. لا يا اخويا، إنت لما قلت لى الأول على حكاية شركة الانفلات الأمنى دى وافقت وشجعتك وقلت لك على بركة الله يا ابو تامر، بس إنت اللى رجعت فى كلامك وقلت إنك ح تشتغل بلطجى وحرامى وحاجات من دى.. يا ولية، ما هيّه دى شغلانة الانفلات الأمنى.. زى الحرامى اللى سرق ابنك. يعنى عايز تفهّمنى إن الشركة المحترمة دى بتشغّل الناس حرامية؟! أيوه.. عاجبك ولّا مش عاجبك؟! لا يا اخويا ربنا يكفينا شر الحرام.. بس لازم تتصرف وتجيب فلوس الدرس بتاعة الواد.. أجيبهم إزاى وانتى مش عايزانى أشتغل فى الانفلات؟! بلا انفلات بلا زفت، اشتغل سلفى أحسن.. يعنى إيه أشتغل سلفى يا ولية؟! يعنى تنزل دلوقتى تدور على حد تستلف منه التلاتين جنيه بتوع درس الواد..