شهدت مصر في الأسابيع القليلة الماضية ظاهرة فريدة من نوعها لم تشهدها البلاد من قبل وهي ظاهرة التحالفات الإنتخابية, لم يكن في الحياة السياسية قبل عام1952 أو بعدها مثل هذا الإقبال علي التحالفات الإنتخابية. في العهد الليببرالي قبل عام1952 كانت الحياة الحزبية تقوم علي حزب كبير يحظي بتأييد الأغلبية الشعبية في أي إنتخابات حرة هو حزب الوفد وبالتالي فإنه لم يكن في حاجة الي التحالف مع غيره من الأحزاب. تغير الوضع كليا بعد ثورة25 يناير2011 حيث أطلقت التعددية الحزبية فتأسست عشرات الأحزاب الجديدة لتشهد البلاد الآن أكثر من خمسين حزبا سياسيا والبقية في الطريق, تتفاوت أحجام هذه الأحزاب وتتفاوت قدراتها السياسية والجماهيرية والإنتخابية فكان من الطبيعي مع كثرتها العددية ومع تفاوت قدراتها أن تسعي إلي التحالف فيما بينها في إنتخابات مجلس الشعب ومجلس الشوري القادمة. يعزز هذا المسعي أن القوانين المنظمة للإنتخابات سمحت بإجراء الإنتخابات بنظام القائمة النسبية علي ثلثي مقاعد مجلس الشعب وإشترطت للفوز بمقاعد في البرلمان أن تحصل القائمة علي نصف في المائة من إجمالي أصوات الناخبين علي مستوي الجمهورية, وهكذا وجدت الأحزاب الصغيرة نفسها في مأزق حيث لا توجد أمامها أي فرصة للتواجد في البرلمان ما لم تشارك في الإنتخابات في قائمة تضم أحزابا كبيرة لديها خبرات إنتخابية وقدرات تنظيمية ومالية كبيرة. فا تجهت معظم هذه الأحزاب إلي التحالف في إطار التحالف الديمقراطي من أجل مصر الذي دعت إليه جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة وفي المقابل تأسس تحالف الكتلة المصرية الذي يدور نشاطه حول إقامة دولة مدنية حديثة ليضم في صفوفه خمسة عشر حزبا وخمس هيئات شعبية وتأسس تحالف إنتخابي ثالث باسم( الثورة مستمرة) من سبعة أحزاب وقيادات من إئتلاف شباب الثورة اهتمت وسائل الإعلام بهذه التحالفات الثلاثة وتابعت التطورات داخلها طوال الأسبوعين الماضيين سواء من حيث الإنضمام إلي هذه التحالفات أو الإنسحاب منها والخلافات التي تدور داخلها وإكتفت وسائل الإعلام بإبراز أنباء الخلافات والإنسحابات دون أن تعني بتحليل الظاهرة وتوضيح أسبابها ولماذا تنسحب بعض الأطراف. السبب الأساسي للإنسحاب من التحالف الديمقراطي بقيادة الإخوان المسلمين كان يدور حول نسبة المقاعد المخصصة لكل حزب في القوائم المشتركة وترتيب المرشحين من كل حزب في القائمة حيث كان من الصعب إرضاء كل الأحزاب المشاركة في هذا التحالف والتي يزيد عددها علي أربعين حزبا وهذا هو الخطأ الأساسي للقائمين علي هذا التحالف الذين قبلوا إنضمام هذا العدد الكبير من الأحزاب إليه رغم إستحالة التوفيق بين رغباتها ولم يكن الخطأ أن هذه الأحزاب تسعي للحصول علي أكبر عدد ممكن من المقاعد في مجلس الشعب. أما في الكتلة المصرية فإن سبب الإنسحابات كان مختلفا لأنه كان بالإمكان التوفيق بين رغبات الأحزاب المشاركة فيه لمحدودية عدد هذه الأحزاب. فقد إختلف أطراف الكتلة المصرية علي تعريف فلول الحزب الوطني الذين لا يجوز ترشيحهم علي قوائم الكتلة من قبل أي حزب فيها وكان محور الخلاف أن حزب التحالف الشعبي الإشتراكي طلب إستبعاد أعضاء المجمعات الإنتخابية لمجلسي الشعب والشوري دورتي2010/2005, ولكن باقي الأحزاب رفضت ذلك فإنسحب هذا الحزب وسعي إلي تشكيل تحالف إنتخابي ثالث هو( الثورة مستمرة) ونجح في ذلك.وتبعته أحزاب أخري في الانسحاب من الكتلة. نحن إذن أمام أسلوب في التناول الإعلامي يركز علي جانب معين يكثف النشر حوله خلال فترة زمنية محددة فتخلق إنطباعا خاطئا لدي القراء ويتشكل رأي عام يتخذ موقفا سلبيا إزاء ما يحدث وفي إعتقادي الشخصي أن هذا الأسلوب في التناول يضر بفرص التحول الديمقراطي في البلاد لأنه يؤدي إلي إتخاذ موقف شعبي سلبي من الأحزاب السياسية رغم أنها مؤسسات ضرورية للتحول الديمقراطي ولا يمكن بدونها تحقيق تداول السلطة من خلال الإنتخابات وهو عماد أي مجتمع ديمقراطي. نقد الأحزاب السياسية واجب وضروري ومتابعة سلوكها سواء كان إيجابيا أو سلبيا أمر مهم ومن واجب وسائل الإعلام. هذا النقد لوسائل الإعلام لا يعفي الأحزاب من المسئولية عن أخطاء إرتكبتها وهي تسعي للتحالف فيما بينها. فقد أغفلت معظم هذه الأحزاب أنها الطرف الضعيف في أي تحالف تشارك فيه وأنها لا تستطيع أن تحصل علي نتائج في المفاوضات حول نسب المقاعد المخصصة لكل منها إلا في حدود قدراتها الفعلية, وأنها لا تستطيع أن تحصل علي موقع متقدم في القائمة لمرشحها إذا لم يكن في تاريخه السياسي والجماهيري وإمكانياته السياسية ما يؤهله لهذا الموقع, لم تفهم هذه الأحزاب جيدا أن التفاوض يقوم علي ثقافة ينبغي أن تتسلح بها قبل الإقدام علي التفاوض. أهم الأسس التي تقوم عليها ثقافة التفاوض أنك بصدد عملية تتطلب تنازلات متبادلة من كل الأطراف, وأنك تدخل مباراة لا غالب فيها ولا مغلوب, بل سيكون للكل نصيب بقدر قوته الفعلية. ومن أهم أسس ثقافة التفاوض أن العملية ستصل إلي مرحلة معينة يتم فيها صياغة موقف أو إتفاق يعبر بالفعل عن توازنات القوي الفعلية فإذا لم يقبله الجميع إنهار الإتفاق وتوقفت المفاوضات وفشل السعي إلي التحالف. وهذا ما لم تدركه أطراف عديدة في محاولات التحالف التي شهدتها مصر في الأسابيع الأخيرة. ولكننا نتعلم من أخطائنا والممارسة كفيلة بترشيد تحركاتنا وتطوير خبراتنا إلي أن تنضح العملية الديمقراطية في مصر. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر