في 22 فبراير 2019، كانت الجزائر على موعد مع احتجاجات واسعة نظمها الآلاف في مختلف المدن رغم حظر الدولة للمظاهرات منذ 2011، وذلك للمطالبة بعدول عبد العزيز بوتفليقة عن الترشح لفترة رئاسية جديدة (العهدة الخامسة)، بعد أن كشف صحفي عن تواجد الرئيس في أحد مستشفيات سويسرا في حالة صحية حرجة، وهي الاحتجاجات الأكبر منذ وصوله إلى السلطة منذ 20 عاما. وتنوعت جماعات الضغط المشاركة في الاحتجاجات المستمرة حتى الآن، والتي ضمت مختلف الشرائح الاجتماعية والقطاعات المهنية، إذ كان لعدة جماعات أدوار بارزة في المشهد الجزائري أهمها: المؤسسة العسكرية، القضاة، اتحادات الطلاب، الأمازيغ، الإسلاميون، وغيرهم، فكيف أثرت هذه الجماعات في المشهد؟ وإلما سيؤول الوضع؟المؤسسة وتنوعت جماعات الضغط المشاركة في الاحتجاجات المستمرة حتى الآن، والتي ضمت مختلف الشرائح الاجتماعية والقطاعات المهنية، إذ كان لعدة جماعات أدوار بارزة في المشهد الجزائري أهمها: المؤسسة العسكرية، القضاة، اتحادات الطلاب، الأمازيغ، الإسلاميون، وغيرهم، فكيف أثرت هذه الجماعات في المشهد؟ وإلما سيؤول الوضع؟ المؤسسة العسكرية كان للمؤسسة العسكرية دورا كبيرا في احتواء الأزمة، إذ رد قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، في 5 مارس، على الاحتجاجات، مستحضرا سنوات سفك الدماء (العشرية السوداء) قبل تولي الحكومة الحالية السلطة ومكافحة الإرهاب، واللافت في هذا الخطاب أن «صالح» لم يذكر بوتفليقة بالاسم خلال تصريحاته. وفي خطابات تالية أكد «صالح»، أن الجيش سيحافظ على أمن البلاد مهما كانت الظروف، وأن الشعب عبر عن أهداف نبيلة، في إشارة قوية على أن الجيش ينأى بنفسه عن الرئيس. وبعد تنحي بوتفليقة يوم 2 أبريل، أعلن أنه لا مجال لتضييع الوقت، في إشارة إلى تطبيق المادة 102 من الدستور، وتنص على «ضرورة اجتماع المجلس الدستوري وجوبا في حالة ما استحال على الرئيس أن يمارس مهام عمله بسبب مرض خطير ومزمن، واختيار رئيس مجلس الأمة للقيام بمهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح للرئاسة». وفي 16 أبريل، ألقى رئيس الأركان، كلمة، وعد فيها بالعمل على حل الأزمة في أقرب وقت، واعدا بمحاسبة المتورطين في قضايا فساد، وكان ذلك أطول خطاباته منذ بدء الأزمة. وبعد ذلك وعد «صالح» في مختلف خطاباته بمكافحة الفساد، وتجنيب البلاد الوقوع في العنف، داعيا إلى إجراء انتخابات في أسرع وقت. المحتجون كان ظهور المحتجين بارزا منذ أول يوم، وحتى الآن يشارك في التظاهرات كل يوم جمعة أعداد كبير، وفي 29 مارس، خرج المتظاهرون في أكبر تجمع لهم، وذلك في أول جمعة بعد دعوة رئيس الأركان، بوتفليقة للتنحي. وبعد تعيين عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا، عاد الآلاف إلى الشوارع، مطالبين بتغيير ديمقراطي شامل. ومنذ يوليو وحتى نوفمبر، ارتفع سقف المطالب لدى المحتجين، إذ طالبوا بابتعاد رئيس الأركان عن المشهد، وبعد إعلان موعد الانتخابات، قرروا الخروج كل يوم ثلاثاء