كان أول معرفتى بها عندما رأيتها على شاشة التليفزيون تتحدث، وكان حديثها عالى الصوت مملوءا بالصدق فى المشاعر التى كانت منتشرة فى الأيام الجميلة أيام ثورتنا العظيمة ثورة 25 يناير... كانت كلماتها صافية منسابة تنم عن مناضلة سياسية كبيرة، تتحدث بكل صدق ووعى وعرفت من حوارها أن تلك السيدة المحترمة هى المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، ومع نسمات الثورة فى كل مكان فى تلك الأيام كانت تنطلق عبر وسائل الإعلام عالية الصوت مدافعة عن الثورة معلنة حبها العظيم لمصر مؤمنة إيمانا عميقا بأن مصر العظيمة تعيش أياما عظيمة وهى أيام الثورة، وعندما سمعتها وهى تؤكد على الهواء مباشرة أن مهزلة انسحاب الأمن أيام الثورة، لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تمر مرور الكرام وقالت إنه سوف يأتى اليوم الذى يحاكم فيه هؤلاء الأشاوس الذين تركوا عملهم وذهبوا إلى بيوتهم مرعوبين من الثورة ورجالها وتساءلت: كيف لسيدة أن تقول مثل هذا الكلام؟! من أين أتت بتلك القوة العظيمة التى جعلتها تتحدى النظام وقت أن كان الجميع يخافه ويهابه؟! لم يسقط النظام وظل صوت المستشارة تهانى الجبالى يعلو ضد الفساد منادية بمحاكمة الفاسدين. تتبعتها كثيرا من خلال وسائل الإعلام المختلفة لأجد نفسى أمام سيدة مصرية عظيمة قوية تمتلك من الرؤية الثاقبة التى تجعلها تنظر إلى مشكلات بلدها بشكل مختلف عن الآخرين، تمتلك من الروح الثورية الكثير الذى يفتقده رجال كثيرون فى مصر «بشنبات» مؤمنة إيمانا لا يحتاج إلى زعزعة بأهمية مصر وعظمتها وقدرتها على الخروج من مأزق نظام مبارك، مؤمنة بأن الشعب المصرى شعب صبور، لكنه يخزّن بداخله الكثير لكن عندما يخرج لا يستطيع أحد أن يرده، كانت مؤمنة بأن الحل قادم لا محالة وأن الثورة سوف تنتصر وأن شبابها العظيم قادر على الخروج من منظومة مبارك، وذلك من خلال عالمه الخاص وآليات عصره، كانت تثق ثقة كاملة فى جرأة هذا الشباب وقدرتهم على الاحتشاد فى الشارع، وتردد دائما أن الحالة الثورية فى مصر قائمة منذ فترة طويلة مع تردى الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. هذه السيدة التى فى رأيى بألف رجل ومع وجود ثوار يناير داخل ميدان التحرير كانت تهاجم النخبة وتؤكد أنهم فى حالة غياب عن الناس ولم يستطيعوا أن يلتقطوا الحالة الثورية التى تعيش فيها مصر، وعلا صوتها وهى تؤكد أن الشعب المصرى أكثر نضجا من نخبته وقادر على أن يتصدر المشهد الثورى ليقود التطهير فى مصر. تهانى الجبالى خرج أحفادها إلى ميدان التحرير ليرتفع صوتهم مع الملايين من ثوار مصر ضد الظلم والفساد، ودائما تطالب الآباء والأمهات بأن ينظروا إلى أبنائهم نظره أخرى، وتؤكد أن الوقوف إلى جوار الجيل الجديد مهمة، لا بد أن يقدمها الآباء والأمهات إليهم وأن هذا الجيل جيل يتسلح بالعلم ويتفهم دوره ويملك رؤية مستقبله، أكثر حلما من الكبار. رأيتها بعينى فى المؤتمر الأول الذى أقيم تحت اسم «مصر أولا» والذى دعا إليه الدكتور ممدوح حمزة، كانت تقف أمام الآلاف من رجال مصر ونسائها وشبابها تعلن انحيازها الواضح إلى الثورة والثوار وإلى مطالبهم، وما رأيته من احترام لها وتصفيق شديد عندما قدمها رجل القانون الدكتور حسام عيسى يدل دلالة كاملة على أن الشعب المصرى العظيم الذى آمنت به تهانى الجبالى يقدر دورها جيدا ويعى أن مصر بها الكثير من النساء القادرات على تبوؤ المناصب الكبرى. ذهبت تهانى الجبالى وقت الثورة إلى أعضاء المحكمة الدستورية العليا من القضاة لتقول لهم كلمة يعجز الكثير من الرجال عن قولها، خصوصا فى أيام المحن، قالت لهم دون مواربة «لا بد أن نعلن موقفنا اليوم ولا بد أن نكون مع الناس فى الميدان وأن ننتهز تلك اللحظات التاريخية» تلك الصفات لا بد أن نحترمها ونقدرها ونقدم لها التحية والإجلال وبخاصة عندما نعلم تاريخ تلك السيدة العظيمة فى كونها محامية كبيرة ومناضلة سياسية ناصرية محترمة. من أهم ما تطرحه تلك السيدة المحترمة أنها كانت مع فكرة «الدستور أولا» وترى أن ما حدث فى مصر هو أشبه بوضع العربة أمام الحصان عندما لم نقر الدستور وقررنا انتخاب المؤسسات بلا دستور، فأصبح هناك شكل من أشكال الإرباك للمرحلة الانتقالية، وترى أنه لا بد أن يكون هناك دستور قبل أى شىء آخر، لأن الدستور هو الذى يحدد نظام الحكم وصلاحيات رئيس الجمهورية، ترى القاضية المحترمة التى لا بد أن نتفحص ونستمع إلى ما تقوله جيدا، أن نبدأ بالدستور لا بمؤسسات الدولة، وتشير إلى أن هناك بعض القوى السياسية شعر أن المرحلة تحتمل أن نصيبها سيكون الأكبر فتصرفت على أساس تغليب السياسة على حساب المصلحة الوطنية. ولا تفاجئنا المستشارة تهانى الجبالى عندما تقول إن كل ذلك مقدمة ل«ثورة جديدة». تحية إلى تلك السيدة العظيمة التى كانت طوال مشوار حياتها فى صف المعارضة السياسية وظلت طوال حياتها تقدم لنا المثل المحترم للسيدة المصرية الواعية القادرة على فهم هموم بلدها وتمتلك من الحلول الكثير لها، ألم أقل لكم إنها سيدة بألف رجل؟!