زعماء الثورة الفرنسية: دانتون، روبسبيير، مارا.. المهاتما غاندى، سعد زغلول، عمر المختار، نيلسون مانديلا، الإمام الخمينى.. كلهم ثوار وزعماء وقادة، كانوا ملء السمع والبصر، لكنهم يوما لم يفكروا فى أن يكونوا ملء السمع والبصر، وإنما عاشوا وكرسوا حياتهم لفكرة.. لأمل.. لحلم.. ولأنهم أخلصوا للفكرة وعاشوا يحلمون بها.. وآمنوا وصدقوا فى إيمانهم، فصدقتهم الجماهير وآمنت بالفكرة، وتطلعت إلى الحلم وتعلقت بالأمل، وحامل الأمل، فكانوا القاعدة والعظماء والزعماء بحق. فرق كبير بين أن تحملك الفكرة لتضعك «أنت» تحت الأضواء، وبين أن تحمل «أنت» الفكرة، لتبذرها فى قلب الجماهير، فتنمو وتنتشر وتترعرع، ولكى تنمو الفكرة وتنتشر وتترعرع فى وسط الجماهير، وفى ربوع البلاد، فإنها تحتاج ساعات وأيامًا وسنوات من العمل الدؤوب المخلص، ونكران الذات، والقدرة على الإقناع والحوار والتبليغ، فها هنا وسط الناس تتكون القدوة وتلتف الجماهير حول القدوة، والفكرة، وحامل الفكرة الذى آمنت بها وبه. الفرق كبير بين أن تقف متحدثا مبلغا وسط الناس فى الشوارع والميادين، فتأتى إليك الكاميرات وقد لا تأتى.. لا يهم، وبين أن تذهب أنت ساعيا إلى الكاميرات فى الاستوديو تحت الأضواء. القائد مكانه بين الناس فى الشوارع والميادين تحت الشمس وفى برد الليل وتراب الشوارع.. ومن يتكلم كثيرا يُسمع قليلا.. ومن يتكلم قليلا يُسمع كثيرا. الزعيم القائد الحقيقى، هو الذى يحدد الهدف، يملك الشجاعة والحكمة ويواجه الطغاة، لا يساوم، لا يباع ولا يشترى، يقول الكلام المناسب فى الوقت المناسب، يؤلف القلوب، ويوحد الصفوف، ويبعث الأمل فى النفوس، يقرأ التاريخ ويضع عينه على المستقبل. حتى الآن وبعد مضى ما يقرب من نصف العام على نجاح الثورة المصرية لم يظهر فى الأفق كيان ثورى يأخذ الشرعية، ويقود الجماهير، ويكسب ثقتها، ورغم ذلك عندما تنادى الجماهير تنزل وتتدفق على الميادين بالآلاف. بحت الأصوات، وهى تصرخ وتنادى بالتطهير، والتغيير والعدل، والمساواة فى كل جمعة يهتفون بنفس الشعارات، يحدوهم الأمل فى ذلك الغد المشرق، لكى تستقر البلد على بر الأمان.. الجماهير تعرف جيدا أهداف الثورة وتحدد مطالبها، ونحن نختلف وننشق ويشكك بعضنا فى البعض الآخر.. هم يفهمون ويعرفون ويسخرون منا، وفى زخم التدفق الجماهيرى تولد عبارات عبقرية: «ما راح يخربها إلا نخبها».. لا تستهينوا بحكمة الشعب: «ما راح يخربها إلا نخبها».. فكروا فى هذا.. تأملوا اقرؤوا المشهد واستشعروا الخطر. هذه مصر يتربص بها الأعداء ويكيدون لها، أعداء الداخل وأعداء الخارج. هذه مصر الجريحة ملقاة على قارعة الطريق، تنزف وتناديكم، وتستغيث بكم، وأنتم تتعاركون وتمزقون ثيابكم، والإعلام التجارى المأجور يشعل النار ويؤجهها ويمارس عليكم الخداع بأنكم القادة والزعماء، وأنتم ويا للأسى تصدقون. مصر ليست غنيمة سهلة لكل طامع. من أرادها بسوء قصمه الله .