اعتراضا على المشاركة فيها. الطلاب رغم أن الطلاب جزء من المحتجين في الشوارع، إلا أنه يمكن اعتبارهم جماعة مستقلة، فمن المعروف أن الاتحاد العام للطلبة الجزائريين والاتحاد الوطني لشبيبة الجزائر هما أكبر منظمتين تضمان تحت مظلتهما عدد كبير من الطلبة، والأخيرة تعتبر أغنى تنظيم في الجزائر من حيث الدخل السنوي الذاتي ومنتشرة في كل أنحاء الدولة. وفي 26 فبراير، نظم مئات الطلاب تظاهرات في مدن جامعية بالجزائر، وتغيبوا عن المحاضرات، ونتيجة لزخم الحراك، أمرت السلطات في 9 مارس، بتبكير عطلة الدراسة الجامعية، إلا أنه في اليوم التالي واصلوا التظاهر. وبعد تعيين الرئيس المؤقت، نظم الآلاف احتجاجا في وسط العاصمة. البرلمان في 25 فبراير، خرج النواب للشوارع احتجاجا على العهدة الخامسة لبوتفليقة، ودعت أحزاب معارضة إلى توسيع الحراك، فيما اقترح الأمين العام لحزب طلائع الحرية ورئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس -الذي ترشح فيما بعد للرئاسة- توفير الشروط الضرورية لتثبيت حرية الشعب في الاختيار. وفي 14 نوفمبر، صادق النواب على قانون المحروقات، الذي يعتبره الجزائريون وسيلة لبيع «الثروة الوطنية» للشركات متعددة الجنسيات، لكن الحكومة تراه ضروريا لتطوير إنتاج النفط. القضاة في مارس، قال عبد الوهاب دربال رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، أنه يتعين على كل المرشحين في الانتخابات الرئاسية تقديم أوراق ترشحهم شخصيا. وبوتفليقة لم يظهر بشكل علني إلا نادرا منذ عام 2013، وكان من المقرر أن يتقدم مدير حملته بأوراق الترشح. وأعلن أكثر من 1000 قاضي إنهم سيرفضون الإشراف على الانتخابات -التي كان مقررا لها 18 أبريل- إذا شارك فيها بوتفليقة. ومنذ أبريل وحتى الآن بدء القضاء في التحرك ضد رموز النخبة الحاكمة المتهمين بالفساد، وتم ضبط مسؤولين ورجال أعمال مقربين من بوتفليقة، كما صدرت أحكاما بالحبس، وتمت مصادرة جوازات سفر لرجال أعمال، وحظر سفر آخرين. وفي 12 سبتمبر، قدم وزير العدل بلقاسم زغماتي، مشروع قانون تأسيس «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات» التي ستشرف على الانتخابات. النخبة الحاكمة في مارس، بدأ ظهور تصدعات في أوساط النخبة الحاكمة التي تعتبر منيعة منذ فترة طويلة، وانضم مسؤولون في حزب جبهة التحرير -الذي يملك الأغلبية في جميع المجالس المنتخبة- إلى المحتجين، واستقالت شخصيات عامة، فيما أكد حسين خلدون القيادي في الحزب، أنه يجب دعم المحتجين. وقال صديق شهاب المتحدث باسم حزب التجمع الوطني الديمقراطي، -ثاني أكبر حزب يدعم بوتفليقة- إن ترشحه خطأ كبيرا. قدامى المحاربين منذ البداية، حثت المنظمة الوطنية للمجاهدين المواطنين على التظاهر، في بادرة أخرى على الانشقاق في صفوف النخبة. وذكرت المنظمة، التي تضم قدامى المحاربين الذين قاتلوا إلى جانب بوتفليقة في حرب الاستقلال، أنه من واجب المجتمع النزول إلى الشارع. وترددت أنباء عن تأييد المنظمة، ومنظمة قدماء وزراء