شاب يخاف أكل الخبز.. وفتاة يرهقها حصار الفيروس مثلما تتأذى من مطاردة المتحرشين.. وسيدة تراقب شباك غرفتها خوفا من الهجوم.. وأربعينى يتوهم الإصابة بأعراض المرض كلما سمع نشرات الأخبار المعاناة مع فيروس كورونا المستجد لا تتوقف وتأخذ أشكالا وصورا متعددة باختلاف الطبيعة الخاصة لكل شخص، خاصة إذا تمكن الخوف منهم وسيطر الرعب على حياتهم وتمكنت الأفكار السوداء على رؤوسهم، وهنا تجد أحدهم تمكن الشيب من رأسه، يخشى أن يخطو بقدميه باب منزله، لكنه ما زال يتحرك بحرية محسوبة داخل بيته المعقم والمعزول عن العالم الخارجى الموبوء. ورغم أن هذا الرجل اختار الحبس الإجباري، إلا أن تصرفاته أقل ذعرا من تلك السيدة التي أغلقت جميع منافذ حجرتها وظلت عيناها ثابتتين تجاه الشباك وكأنها وضعته تحت مجهر بصرها تراقب نسمات الهواء التى تصطدم بالزجاج العازل وخيالها يصور لها أن هجوما قد يشن عليه فى لحظة مباغتة، وربما ينجح فى اختراق هذا الحاجز لتصيبها ورغم أن هذا الرجل اختار الحبس الإجباري، إلا أن تصرفاته أقل ذعرا من تلك السيدة التي أغلقت جميع منافذ حجرتها وظلت عيناها ثابتتين تجاه الشباك وكأنها وضعته تحت مجهر بصرها تراقب نسمات الهواء التى تصطدم بالزجاج العازل وخيالها يصور لها أن هجوما قد يشن عليه فى لحظة مباغتة، وربما ينجح فى اختراق هذا الحاجز لتصيبها اللعنة وتموت فورا، وأحيانا تلتفت نحو أسفل باب غرفتها لتتأكد من أن قطعة القماش التى وضعتها لا تزال فى موقعها تحميها من غزو محتمل. لم تنته المعاناة عند هؤلاء، فهذا الشاب الحالم الذى ترك أهله فى صعيد مصر بحثًا عن حلمه وسط عاصمة الوطن المكتظة بالبشر مداعبا بخياله أضواءها المبهرة، حرم على نفسه الطعام واختار الجوع جبرًا، وإذا اشتدت قرصة معدته وجذبته رائحة الخبز إلى الفرن القريب من مسكن غربته، يعيده فى الحال هاجس قهرى إلى أدراجه مذعورا مفزوعا، متخيلا صورة الخباز الذى عجن الخبز ومرره بيديه على سير النار، قبل أن يصل إلى البائع، ليقرر أن يموت جوعا من شدة الوهم، على ألا يملأ جوفه ويراود عقله وهم أشد فتكا. حقيقة إنها مأساة أشد قسوة، لكنها لم تكن كمثل تلك الفتاة التى اعتادت أن تمشى فى الشارع عينها فى وسط رأسها، خوفا من أيادى المتحرشين الملعونة أو نظراتهم التى تفتك بأمانها، فصارت اليوم تسير والمطهرات لا تفرق يدها، تبخ بالكحول يمينا ويسارا وبالكلور أسفل قدميها وفوق رأسها، وكأنها تحارب أشباحا تحاصرها كالرياح، التى تعيق تحركاتها، تظل تحاصر أسرتها فى الإجراءات الوقائية والاحترازية. وليست تلك الفتاة أكثر بؤسا من ذلك الرجل الأربعينى الذى كلما استمع إلى أخبار فى التلفاز أو الراديو أو أحاديث عابرة بين شخصين أو صادفت جلسته قوما يتناقشون حول المرض، بدأ على الفور يتوهم بأن الأعراض تنطبق عليه، ويعيش فى رعب بأنه أصبح مريضا لدرجة أنه يتلفت حوله يبحث عن مسببات المرض أو العدوى.