البلد كلها إيديها على قلوبها، أطفال يرددون يا رب يا رب، وأمهات يحذرن: «يا ابنى الكورة مش هتنفعك، بالراحة على نفسك». السلام الوطنى بدأ يعزف والكل قشعر. المباراة فعلا مهمة وبيننا وبين المنتخب الأجنبى ثأر مبيت. بعد ثلاث دقائق. واحد/صفر للمنتخب الأجنبى. بعد ربع ساعة، اثنان. ثم ثلاثة. فيه حاجة غلط. ثلاثة لاعبين يصرخون فى زملائهم ويركضون خلف الكرة كالمجانين، الباقون ولا كأنهم موجودون. أحد الثلاثة ركض إلى الكاميرا وبدأ يصرخ: «منتخبنا بيتباع، البلد بتتباع». الصورة أظلمت والصوت انقطع. الأب وابنه نظرا إلى بعضهما واجمين. الصورة والصوت عادا. لم يعد اللاعب موجودا. استبدل به لاعب «مخسع» مثل الباقين. الابن (واقفا): «دى خيانة! فيه حاجة مش مظبوطة فى الماتش ده». الأب (جالسا على الكنبة): «والله يا ابنى عندك حق. الولد ده هزنى. خلى جسمى قشعر. بس إن شاء الله، ينصلح الحال». الابن: «يا بابا ركز شوية. اللعيبة مش بتلعب والمدرب سايبهم فى الملعب ورايح يطلع أكتر واحد عامل مجهود». الأب: «يا ابنى اقعد واستهدى بالله، المسؤولية على المدرب كبيرة. أكيد بين الشوطين هيغير». اللاعبان المتبقيان من الثلاثة «اللى فيهم الرمق» سقطا على الأرض وطلبا التبديل. الشوط الأول انتهى بثلاثة أهداف مقابل لا شىء. الكابتن أحمد صليب مدرب الفريق، خرج بين الشوطين، على ثلاث محطات تليفزيونية، يقول إن اللاعب الذى خاطب الكاميرا فى الشوط الأول استبعد تماما من المنتخب. وإنه مع اللاعبين اللذين سقطا من الإعياء سوف يحالون إلى لجنة تأديبية، لأنهم عملاء، باعوا المباراة لفريق الجبل الأسود. الابن: «الراجل دا اتجنن ولا إيه؟ بدل ما يستغل الاستراحة فى تعديل الخطة مع اللعيبة طالع يكلم الجمهور! وبعدين فريق الجبل الأسود دا حتى مش معانا فى التصفيات. هو فيه إيه؟». الأب: «والله كلام الكابتن أحمد صليب خلى جسمى قشعر. انت لسه صغير ماتعرفش حاجة. الجبل الأسود دا ممكن يكون وسيط. لأن لونه أسود ومش بيبان فى الضلمة. والصفقات دى زى ما انت عارف بتحصل فى الضلمة. بتحصل فى الضلمة ولّا لأ؟». الابن: «ضلمة إيه ونور إيه؟ هو احنا مالناش عينين نشوف؟! دول التلاتة اللى كانوا بيلعبوا ومحروقين ع البلد. إنت مش لسه كنت بتقول لى أكيد هيحصل تغيير، وإن جسمك قشعر من كلام اللعيب؟». الأب: «أيوه. والكابتن كمان متفق معانا إن الماتش اتباع. وأهو كشف مين اللى باعوه وهيعملوا تغيير. فيه صفقات كتير فى عالم الكورة، سنة 1897 منتخب فرنسا باع مباراة الجزاير (تحت الاحتلال) لمنتخب ألمانيا، خوفا من الصعود النازى، إلى الدور التانى. وفى بداية القرن العشرين، بعد ما النازى ضحك عليهم وصعد بالأسانسير، منتخب فرنسا باع بلده وفوت الماتش. فيشى. تعرف حكومة فيشى؟ وثورة عرابى، ودنشواى، والثلاثى. تاريخ. اقروا التاريخ. خلينا نتابع كلام الكابتن، تابع، تابع. والله ما عارف اتلم على جتتى». كابتن أحمد صليب على التليفزيون: «بدل التحقيق وتضييع الوقت، واحنا فى عرض دقيقة، أهيب بالجماهير الذهاب فورا إلى مبنى إعلام (ج) التابع للاستاد. هتلاقوا اللعيبة التلاتة بيحاولوا يعملوا مؤتمر صحفى، وبيحاولوا ينشروا الإشاعات اللى بدؤوها فى أول المباراة علشان يسهلوا للفريق الأجنبى هزيمتنا هزيمة نكراء. روحوا لهم، وجبوا معاهم، علشان ربنا يكرمنا ونعوض الخسارة فى الشوط الثانى. يلا. المنتخب هيضيع». الأب: «شفت ولاد الكلب؟ مش قلت لك من الأول؟ أهو الكابتن موافق معانا إنه فيه خيانة وهيغيروا. أيوه كده يا مصر. أيوه كده يا مصر. يسقط يسقط الاستعمار». الابن: «صحيح، فيه خيانة. وفيه غباء. والاتنين أخطر من بعض. يسقط يسقط الاستحمار».