أسعدنا سنوات طويلة، وما زلنا نتحسر على أيام الضحكة الراقية النابعة من القلب، منذ أن قرر وقف برنامج المقالب الأشهر «الكاميرا الخفية»، وأصبحنا نتشوق إلى طلته عبر الشاشة حتى وإن كانت في دور قصير، واثقين أنها ستبهجنا وستؤثر فينا وستكون فارقة في المسار الدرامي للأحداث، لقدرته البارعة على إضحاكنا والتنقيب عن الدمعة في قلوبنا بصدق مشاعره وأداءه، لكن حتى هذه المساحة افتقدناها برحيله عن عالمنا اليوم الثلاثاء، تاركا لنا تراثا فنيا وإبداعيا راقيا سواء برامج أو مسلسلات أو أفلام، اليوم نودع ملك المقالب والكوميدان الموهوب إبراهيم نصر. تفاصيل الشهور الأخيرة من حياة إبراهيم نصر، وأسرار مشواره الفني وعلاقته ومواقفه مع عمالقة الفن ورؤيته للتطورات الجديدة على عالم الدراما والسينما وبرامج المقالب التي أعقبته، كل هذه الكواليس التي تؤرخ لحقبة مهمة في تاريخ الفن المصري، اختص الفنان الراحل «التحرير» بها، في آخر حوار أجراه قبل تفاصيل الشهور الأخيرة من حياة إبراهيم نصر، وأسرار مشواره الفني وعلاقته ومواقفه مع عمالقة الفن ورؤيته للتطورات الجديدة على عالم الدراما والسينما وبرامج المقالب التي أعقبته، كل هذه الكواليس التي تؤرخ لحقبة مهمة في تاريخ الفن المصري، اختص الفنان الراحل «التحرير» بها، في آخر حوار أجراه قبل رحيله بشهور قليلة، نشرت في عدد الجريدة الورقي بتاريخ 31 ديسمبر 2019. نص الحوار: لن تنجو من مقالبه حتى داخل صومعته، أوهمنا بوجود كلب شرس فى مدخل الشقة، وبعد دخولنا اكتشفنا أنه لعبة كبيرة الحجم، بينما هو يقبع خلف مكتبه يضحك على لحظات الخوف التى أصابتنا مرددا جملته الأشهر: "لو عايز تذيع قول ذيع". يُمثل بكل ما أوتى من موهبة، قادر على أن يضحكك ويبكيك فى آن واحد، يعرف كيف يجعلك تقع أسيرًا لشخصياته التى جسدها بحرفية شديدة، وتردد "إفيهاته" فى مواقف شتى. هو"جعيدى" فى "شمس الزناتى"، و"حسن" صاحب "مستر كاراتيه"، وقدم شخصية "أبو جبل" فى "جحيم امرأة"، و"الدب" فى "فوق السحاب" وهو الخال الطيب فى "إكس لارج". جسد الشخصية النسائية "زكية زكريا" من خلال برنامجه"الكاميرا الخفية" طيلة 17 عامًا، حتى ارتبط اسمه بأجواء شهر رمضان، يلتف الجميع حول الشاشة فى انتظار المقلب الجديد بينما المقاهى كاملة العدد، لقبه الجمهور ب"ملك القفشات"، لكن النجم الكبير إبراهيم نصر يرى أن أهم جوائز حصل عليها هى "حب الناس" وأن ذاك البرنامج صنع نجوميته كاشفا عن أسرار وكواليس عدة فى حياته في حوار من القلب. بداية.. من اكتشف موهبتك؟ أقاربى عندما كنت أقوم بتقليدهم فى أعياد الميلاد ومناسبات العائلة، وخلال مرحلة الابتدائى اختارنى مدير المدرسة لأقدم دور طرد الملك فاروق وصورنا فى نفس الباخرة التى استقلها حينما غادر مصر وحصلت على جائزة عبارة عن قطعة شيكولاتة وأكلتها وكنت الوحيد اللى "أكل جايزته". متى كانت بدايتك الحقيقية عبر الشاشة الصغيرة؟ قدمت إسكتشات عديدة وبعدها شاركت بشخصية "دهب" فى مسلسل "على باب زويلة" للمخرج نور الدمرداش، الذى فوجئ بحفظى 16 حلقة حتى إننى لم أمسك "إسكريبت" طوال التصوير ثم قدمت معه أيضا شخصية رجل تركى شرير وفى نفس الوقت مضحك فى مسلسل "مارد الجبل"، وكان مبسوطا جدا إن "معاه واحد مجنون تمثيل". لم أهجر المسرح.. و«الكاميرا الخفية» صنع نجوميتى
