الجهاز السري لثورة 19 تأسس بالتزامن مع نفي سعد زغلول وبعد إعدام العشرات وسجن الآلاف لكن أغلب عملياته وجّهت ضد مصريين.. بدأ باغتيال بطرس غالي وانتهى بمقتل السير لي ستاك لا أحد من المؤرخين أنكر الدور المهم، الذي لعبه الجهاز السري لثورة 1919، فى كبح جماح المحتل البريطاني، خصوصًا بعد أن عبث فى البلاد بطولها وعرضها، ونفذ عديدًا من أحكام الإعدام الظالمة، وسجن الآلاف من الشباب والشيوخ وحتى النساء لم تسلم من بطشه وظلمه. لكن عديد منهم تساءل وتعجّب حول توجيه الجهاز أغلب عملياته ضد المصريين، حتى ولو كانوا متورطين فى تعاملات مع المحتل البريطاني، خصوصًا أن فكرة تكوين الجهاز جاءت من السودان، الذي كان يوجِّه كل عملياته ضد الاستعمار فقط، من خلال حركته التاريخية اللواء الأبيض. تأسيس الجهاز السري لثورة 1919 اندلعت ثورة 1919، وامتدت شراراتها إلى كل محافظات مصر، وهنا بدأ الاحتلال البريطاني يفقد أعصابه، ويتعامل مع المتظاهرين بعنف، وهو ما وضح جليًا عندما أصدرت المحكمة العسكرية البريطانية حكمًا بإعدام 51 من أبناء مدينة ديرمواس فى محافظة المنيا، كما نفذ المحتل حكمًا بالإعدام على تأسيس الجهاز السري لثورة 1919 اندلعت ثورة 1919، وامتدت شراراتها إلى كل محافظات مصر، وهنا بدأ الاحتلال البريطاني يفقد أعصابه، ويتعامل مع المتظاهرين بعنف، وهو ما وضح جليًا عندما أصدرت المحكمة العسكرية البريطانية حكمًا بإعدام 51 من أبناء مدينة ديرمواس فى محافظة المنيا، كما نفذ المحتل حكمًا بالإعدام على 34 من المتظاهرين فى محافظة بني سويف، من بينهم مأمور أسيوط، آنذاك البكباشي محمد كامل. لم يكتفِ الاحتلال بتنفيذ أحكام الإعدام على العشرات من المصريين، لكن خرجت قواته تجوب الشوارع، وتلقي القبض على من تجده أمامها، لتمتلئ السجون بالشباب والشيوخ، كل هذا بالتزامن مع نفي زعيم الأمة سعد زغلول، هنا جنّ جنون عبد الرحمن فهمي ورفاقه، ليتم تشكيل جهاز سري، مهمته الرد على العنف الذي تقوم به سلطات الاحتلال، ويكون امتدادًا للجهاز السري الذي تم تأسيسه فى السودان، وكان يعرف حينها باسم "اللواء الأبيض". سرية الالتحاق بالجهاز تمتع الجهاز السري لثورة 1919 بالسرية المدهشة، كما يقول مصطفي أمين، فى كتابة أسرار ثورة 1919، فكان كل فرد فيه لا يعرف زملاءه، كما أن كل إدارة لا تعرف باقي الإدارات، حتى إن أحد شروط الانضمام هو أداء القسم على السمع والطاعة والتضحية بالوقت والمال والولد. دور الجهاز السري الجهاز السري لثورة 19 كان ينقسم إلى عدة فروع، أهمها هو إدارة المخابرات ودوره تجنيد العملاء فى دار الحماية والجيش البريطاني ومجلس الوزراء وقصر السلطان، وتحريك المظاهرات والإضرابات، وأعمال الشغب المتمثلة فى قطع السكة الحديد والمواصلات العامة، ويعد فرع الاغتيالات ضمن الفروع المهمة داخل الجهاز السري، الذي تمكَّن من تنفيذ عدد من عمليات الاغتيال لمصريين متورطين مع الاحتلال وقيادات بريطانية. تمكَّن الجهاز السري أن يفجر أحداثًا هائلة فى ربوع المحروسة، وكانت جميعها فى غياب سعد زغلول، الذي كان منفيًا في مالطة، وبعدها في جزيرة سيشل، وكان يتواصل مع الجهاز من