حفل افتتاح مبهر نظمته مصر للبطولة رقم 32 لكأس الأمم الإفريقية 2019 الأعرق في القارة.. إلا أن عودة الجماهير المصرية للاستاد كانت أكثر ما في الأمر إبهارا لسنوات ظل الباب أمامه مغلقا، أعاد ال«تي شيرت والفورفوزيلا وعلم ناديه» إلى الدولاب، ينتظر اللحظة التي سيخرج فيها هذه الأشياء، وينفض عنها التراب، ويخرج معها المارد الذي بداخله، ليملأ جنبات الاستاد تشجيعا، يشبع سنوات الحرمان، يخفق قلبه خوفا مع كل هدف يقترب من شباك فريقه، ويخفق حبا مع كل هدف يسكن شباك المنافس، ظلت هذه الأحلام تراوده في منامه وواقعه، أنه سيعود يومًا إلى «الكورفا»، إلى حيث ينتمي ويفرح ويحزن، «أنا أحفظ مداخل ومخارج الاستاد، أحفظ كل شبر، أريد العودة». قبل شهور من بدء كأس الأمم الإفريقية، البطولة الأكبر في القارة -التي كان مقررا أن تنظمها الكاميرون- ظن أنه سيشبع هذه الأحلام، سيخرج «التي شيرت والفوفوزيلا»، ويبدل علم ناديه بعلم بلاده، سيجلس على أي مقهى ليشجع عله يشعر ولو قليلا أنه عاد إلى حيث ينتمي، لكنه لم يكن يعرف أن القدر يخبئ له ما هو قبل شهور من بدء كأس الأمم الإفريقية، البطولة الأكبر في القارة -التي كان مقررا أن تنظمها الكاميرون- ظن أنه سيشبع هذه الأحلام، سيخرج «التي شيرت والفوفوزيلا»، ويبدل علم ناديه بعلم بلاده، سيجلس على أي مقهى ليشجع عله يشعر ولو قليلا أنه عاد إلى حيث ينتمي، لكنه لم يكن يعرف أن القدر يخبئ له ما هو أجمل (العودة إلى الاستاد)، بعد أن تم سحب البطولة من الكاميرون، وتحصل مصر على شرف التنظيم، ليعود إلى مكانه الطبيعي، ويخرج المارد مع جماهير من كافة الأطياف والانتماءات، فالكرة كانت وستظل للجماهير. أيام عدت طوال، كان يحسب لها بالساعة والثانية، إلى أن جاء اليوم المنتظر، 21 يونيو 2019، استيقظ باكرا، ارتدى «تي شيرت» المنتخب وحمل أدوات التشجيع، منذ الواحدة ظهرًا كان هناك، في استاد القاهرة، يشبع غريزة تشجيع المنتخب داخله، يخرج من نفسه ظلام المشاهدة بين أربعة جدران ليحل نور المدرج محله. في هذا اليوم كانت شوارع المحروسة أجمل، يمكنك أن تتعرف إلى الجمهور من بين مئات المصريين يعبرون الطرقات ويرتادون المواصلات والمترو، حتى وإن لم يحملوا أي علامة على توجههم للاستاد، لكن الروح التي تشع منهم كانت كفيلة بأن تعرفهم. حل عليه الظلام، وهو لم يكف عن التشجيع أبدًا، فأضاء «فلاش» هاتفه وكذلك فعل باقي الجمهور، فأضاء معه قلبه، بدأ حفل الافتتاح وقف مشدوهًا منبهرًا «هذا الحفل أجمل من افتتاح كوباأمريكا.. نحن الأفضل سنفعلها وننتصر». «بلادي.. بلادي.. بلادي.. لكِ حبي وفؤادي»، لسان حاله يقول لن تكون هذه الكلمات أبدًا جميلة، حتى لو عزفها أوركسترا إيطاليا، دون أن يرددها آلاف من المصريين من القلب، ليصفقوا بعدها ويطلقوا الصافرات ويرسموا على وجوههم ابتسامة أمل بأن هذه البطولة ستكون الثامنة لمصر، يود لو يسأل: «مستر أجيري هل رأيت جماهير بهذا الجمال من قبل؟». «الكرة للجماهير لأنك لن تجد مكانًا ينسى فيه كل منا انتماءه سوى في الاستاد.. الكرة للجماهير لأن هنا المصريين يشعرون بانتمائهم لمصر.. الكرة للجماهير لأنها الوحيدة القادرة على رسم الابتسامة وإسعاد القلوب ومحو الهموم.. الكرة للجماهير لأنها تقريبا فرصتهم الوحيدة لترديد النشيد الوطني». في الدقيقة 20، هتف «في الجنة يا شهيد» تخليدا لذكرى شهداء مذبحة الدفاع الجوي من جمهور النادي الزمالك، في الدقيقة 22 هتف «يا يا يا.. يا تريكة» ليخبره أنه أفضل من ارتدى هذا الرقم على «تي شيرت» المنتخب، في الدقيقة 72 هتف «في الجنة يا شهيد» تخليدا لذكرى شهداء مذبحة بورسعيد من جمهور النادي الأهلي، «الكرة للجماهير لأنها تمنحنا الفرصة أن نخبر من نحب أننا ما زلنا على العهد». تمر الدقائق طويلة، يخفق قلبه بشدة مع كل هجمة للمنتخب المصري -صاحب السبعة ألقاب- ينتظر أنه يصرخ فرحًا وتصيب واحدة، لكن الأمر لم يحدث، حتى جاءت الدقيقة 40 ويفعلها محمود حسن تريزيجيه، فيرفع لافتة جهزها وأصدقاؤه «Goal»، أتبعها بدقائق يهتف فرحًا للهدف. «ظل تريزيجيه لأكثر من 20 مباراة يحاول أن يحرز هدفًا بطريقة R2، وها هو يفعلها الآن، ولذلك فالكرة للجماهير». يطلق الحكم صافرة النهاية، لكنها ليست النهاية بالنسبة له، فهو على يقين أن الأبواب لن تغلق في وجهه مرة أخرى، عاد لبيته فرحًا «الكرة للجماهير لأنها تمنحنا السعادة».