حدثنا عن علاقتك بالراحل أحمد زكى وشخصيته خلف الكاميرات؟ قدمت أجمل أعمالى مع "الإمبراطور" منها "الاحتياط واجب، مستر كاراتيه، زوجة واحدة لا تكفى، حسن اللول"، وكان يهتم بأدق التفاصيل وبمثابة أخ وصديق جدع وطيب ومؤدب "بيحب كل الناس" خاصة الفقراء، وتغمره سعادة كبيرة لدى مساعدته للمحتاجين. أتذكر إحدى المرات دعوته لتناول العشاء وجلسنا خارج المطعم الواقع بسور نادى الزمالك آنذاك، وفوجئنا بتجمع مجموعة من الكلاب فخرج أحد عمال المطعم وانهال على أحدها بالضرب فما كان من أحمد زكى إلا أن أمره بإحضار كيلو كباب وطبقا و"شوكة وسكينا وفوطة" فضحك العامل من طلبه لكنه أصر على أن يعامل الكلب كأنه "زبون"، وبالفعل أحضر كل ذلك "ماشوفتش فى جمال أحمد وهو بيأكل الكلب اللى كان خايف حد يضربه تانى وحاسس بالقهر ولقينا الناس فى الشارع واقفة تتفرج على الكلب اللى بيتعشى كباب على الرصيف". كيف استقبلت وفاة هيثم أحمد زكى؟ وفاته أثرت فيَّ وأحزنتنى، خاصة لأنى كنت فرحًا بما يقدمه مؤخرا، ولازمت والده عندما اشترى شقة وأخبره بأنه سيخصص غرفة لنجله هيثم رغم أنه كان صغيرا وقتها "كان بيعشقه". من رشحك للمشاركة فى "شمس الزناتى"؟ وكيف استعددت له؟ رشحنى المخرج سمير سيف، واشتريت ملابس الشخصية من سيدة "دعت عليا لما لقيتنى قطعت الهدوم وخيطتها تانى.. ولما دفعت لها 200 جنيه لقيتها بتدعيلى" لأن "جعيدى" فى الفيلم كان حدادا، ويجب اختيار ملابس مناسبة لأنها جزء من نجاح الشخصية حتى "وش الجزمة اللى كان بيلبسها قطعته". الشخصيات التى قدمتها حقيقية أم من وحى خيالك؟ هناك شخصيات تطفو على سطح عقلى وأضيف لها "لازمات". على سبيل المثال قدمت فى الكاميرا الخفية 27 "لازمة كلامية مثل" "يا نجاتى انفخ البلالين" وأخبرت آنذاك الفنان محمد نجاتى بأن وصلات من الهزار ستجمعه بالجمهور العادى، كما أن شخصية "زكية زكريا" كانت عبارة عن ثلاث سيدات قابلتهن فى ثلاثة أماكن مختلفة "ضربتها فى الخلاط طلعوا زكية زكريا". أعلنت منذ فترة عن عودة الكاميرا الخفية فما سبب عدم ظهورها؟ الكاميرا الخفية ظلت 17 عاما تحتفظ بنجاحها الساحق، وكانت لدى فكرة جديدة سنقدمها لكن الظروف بالطبع اختلفت عن السابق، وما زالت تلك الفكرة حبيسة الأدراج لدى اكتشافى رغبة المنتج بتحملى الميزانية فقررت عدم استكمال الأمر. هل صادفت أحدا اكتشف حيلة "الكاميرا الخفية"؟ المقلب صعب فى رجل الشارع العادى، وفى بداية "الكاميرا الخفية" ارتديت ملابس شخصية "زكية زكريا" ونزلت الشارع وسألت واحدا صعيديا عن اسم شارع وفجأة صاح "عرفتك يا إبراهيم نصر" فقررت إعادة الترتيبات كافة بتغيير ملامح الشخصية (ملابس - مكياج) وأضحت الشخصية الأشهر لدى الجمهور دون باقى الأدوار التى قدمتها. هل طُلب منك عدم إذاعة فقرة بعد تصويرها؟ نعم، رجل مصرى فى قمة الأناقة كان يعيش فى لندن وبعد تصوير الفقرة سألته نذيع فرفض وأخبرنى أنه شخصية "سوبر ستار والناس فى لندن بيحبونى ومش عايز أتعرض للتريقة هناك" واستجبت لطلبه وأهديته علبة "سيجار". ماستحملتش «حلقة ونص» من برنامج رامز جلال
