هل تصدق الروايات المهربة من مزرعة طرة؟ الروايات تحكى عن شعور بالشماتة كبير بعد مذبحة ماسبيرو.. ابتسامات وضحكات وكلمة واحدة تتردد «خليهم يشوفوا..». الشامتون طبعا هم سكان المزرعة من نجوم نظام مبارك ومفاتيحه وعائلته. يجمعهم شىء واحد: أنهم واقفون على الحافة بين الإنقاذ والنهاية. ينتظرون مصيرهم مما يمكن أن نسميه: الجو العام أو المزاج الاجتماعى. هم فى برزخ سياسى، ينتظرون العفو أو الانتقام، وهذا ما يجعلهم يشعرون بالقلق الكبير بعد كل حكم قضائى ضد أحدهم. هم شخصيات درامية، طهاة ورماة وأبناء فى عائلة راحت ضحية وعيها المزيف بامتلاك البلد، وبات ما يفعلونه هو القانون ولا قانون فوقهم وهذا ما جعلهم يمارسون كل الجرائم بإحساس الأولاد الطيبين، المؤدبين، الذين يساعدون الأب مندوب العناية الإلهية لإنقاذ البلد. سوزان مبارك قالت لجيهان السادات بعد الثورة: هى دى مكافأة خدمة الشعب. وهذا هو الوعى المزيف الذى يبرر الجريمة، خصوصا أن الجانى هو الحكم، ولا يتخيل أبدا أنه سيبعد عن كرسى الحكم، فيبدو فقط فى صورة المجرم. سكان المزرعة يعيشون أيامهم بين الشماتة والرعب. هل لديهم أمل؟ سكان المزرعة أصبحوا تقريبا بلا فاعلية، وأزيحوا تماما من معادلة الحكم، لأنهم رموز، وليسوا مجرد تروس عادية فى ماكينته. لكن ما زال لديهم أمل؟ لماذا؟ لأن غريزتهم تكتشف أن قلب النظام لم يتغير، وماكينته ما زالت تتحرك بنفس الترس الكبير من السلطوية. الماكينة كما هى ولم يسمح لأحد بالوصول إلى قرصها الفعال، وهذا ما يمنح الأمل الكاذب لسكان المزرعة الذين لم يدركوا بعد أن ما يحدث فى مصر هو حصاد أيامهم المريرة، بداية من البلطجة، إلى انفجار التطرف السلفى والطائفى، مرورا طبعا بتوقف مسارات الاقتصاد بعد توقف رأسمالية الحبايب والمحاسيب كما يسميها الدكتور محمود عبد الفضيل، التى كانت تحكم وتتحكم فى تدفق الأموال. الحصاد المر، لم تنتبه إليه إدارة المرحلة الانتقالية، لأن ما همَّها هو القلب السلطوى، والحفاظ على مشاعر الشعب بالولاء لها، وعزل الثورة عن التأثير. لم تلتفت الإدارة الانتقالية إلى أنها تقود مصر إلى كارثة بتركيزها على ضرب الحريات بينما كل الأمراض التى تركها مبارك تسرى فى الجسد. لم تحصن إدارة المرحلة الانتقالية الدولة من بكتيريا الفساد والاستبداد، وكان تركيزها الكبير على تحويل إرادة الثورة إلى مطالب، وحصار الحريات بحجة أننا فى ظرف استثنائى، بمعنى بسيط أدار المجلس العسكرى البلاد بروح الانقلاب العسكرى، رغم أنها ثورة. والفرق كبير بين الانقلاب والثورة، الانقلاب يحافظ على روح النظام بينما يغير رأسه. والثورة عملية تغيير شامل وقطيعة مع قلب النظام وعقليته السلطوية. وهكذا انتهت الحال إلى مشاعر بالفشل تلو الفشل وشماتة سكان طرة رغم كذب أملهم، وشعور عمومى باقتراب كارثة وبأن كل خطوة تبعدنا عن الاستقرار لا تقربنا منه. المجلس مشغول بتوسيع شعبيته، على حساب الثورة والثوار، وهى شعبية باهظة الثمن، ستلزمه بتلبية مطالب لا يمكنه تلبيتها حتى لو هدأت وتيرة الاحتجاجات وعادت الثورة لتنام بجوار حزب الكنبة.