التسليح والاتصالات العامة، للمسيرات، وهما منظمتان تملكان تأثيرا كبيرا لما تحملانه من رمزية للثورة الجزائرية، ما منح الحراك الشعبي تأييدا كبيرا. الأمازيغ في تظاهرات يوم 21 يونيو، شوهدت بعض الرايات الأمازيغية والتي بدت أقل بكثير من العادة، رغم تحذيرات رئيس الأركان في تصريحات قبل يومين، والتي أكد فيها أنه لن يسمح إلا برفع العلم الوطني. واستنكر الفريق صالح -الذي أصبح أبرز قادة البلاد منذ استقالة بوتفليقة-، محاولات اختراق المسيرات عبر رفع رايات غير الراية الوطنية من قبل أقلية قليلة جدا، ورغم عدم إشارته إلى الراية الأمازيغية إلا أن الكثيرين اعتبروا أنها المعنية بتحذير قائد الجيش المنتمي للأمازيغ. الإسلاميون من المؤكد أن الفصيل الإسلامي، يريد العودة إلى السلطة مرة أخرى، بعد أن أخرجهم بوتفليقة -بالاتفاق- منها بعد فترة العشرية السوداء، وقال حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي المعارض، في 2 أبريل، إن رحيل بوتفليقة دون إصلاحات حقيقية سيكون خطوة تقوض مطالب المحتجين. وفي 2 يونيو، حاولت مجموعة من «الإسلاميين» التسلل إلى مسيرة شعبية، وأطلقوا شعارات دينية تطالب بإقامة دولة إسلامية، ولم يتردد المتظاهرون في إطلاق صيحات استهجان، وأخرجوهم من المسيرة. وفي 2 يوليو، قدم رئيس البرلمان الجزائري معاذ بوشارب، استقالته بعد مطالبة المحتجين برحيله باعتباره من النخبة الحاكمة، وبعد 8 أيام انتخب النواب سليمان شنين من حركة البناء الوطني، وهو إسلامي معارض، بديلا لبوشارب من حزب جبهة التحرير، الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال. ماذا بعد؟ مما سبق يتضح أن المؤسسة العسكرية، كانت الأكثر نشاطا ونفذت تكتيكات عديدة، إذ كانت متواجدة باستمرار، عكس جماعات أخرى تواجدت بشكل متقطع، مثل القضاة الذي كان لهم نشاطا كبيرا في فترة القبض على المتهمين بالفساد، والمحاربين القدامى الذين نشطوا في بداية الأزمة ثم اختفوا من المشهد، وهناك جماعات كان تواجدها محدودا مثل الصحفيون، ورجال الأعمال. وكان لجماعات المصالح تأثيرا كبيرا إذ أظهرت المؤسسة العسكرية، أنها تريد مزيدا من التجانس والتوحيد لكل فئات لشعب، حتى وإن كانت من ضمنها فئات لها أهداف انفصالية مثل الأمازيغ، أما الإسلاميون، فكان واضحا أنهم يسعون للتنافس بعد رفع شعارات تطالب بإقامة دولة إسلامية، ورغم ذلك يبدو أن المشهد الجزائري يتجه إلى مزيد من التجانس بين الشعب، حتى وإن شابه بعض التنافس وهو أمر طبيعي، إلا أنه لن يصل إلى حد الصراع الأهلي وخوض عشرية سوداء جديدة. وحاليا تسيطر المؤسسة العسكرية ومعها القضاء على زمام الأمور، ويتواجد رئيس الأركان بكثافة في محاولة لضبط المشهد، رغم ارتفاع سقف مطالب المحتجين، وهي المطالب التي لم يتم الالتفات إليها، فرغم استمرار الاحتجاجات بانتظام منذ شهور، إلا أن الانتخابات سيتم إجراؤها في الموعد، ومع مرور الوقت وبعد اختيار رئيس جديد، ستخفت حدتها إلى أن تنتهي، ويتم ضبط الوضع في الشارع الجزائري.