يرتع الفساد ويسود في أجواء القهر والطغيان ولاينمو في مناخ العدالة والحرية لأن هناك من يراقب ويحاسب في الأرض والسماء ، المسألة والمعضلة ليست في التخلص من الفاسدين ولكن من منظومة الفساد التي تجذرت وتعمقت ووصلت حتي النخاع ، لم تكن فقط في قمة الجبل ولكنها كانت عند السفح أيضا ففي كل مكان يحل فيه الفساد ضيفا يتحول لصاحب بيت يتحكم في كل من حوله ، وهو مثل الثمرة المعطوبة التي تصيب باقي الثمار وتحولها لشيء تعافه النفس !! تلاعب النظام السابق بمصير الأمة وبمقدرات الوطن الذي تحول لعزبة يرتع فيها الفاسدون وحاشيتهم في الداخل وصارت علاقات مصر بمن حولها ضمن صفقات النظام ودوائر المستفيدين بوجوده واستمراره (الغاز والبترول والكويز وبيع الأراضي والمصانع والشركات للمستثمرين العرب والأجانب )، أصبح الفساد هو القاعدة والاستثناء أن تنجح أعمالك دون المرور عبر بوابة الرشاوي ورضا النظام والصفقات المشبوهة وشراء الذمم الخربة وغيرها من روائح الفساد الكريهة التي تزكم الأنوف !! غابت قطط الرقابة فلعبت فئران الفساد وسنت القوانين لخدمة أصحاب رؤوس الأموال الذين تضخمت ثرواتهم بطرق وأساليب مشبوهة وحتي الشرفاء من رجال الأعمال الذين اختاروا ألا يمضوا عبر بوابات الفساد اضطروا لاستخدام بعض الآليات والأدوات غير المشروعة لأن في طرقهم كان يقف الفاسدون في المحليات والأجهزة التنفيذية الذين يريدون تقاسم الكعكة معهم وإلا تعثرت مشاريعهم وضاعت أموالهم ، ولأن السمكة تفسد من رأسها كما يقول المثل الصيني فالفساد السياسي هو سبب مباشر لكل الأنواع الأخري التي سادت في العهد السابق لأنه قاد لفساد تشريعي وتنفيذي واقتصادي وأخلاقي وإعلامي ! سادت الشللية والمحسوبية والرشاوي وضياع القيم من الموظف الصغير ودرج مكتبه المفتوح وصولا للقيادات الفاسدة خلف الأبواب المغلقة التي تضخمت ثرواتهم ولم يسألهم أحد عن مصادرها وعندما يفسد الكبير فكيف ومن يحاسب الصغيرعما يفعله ؟! سعار الماديات كان هو شعار هذا العهد، الكثيرون يريدون امتلاك كل شيء بغض النظر عن الوسيلة إلا من رحم ربي ، اتسعت مساحة الفساد لحساب القلة علي حساب باقي الشعب وصارت كالأورام حيث تنمو الخلايا الخبيثة علي حساب السليمة . والتساؤل الذي يطرح نفسه الآن كيف نتخلص ونخرج من هذه الدائرة الجهنمية التي صنعها الفساد والفاسدون ؟ الإجابة هي في تطهير البلاد من الفاسدين كخطوة أولي بالعقاب الذي يستحقونه جزاء ماصنعته أيديهم واسترداد مااستولوا عليه من أموال الشعب ثم الأهم معالجة أسباب الفساد وسد الثغرات التي نفذ منها والتعريف الدقيق للمال العام والخاص وحدود وحرمة كل منهما من خلال تعديل وتنقية القوانين إلي وضع العديد منها لخدمة الفاسدين ولكن قبل ذلك كله لابد من القضاء علي الفساد السياسي الراعي الرسمي لكل الأنواع الأخري عبر فتح نوافذ الحرية للشعب وصولا لأن تكون الكلمة الأولي له في تقرير من يمثله ويحكمه، ومن ثم يحاسبه ويعزله إن أخطأ ، فرقابة الجماهير وعدالة القوانين هي الحائط الذي يحول دون تسلط الحاكم واستبداده وعندما يشعر بأنه مراقب من شعبه فإنه لن يستطيع فتح نوافذ أو أبواب للفساد لكي ينمو وينتشر ، من هنا يأتي دور أجهزة الرقابة والمحاسبة القادرة علي التصدي للفساد بكل صوره. ومن المهم القول بأن منظومة الفساد التي سادت في العهد السابق تركت آثارها في الكثير من أبناء هذا الشعب رغم تصدي البعض لها وهو مانطلق عليه الفساد الأخلاقي أو القيمي ومن هنا فإن علي وسائل الإعلام ومناهج التعليم العودة لدورها في التركيز علي القيم السماوية الأصيلة التي تميز مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، لنعلم أولادنا ونتعلم نحن أيضا أن الفساد أسرع الطرق لانهيارالأمم وخراب البلدان وأن الله لايحب الفساد والمفسدين. مشكلة النظام السابق أن فساده وصل إلي مرحلة أتاح مساحة واسعة للفاسدين وخنق مساحات الحرية المتاحة لهذا الشعب فلم يعد قادرا علي الحياة الطبيعية لإحساسه بأن هذا البلد لم يعد بلده وصار فريسة لقلة من البشر وفقد الإحساس بالحرية والأمن فكان لابد أن يثأر لكرامته فكانت الثورة التي لابد أن تمضي في طريقها لتطهير البلاد ممن أجرموا في حقنا ونهبوا مقدراتنا وجاء الفجر ليأتي معه صباح جديد لهذه الأمة وهذا البلد ولكن لن يتغير حالنا مالم نغير ما بأنفسنا.