واضح أنه لن يتحقق أى مطالب للثورة إلا بأحكام القضاء.. والقضاء الإدارى خصوصا. فقد جرى حل الحزب الوطنى الفاسد بحكم قضائى من المحكمة الإدارية العليا، وحل المجالس المحلية كذلك بحكم قضائى، واستعادة ثلاث من شركات القطاع العام «غزل شبين، وطنطا للكتان، والمراجل البخارية» بناء على دعاوى قضائية أقامها شخصيات وطنية رأت موقفا مخزيا من الحكومة والمجلس العسكرى فى استعادة حقوق المواطنين بعد الثورة العظيمة التى خرج فيها الشعب ضد الفساد والاستبداد والطغيان، ولو كان المجلس العسكرى أو الحكومة التابعة -التى لم تثبت حتى الآن أنها تمثل الثورة وليست على قدر طموح من قاموا بها، وسالت فيها دماء ألف شهيد على أرض الوطن فى ميادين مصر و6 آلاف جريح- اهتما بأهداف الثورة لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من فوضى وإهمال وانتشار البلطجة واستمرار الانفلات الأمنى وضياع هيبة الدولة ومحاولة جر المجتمع إلى الخلف بدلا من البناء والدفع بها إلى الأمام. وها هو حكم قضائى جديد بمنع فلول الحزب الوطنى وأعضائه من خوض الانتخابات البرلمانية لمشاركتهم فى إفساد الحياة السياسية عبر ثلاثين عاما من حكم مبارك، وهو حكم تاريخى يثبت بلا شك فشل سياسات المجلس العسكرى الذى ما زال يقول إنه حمى الثورة ووعد بتنفيذ أهدافها ومتطلباتها، وكذلك فشل للحكومة التنفيذية التى كان يطمح الناس فى أن تكون معبرة عن أهدافهم، ورفعوا عصام شرف إلى عنان السماء فى مشهد أسطورى ربما لن يتكرر، عندما جاء به الثوار بدلا من الفريق أحمد شفيق الذى كان يتمسك به المجلس العسكرى حتى آخر لحظة ورفعوه وأيّدوه ونصّبوه رئيسا لوزارة حكومة الثورة من ميدان التحرير لكنه خذلهم وأصبح رئيسا لحكومة المجلس العسكرى وحرص على أن يكون بين وزرائه فلول من الحزب الوطنى الفاسد «المنحل» أو حتى من فلول حزب الوفد الذى لم يختلف أبدا عن الحزب الوطنى، ولعل نموذجه الواضح الدكتور على السلمى الذى يسيطر على ملف ما يسمى بالحوار الديمقراطى. هل لو كان جرى تنفيذ حكم حل الحزب الوطنى بتداعياته من عزل الفاسدين سياسيا ألم يكن يعفى المجلس العسكرى والحكومة واللجنة العليا للانتخابات بل والأحزاب التى وضعت على قوائمها مرشحين من فلول الحزب الوطنى من الحرج؟ ولكن لم يحدث شىء رغم الكلام الكثير عن إصدار قانون العزل، من الحكومة مرة ومن المجلس العسكرى مرة أخرى، وتاه مشروع القانون بين وزارة العدل والوزير عبد العزيز الجندى واللجنة التشريعية بمجلس الوزراء والمجلس العسكرى. ويأتى الحكم التاريخى الصادر عن محكمة القضاء الإدارى مكملا لحكم المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطنى الفاسد ليصلح ما لا يريد الذين يحكمون البلاد إصلاحه وليطبق أهداف الثورة التى يعطلها الذين يديرون شؤون البلاد ويتحكمون فيها الآن. فها هو الحكم يصف أعضاء الحزب الوطنى المنحل الذى رعوا الفساد فى البلاد عبر ثلاثين عاما من حكم مبارك المخلوع «بأنهم أهدروا الحقوق والحريات وقوضوا دعائم الديمقراطية فى البلاد وقاموا بتزوير إرادة الشعب فى جميع انتخابات المجالس النيابية طوال ثلاثين عاما ومنعوا مَن عداهم من أفراد الشعب من الترشح لعضوية هذه المجالس واحتكروا لأنفسهم زورًا وبهتانا صفة تمثيل الشعب فيها.. ليس لهم أن يطالبوا بحقوق طالما حرموا الشعب منها بل عليهم أن يذوقوا ذات الحرمان لفترة مؤقتة ولحين تطهر المجتمع من أفعالهم فلا يأمل فى العدالة مَن أتى يطلبها ويداه ملوثتان». هكذا يعبر هذا الحكم بحيثياته عن مطالب أصحاب الثورة، وجاء من القضاء بعد أن خذلهم الذين يديرون شؤون البلاد ويتحكمون فيها. .. ويا أيها الذين فى الحكومة والمجلس العسكرى وتحكمون البلاد، هذا حكم قضائى واجب النفاذ، وأعفاكم من إحراجكم ولوعِكم فى إدار قانون العزل السياسى، فلا التفاف عليه كما كان يفعل النظام المخلوع وترزية قوانينه.. فاحترموا الشعب الذى قام بثورة عظيمة والذى منحكم الثقة ولكن للأسف خذلتموه