في مسرحية يوليوس قيصر، يقول القيصر لكليوباترا: دعي وصيفاتك يتكلمن، فسوف تتعلمين منهن شيئا. تسأله كليوباترا: وما هو؟ فيجيب: حقيقتهن. حين نتحدث بحرية نكشف أنفسنا على حقيقتها. الدكتور محمد سليم العوا، الذي أتحفنا من قبل بوصف السياسيين المختلفين معه بأنهم «شياطين الإنس»، عاد ليفتينا بأن «الاعتصام مخالف للشريعة الإسلامية».. يقول هذا وهو لا يزال مجرد مرشح لرئاسة الجمهورية، فما بالك بأي طريقة سيتعامل معنا إن صار رئيسا؟ خد عندك: ستصير معارضته شقا لعصا الطاعة، ومنافسته على الرئاسة مخالفة للجماعة، وسيخرج لنا من الكتب السلفية ما يؤكد أنه لا يجوز عزل الحاكم ما دام يسير في الناس بالعدل.. كلها أمور تعتمد على التأويل، وتختلف فيها الآراء، لكنه سيقدمها لنا كحق، وكحقيقة يجب أن نبني عليها تصرفاتنا. التصريحات العلنية لقادة التيارات السياسية الغيبية مقلقة. هل تذكرون تصريح قيادي الإخوان الذي قال فيه إننا لن نطبق الشريعة إلا بعد التمكين؟ التمكين كلمة لا مجال لها في السياسة الحديثة التي أساسها فكرة تبادل السلطة، وفكرة الموظف المنتخب الذي يؤدي دوره ويمضي، أما التمكن فمعناه الإجهاز (تمكن النمر من الفريسة)، ومعناه التشبث، وتلك ليست مجرد لفظة تأتي إلى اللسان، بل مفهوم، قد يعبر عنه السياسيون الغيبيون بألفاظ أخرى، لكنها تعني الشيء نفسه، قبل أيام قال د. حازم شومان إن على باقي الإسلاميين أن يتحالفوا مع الإخوان المسلمين، لكي «نرث الحكم»، أي يصير ملكا لهم بالميراث.. أعلم أن هذه ألفاظ قرآنية، لكن هذه هي المشكلة، احتكار الألفاظ القرآنية بمدلولاتها عن طبيعة الفريقين المتنافسين كارثة.. الله وعد نبيه بتمكين دينه على الكفار، لم يعد محمد بديع بتمكين الإخوان المسلمين على الأحزاب الأخرى، فالتمكين أمر إلهي، أما الحصول على أغلبية حاكمة فأمر من الشعب، والمسافة بين الاثنين شاسعة. وأنا هنا لا أناقش تفسير الآية، بمعنى: لو كنت تعتقد أنني أسأت تأويل الآية، وأن الآية قد تفهم على أنها تمكين للجماعة الأكثر تقوى، وهي في هذه الحالة جماعة الإخوان المسلمين، فسوف أقبل منك هذا تماما، وسأنظر إلى القراء الآخرين، وأقول لهم «مش قلت لكم؟» إن هذا هو فعلا ما يؤمنون به، أن الله في صفهم ضد الآخرين، وهو شيء في علم الغيب، وكل ما يندرج تحته من تبعات في علم الغيب. الواقع الوحيد هو القهر الذي سنعيش فيه، إذ يبررون لنا كل فعل من أفعالهم بمبرر غيبي، ليس لنا من سبيل إلى امتحانه وتمحيصه، ومن هنا أسمي تلك الأحزاب أحزاب الغيب، لأن كلامهم حمال أوجه، والإمام علي حين أرسل أبا موسى الأشعري، لكي يحاجج أصحاب معاوية أوصاه قائلا: «ولا تجادلهم بالقرآن، فإنه حمال أوجه»، منذ أكثر من 14 قرنا أدرك الصحابة أن الجدال بالقرآن في شؤون الحكم لا طائل من ورائه، لأن كل فريق يأتي بتأويل مختلف تماما، فمثلا سي العوا حرم الاعتصام، لكنه شارك في المظاهرة التي سبقته، أما المهندس عاصم عبد الماجد، متحدثا باسم الجماعة الإسلامية، فقد مدد التجريم إلى المظاهرات، وهكذا تستمر المناقصة، وأخشى أن نصل إلى درجة تحريم «التنكيت» على المجلس العسكري، لكنني أعود وأقول إنها الحرية، أجمل ما فيها أننا نتعلم من أقوال الناس أشياء كثيرة، أبرزها حقيقتهم. كان أبو حنيفة جالسا في مجلس علم، مادًّا رجله أمام تلاميذه، إذ دخل رجل حسن المظهر وجلس في المجلس، استحيا أبو حنيفة، وثنى رجله احتراما للرجل. سأل سائل في الحلقة: متى تحين صلاة المغرب؟ وأجاب أبو حنيفة: حين تغرب الشمس، وهنا تدخل الرجل حسن المظهر، متسائلا: ولكن ماذا لو حل الليل قبل أن تغرب الشمس؟ أبو حنيفة لم يرد على السؤال، اكتفى بمد رجله مرة أخرى، وهو يقول: آن لأبي حنيفة أن يمد رجله، آن للمخدوعين أن يمدوا أرجلهم.