مع اليوم الأول لفتح باب الترشح لانتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير، لم يعلن ائتلاف شباب الثورة حتى الآن عن قائمته الانتخابية التى سبق أن أعلن عن نيته تشكيلها فى مؤتمر صحفى، التى كانت من المتوقع أن تضم ما يقرب من مئتى مرشح شاب على مستوى الجمهورية. وعلى الرغم من أن الائتلاف يملك عددا كبيرا من الكوادر السياسية الشابة فى أغلب المحافظات، التى تتمتع بمهارات وخبرات هى نتاج ممارسة سياسية داخل حركات وأحزاب وجامعات، فإن رياح الانتخابات تأتى بما لا تشتهى السفن، فغالبية شباب الائتلاف التى أعلنت عن رغبتها فى خوض الانتخابات البرلمانية، تنتمى إلى الطبقة المتوسطة التى لا طاقة لها بتحمل نفقات وتمويل الحملات الانتخابية، وهو ما يتعارض مع قواعد الانتخابات التى ترسخت على مدار العقود الماضية، التى لا تسمح بالمنافسة إلا لرجال الأعمال وأبناء العائلات والعصبيات. إذن ضعف القدرة المالية لائتلاف شباب الثورة، وهو ما سيؤثر على دعم مرشحيه، كانت أولى العقبات التى حالت دون تكوين الائتلاف قائمته الانتخابية، التى غالبا ووفقا لاستطلاعات رأى أعدتها مراكز بحثية عدة، مصرية منها ودولية. وصار الائتلاف الساعى لإيجاد تمثيل شبابى حقيقى فى البرلمان مضطرا، طبقا للمعطيات السياسية، إلى البحث عن تحالفات وخيارات عدة، من خلال الانضمام إلى أى من التكتلات الانتخابية الموجودة. على الساحة السياسية، تبرز كتلتان رئيسيتان، الأولى «التحالف الديمقراطى»، التى رغم أنها تضم إلى جانب جماعة الإخوان أكثر من 30 حزبا مدنيا كان أبرزها «الوفد» قبل انفصاله، فإن الجماعة واقعيا صاحبة الكلمة العليا فى التحالف، حيث تستحوذ على نصيب الأسد من حيث عدد المرشحين بنسبة تصل إلى 45%. وهناك «الكتلة المصرية» التى تكونت بالأساس لمواجهة التيار الدينى، فى صوره المختلفة، سواء الإخوان المسلمين فى التحالف الديمقراطى، أو من هم خارج التحالف الديمقراطى. وجدير بالذكر أن «الكتلة المصرية» كانت قد تأسست على خلفية جمعة الإسلاميين، التى اعتبرها كثيرون أنها مثلت تهديدا للدولة المدنية. بداية أول النقاشات مع هذه التحالفات، عندما أعلن ائتلاف شباب الثورة فى البداية عن نيته تأسيس قائمة خاصة به، لتنافس القوائم الأخرى. فسعت «الكتلة المصرية»، و«التحالف الديمقراطى» إلى التواصل معهم، للوصول إلى حل وسط يحول دون اتجاه الشباب إلى تأسيس قائمة خاصة بهم وإلحاقهم بأى من القائمتين. الكفة الأرجح كانت تميل لصالح الكتلة المصرية طوال الوقت، مع الحرص على عدم قطع الاتصال بالتحالف الديمقراطى ولو عبر وسطاء. ويعود ذلك بالأساس إلى أن عددا من شباب الائتلاف، هم أعضاء بالفعل فى أحزاب مكونة للكتلة المصرية، مثل زياد العليمى عضو الائتلاف وفى نفس الوقت عضو الحزب المصرى الديمقراطى، وخالد عبد الحميد وخالد السيد، وهما عضوان فى حزب التحالف الشعبى، حتى الشباب المستبعد من جماعة الإخوان كان متشككا فى إمكانية الوصول إلى صيغة اتفاق