لكل إنسان طاقة وقدرة وسعة لا يمكن تجاوزها، وإذا طلبنا من شخص أن يتجاوز ما هو مقدر له كانت النتيجة سيئة. ويمكن أن نتبين صورة ما أقول بوضوح إذا نظرنا إلى حالة الكتاب والأدباء والمشتغلين بالفنون عموما. عندما ظهر الممثل محمد هنيدى فى فيلم «إسماعيلية رايح جاى»، لم يكن هذا هو الظهور الأول له.. كان موجودا قبل ذلك بسنوات دون أن يشعر به أحد. لكن عندما واتته الفرصة فى دور معقول نجح فى استغلالها، وتفاعل معه الجمهور مما جعل إيرادات الفيلم تتضاعف والمنتجين يتشجعون على منحه البطولة المطلقة، وكان هذا خطأ كبيرا، ذلك أن أقصى ما تصل إليه قدرته وطاقته هو أن يكون متميزا على الدوام فى أدوار صديق البطل! ما لم يفهمه الكثيرون أن هنيدى قدّم فى «إسماعيلية رايح جاى» ومن بعده «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» الحد الأقصى لما لديه، وبذل فيهما ذروة طاقته وسعته وقدرته فى وقت لم يكن يعرفه أحد، وبالتالى لم تكن هناك أى توقعات منه.. وغياب التوقعات هذا قد أسهم بقدر كبير فى إحداث المفاجأة والحصول على موقع طيب لدى الجمهور. لكن منذ ذلك الوقت وبعد أن أصبح هنيدى فنانا مشهورا خمدت المفاجأة وارتفع سقف توقعات الجمهور فى وقت لم ترتفع فيه قدراته.. لهذا فقد كانت خيبة الأمل تتكرر فى كل مرة ومع كل فيلم جديد بعد أن انتفى عنصر المفاجأة، حتى الإفيهات الجديدة منه لم يعد لها ذات الأثر بعد أن أصبح اسما وماركة، وصارت توقعات الجمهور منه تحد كثيرا من قدرته على تحقيق النجاح! ومثله تماما محمد سعد الذى ظهر قبل سنوات طوال ولم يشعر بوجوده أحد، ثم فجأة اندلعت شخصية اللمبى عندما قدمها كسنيد للبطل فى فيلم «الناظر صلاح الدين»، فأدهشت الجمهور وفتحت لمحمد سعد الطريق إلى البطولة المطلقة، وكان هذا أيضا خطأ ترتب عليه أن التدهور بدأ سريعا عندما لم يجد الجمهور لديه شيئا آخر بخلاف شخصية الشاب الصايع المسطول الذى ينطق كلاما فارغا طوال الوقت ولا يكف عن هز مؤخرته وأردافه. فعل محمد سعد ذلك فى جميع أفلامه وكرر نفسه بشكل غريب فى الوقت الذى كانت فيه التوقعات منه مرتفعة فأصاب جمهوره بإحباط وخيبة أمل. وإذا كان هناك بقية من جمهور لا تزال تقبل على أفلام هنيدى وسعد فذلك لغياب البديل، لكن فى اللحظة التى يظهر فيها كوميديان غريب الشكل والهيئة والإلقاء يستطيع مفاجأة الجمهور بما لا يتوقع، فإن هنيدى وسعد سيجلسان فى البيت، تماما مثلما فعلا هما فى جيل كامل من الممثلين الذين اعتزلوا واختفوا بسببهما! وربما لو أن كلا منهما قد قنع بالأدوار الثانية التى تتناسب مع حجم الطاقة والقدرة والسعة، التى يمتلكانها لظل لهما وهج وبريق على الدوام مثلما ما زلنا نحمل فى قلوبنا محبة لفنانين مثل عبد الفتاح القصرى وزينات صدقى وعبد المنعم إبراهيم وإستيفان روستى.. ذلك أن أيا منهم لم يتصور نفسه كلارك جيبل أو فتى الشاشة، وإنما قنع بما أهلته له طاقته وسعته الفنية. الأمر نفسه ينطبق على الكُتاب والأدباء، على سبيل المثال كان هناك كاتب جديد قرأت له فأعجبنى وكان يكتب مقالا متميزا كل أسبوع، لكن بعد فترة ألح على الصحيفة برغبته فى أن يكتب كل يوم. وللأسف كانت النتيجة غير مرضية فلم أقرأ له من وقتها شيئا ذا بال، ذلك أنه لم يفهم حدود طاقته وسعته الفنية! آه لو يفهم الناس مسألة القدرة والطاقة والسعة.. إذن لأراحوا واستراحوا.. لكن كيف يفعلون وقد خُلق الإنسان ليكابد ويكبّدنا معه!