ما حقيقة رفض مسؤولى ماسبيرو لبرنامج الكاميرا الخفية فى البداية؟ لم يحدث أبدا، ورئيس التليفزيون المصرى سهير الأتربى -آنذاك- وافقت فورا وطالبتهم "هاتوا عربية وكاميرا وخلوه ينزل يشتغل". ما سر ابتعادك عن السينما والدراما رغم نجاح الكاميرا الخفية؟ كان كل تركيزى فى البرنامج وحققت من خلاله نجاحا ساحقا "أنا زى محمد صلاح بيلعب كورة ومتفوق فيها، هو عايز يحقق حاجة وحققها وأنا كنت عايز أحقق حاجة وحققتها من خلال الكاميرا الخفية اللى عملتنى نجم.. هى الحسبة كده". فتحت الباب أمام برامج المقالب.. ما رأيك فيما يقدمه رامز جلال؟ ده رزق واتفتح للناس، وقدم كثيرون برامج مقالب بعضها "لطيف"، ولم أشاهد إلا حلقة ونصف من برنامج رامز "ماستحملتش أشوف الضرب". لماذا هجرت المسرح رغم تحقيقك إيرادات جيدة؟ لم أهجر المسرح وقدمت مسرحية "زكية زكريا والعصابة المفترية" على مسرح البالون و"زكية زكريا تتحدى شارون" على مسرح قصر النيل وحققا أعلى إيرادات، ولكن فى الوقت الحالى صعب أقدم عملا فنيا على خشبة المسرح؛ بسبب تحضيرى لأعمال أخرى سأقدمها فى بلد عربى "عندى أفكار كتيرة للشغل زى استاند آب كوميدى" لكن لم تنفذ انتظارا لوجود منتج. حدثنا عن تجربتك مع سمير غانم فى المسرح؟ أنا وسمير قدمنا أعمالا جيدة جدا، وابنتاه "إيمى" و"دنيا" مميزتان و"بيضحكونى". هل توقعت نجاح شخصية "الدب" فى مسلسل فوق السحاب؟ لم أتوقع هذا النجاح وسعيد بأول تعاون بينى وبين المخرج رؤوف عبد العزيز، وأتمنى العمل معه مرة أخرى ولو بدون أجر؛ لأنه عبقرى وله أثر جميل لدى "قالى أنا جايلك البيت مخصوص علشان أطلب منك تشتغل معايا" وبدأنا فى التحضير للشخصية مع المؤلف حسان دهشان ومنها ما كان مكتوبا والبعض "ارتجال منى". انتابك شعور بالخوف من تناول مشكلة السمنة فى إطار كوميدى بفيلم "إمس لارج"؟ كنت متخوفا ولكن ربنا ستر والفيلم أسعد الجمهور "أنا أصلا تخين ومحدش زعل منى". من يعجبك من جيل الشباب حاليا من الممثلين والمخرجين؟ رؤوف عبد العزيز مخرج شاب واعٍ وكذلك "ماندو العدل" مخرج كويس ومحمد إمام ممثل مجتهد وكلهم أولادى، وآسر ياسين ممثل كبير وانتهيت مؤخرا من تصوير دورى فى فيلم "صاحب المقام" وهو من إنتاج السبكى وبطولة يسرا وتأليف إبراهيم عيسى وأقدم دور رجل فقد ابنه فى الهجرة غير الشرعية ويصادف أن يقابل "آسر يايسين" ويعرض عليه مساعدته فى البحث عن ابنه. البعض أطلق على نفسه "نمبر وان".. ما رأيك؟ كل واحد حر، الأهم تحقيق ذلك على أرض الواقع. هل سنراك فى موسم رمضان المقبل؟ مش قاعدة أكون موجودا، لكن أناقش عملين حاليا، وأهتم بقديم شخصيات لا تؤثر على نجاح ما قدمته سابقا، ولا أنظر للمال أو ترتيب الأسماء لأنها أمور خارج حساباتى. ما الشخصية التى تتمنى تقديمها؟ أحلم بتقديم شخصية "الإمبراطور جونز" تأليف يوجين أونيل؛ لأنها من الشخصيات الصعبة على خشبة المسرح. ماذا عن عائلتك؟ عماد هو ابنى الوحيد ويقيم فى أمريكا ويعمل فى مجال الطاقة ويشبه الممثلين الأجانب لكن لم يفكر فى خوض تلك التجربة، ولم أفرض عليه شيئا. حصلت على عدة جوائز خلال مشوارك الفنى؟ حب الناس أهم من كل الجوائز لأنى ألمس حبهم فى الشارع فهو لا يقدر بثمن، والمواطن المصرى خفيف الدم وسريع البديهة "بيعرف إزاى يقيمك". ما ردك على شائعة وفاتك مؤخرا؟ شائعات سخيفة وتغضبنى جدا "فيه ناس كتير هنا وبرا مصر بتزعل لما تسمع ده.. موتونى 3 مرات" لكن الأمر بيد الله سبحانه وتعالى "بس بلاش الإشاعات اللى بتتكرر معايا وعادل إمام".