مع التحالف الديمقراطى، فالجماعة لن تفتح له أبوابها، ولو حتى على سبيل التنسيق. ولن تنسى ثأرها من شباب وضعوا أنفسهم بإخلاصهم وتفانيهم فى موضع الندية لقيادات لم تعتد أن تجادل أو تناقش أو تتفاوض مع شبابها، فضلا عن أن تكوين التحالف الديمقراطى شكل عامل طرد لغالبية شباب الثورة، فأكثر من 30 حزبا كرتونية موجودة فى التحالف، بأمر من جماعة الإخوان، التى لن تبخل على كل حزب كرتونى بمقعد أو اثنين، من أجل أن تبدو قائمة التحالف الديمقراطى، وكأنها مشكلة من عشرات الأحزاب المدنية، تتعامل معها الجماعة بمنطق صفوت الشريف، فتمنح وتمنع وتوزع كما تشاء. لذلك لم يكن ممكنا سياسيا أو أخلاقيا أن يشارك الائتلاف فى الانتخابات من خلال قائمة تحمل أغلبية أعضائها موقفا واضحا ومحددا ضدها، فإكسابها قائمة التحالف الديمقراطى دعم شباب الثورة، وإن تم تجاوز الخلافات، هى جريمة ترتكب فى حق الوطن، لما قد تقود إليه تلك القائمة فى حالة نجاحها من برلمان غير كفء، لأن باقى مقاعد التحالف الديمقراطى موزعة على أحزاب بير السلم. إذن، عوضا عن تدشين الائتلاف قائمته الانتخابية، للأسباب سالفة الذكر، ولوضع «التحالف الديمقراطى» الذى هو فى حقيقة الأمر تحالف مع جماعة الإخوان، دخل الشباب بشكل جدى فى نقاشات مع الكتلة المصرية، لصياغة تحالف انتخابى جديد، يحمل اسما جديدا، بعيدا عن اسم الكتلة المصرية، خصوصا أن الكتلة المصرية صنفها كثيرون على أنها التحالف العلمانى المضاد للتحالف الدينى، أى أننا أمام معركة استقطابية جديدة، أشبه بمعركة 19 مارس. وهو ما يحاول الشباب تفاديه عن طريق خلق قائمة وحدة وطنية. استمرت النقاشات طويلا، لكنها فى النهاية لم تثمر شيئا حقيقيا، فالكلام الرومانسى عن شباب الثورة، والحرص على وجود شباب الثورة فى البرلمان المقبل، حتى يعبروا عن الثورة ومطالبها، تبخر سريعا، وباتت الأحزاب تبحث عن مكاسبها، وتتحدث عن واقع انتخابى مرير لن يقوى عليه الشباب، ومن ثم يجب إتاحة الفرصة للشخصيات العامة ورجال الأعمال وأصحاب النفوذ والعائلات، وانتهت غالبية الأحزاب الموجودة باتخاذ قرار بدعم هؤلاء المرشحين وتجاهل المرشحين الشباب. مع الأخذ فى الاعتبار ضرورة التمسك ببعض الشباب من أصحاب الوجوه المعروفة إعلاميا، للاستفادة من معرفة الناس بهم، بحيث يبدو أمام الرأى العام وكأنهم على خلاف الحقيقة يرشحون «شباب الثورة» على قوائمهم، فى حين أنهم فقط يحاولون استغلال وغواية بعض الشباب بمقعد أو ثلاثة على الأكثر، أما الحديث عن تنسيق انتخابى يضمن مساعدة ودعم 50 شابا، فهو أمر خيالى. إذن يبدو أننا فى النهاية لن نرى قائمة انتخابية خاصة بائتلاف شباب الثورة، ولكننا سنجد بعض وجوه الائتلاف فى المعركة الانتخابية عبر أحزاب عديدة، بغض النظر عن التحالفات التى تنتمى إليها هذه الأحزاب. وفى حالة إذا ما قرر الائتلاف ذلك فسيؤدى إلى رفع الحرج عن كثير من أعضائه الذين يتلقون عروضا من بعض الأحزاب المتحفظ عليها من قبل الائتلاف.