منذ بدء نشر أعمدة الفساد، امتلأ البريد الإلكتروني كالمعتاد، كما لو أن شعب مصر كله ما زال يعاني من الفساد، في كل المجالات، وحتى المجال الرياضي، فقد وصلت إلى بريدي كومة من المستندات، تخص قضية فساد رياضي، لعلها تثير شهية الزملاء، في القسم الرياضي، ودون ذكر الأسماء، فالقضية بكل مستنداتها، التي تفوح منها رائحة فساد تزكم الأنوف، تخص القرية الأوليمبية، وأكاديمية الفتى العربي، وعمليات تحايل واحتيال وتربح، واستيلاء على مال عام وخاص، وتحتاج إلى فتح ملف التحقيق فيها، وفي الفساد الرياضي بشكل عام، فهو بوتقة غير واضحة المعالم، يمرح فيها الفساد بلا حساب، وأعتقد أن محاولة محاربته، ستكون أشبه بمعركة طاحنة، نظرا لتوغله، وللملايين التي يدرها على عصابات الفساد فيه، التي صارت أشبه بتجارة البشر، ولكن من منظور رياضي احترافي، خلق وحوشا رياضية، لم يعد يجدي معها الترويض، ولم يتبق إلا صيدها، ووضعها في أقفاص طرة. الواقع أن انتشار الفساد في المجتمع ناتج طبيعي للانفلات الحادث فيه منذ ستة عقود تقريبا، وقتما تم تنحية الدستور والقانون جانبا، وعاد عصر المماليك، الذين يمتلك كل منهم إقطاعية، يعيث فيها الفساد كيفما شاء، دون ضابط أو رابط، وتحت حماية ورعاية وتأمين الباشاوات الكبار، الذين سعوا لنشر الفساد بين العباد، حتى لا يسألهم أحد عن فسادهم، أو يحاسبهم عليه، وتصور أن عصا الثورة السحرية ستقضي على الفساد في خمسة أيام بلا معلم، لهو درب من الجهل بالحياة، فمن السهل أن تهدم، ومن الصعب أن تعيد البناء، والجهاز الإداري للدولة كله بني على فساد، وصار فساده أشبه بورم سرطاني متوحش، ينهش في الجسد بلا رحمة، والأسوأ أن الجسد نفسه اعتاد ذلك الورم السرطاني، وتعايش معه، فصار من العسير اقتلاع أحدهما من الآخر، وفي الوقت نفسه، فالفاسدون في الجهاز الإداري رتبوا حياتهم على إيراد الفساد، وصار تخليهم عنه أشبه بالانتحار، لذا فهم سيتشبثون به، سواء قامت ثورة، أو حتى ألف ثورة، ولا يوجد سبيل لمقاومة هذا، سوى إنشاء جهاز تحريات خاص بمكافحة الفساد، يستخدم التكنولوجيا المتطورة، في رصد الفساد وتسجيله ومكافحته، وتوقيع أقصى العقوبات عليه، لأنه من أسوأ تداعيات انتشار واستمرار الفساد أن من يمارسونه لا يرون أنه فساد، بل حقوق، ينتزعونها بأنفسهم، دون المبالاة بمعاناة الآخرين، حتى إنهم صاروا يطالبون به في وقاحة وعلانية ولا مبالاة. فالثورة ليست القضاء على رؤوس نظام فاسد فحسب، بل إيجاد آليات لمنع أذناب الفساد من العبث بالوطن والمواطن. هذه هي الثورة الحقيقية.