خلال المراسلات، التى كان ترد لجامعة القاهرة القديمة، أو عن طريق شاب كان يعمل فى وزارة الخارجية، ولم يكن ليتوقع أحد أنه يعمل مع سعد، لأنه وحسب الراحل مصطفى أمين "كان رجل سكير وبتاع ستات". المجلس الأعلى للاغتيالات "أحمد ماهر، ومحمود النقراشى، عبد اللطيف الصوفاني، مصطفى حمدي، محمد شرارة، عبد الرحمن الرافعي، حسن كامل الشيشيني وهو مستشار المجلس الأعلى"، هؤلاء كانوا قيادات ما عرف حينها بالمجلس الأعلى للاغتيالات، لكن الغريب فى الأمر، أن هذا المجلس وجَّه أغلب عملياته إلى المصريين، المتهمين بالتعاون مع الاحتلال البريطاني، خصوصًا الذين وافقوا على تولى الوزارة رغم تحذير سعد زغلول عدم قبول المناصب. التضامن الأخوى واليد السوداء عام 1910 تم اغتيال بطرس غالى رئيس وزراء مصر على يد إبراهيم الوردانى، وكان حينها عضوًا فى جمعية التضامن الأخوى، التى تأسست لمقاومة الاحتلال البريطاني، وحاول أعضاؤها تنفيذ عدد من العمليات فشل جميعها، باستثناء اغتيال سردار الجيش المصرى فى السودان السير لى ستاك عام 1924، وعلى أثرها استقال سعد زغلول من رئاسة الحكومة، وكان لهذه الجمعية طقس خاص فى عملية التجنيد، كان يأخذ الشاب معصوب العينين إلى مكان مجهول ويحلف على المصحف والسيف بالسرية والطاعة. لم تكن فى هذه الفترة جمعية التضامن الأخوي هى الوحيدة التى تعمل وبشكل مسلح، فقد ظهرت جمعية سرية أخرى أطلقت على نفسها "اليد السوداء"، وكان لها دور هائل فى تراجع كثيرين عن التعاون مع المحتل البريطاني خوفًا من بطش أعضائها. الجهاز السري للاحتلال وبداية ظهور"المرشدين" عام 1910، وعقب اغتيال بطرس غالي، أسس الإنجليز مكتب الخدمة السرية، دوره هو حماية المتعاونين من السياسيين مع الاحتلال، وكان يشرف عليه دونالد جراهام، الذي حلّ محل المستشار البريطاني لوزارة الداخلية آرثر شيتي، ليقوم بتعيين جورج فليبيدوس، وهو من أصول يونانية رئيسًا لمكتب القاهرة يعاونة اليوزباشي لوسكيافو، ويرسل حسن رفعت لروسيا لتعلم أساليب قمع الحركات، ومع ظهور هذا الجهاز ظهر قانون النفي، والذي استخدم فيما بعد لنفي سعد زغلول ورفاقه. بدأ نشاط المكتب فى العمل وبعد عدة أشهر كانت هناك قوائم بأسماء 12 ألف مصري يتم مراقبتهم بشكل كامل، وهنا ظهر نظام المرشدين، لمراقبة المشتبه بهم داخليًا، وخارجيًا فى لندن وباريس وجنيف، لكن عمل الجهاز وبعد نصيحة اللورد مكماهون تطور ليقوم باعتقال المشتبه بهم وأقاربهم وأصدقائهم، مستندا إلى تجربة الهند آنذاك فى مواجهة الحركات السياسية.
فليبيدوس أقوى رجل في مصر تحكمه فى ترقيات ضباط الشرطة، وامتلاكه سلطة التوقيف والنفي خارج البلاد، جعله الرجل الأقوى فى مصر في هذه الأثناء، لكن هذا لم يكن على هوى حكمدار القاهرة اللواء "رسل"، الذي تمكّن من كشف تجاوزاته ليعترف فليبيدوس، بتلقيه الرشاوى مقابل الإفراج عن المعتقلين، ومن الضباط مقابل الترقيات، وفبركته كثيرًا من القضايا السياسية، ليعاقب بالسجن 5 سنوات.
فشل الجهاز البريطاني فى تحديد موعد الثورة في يناير 1918، وبعد سجن فليبيدوس، تم تعيين الميجر "ماكفرسون" رئيسًا لمكتب القاهرة، لكن لم يمر كثيرًا حتى اندلعت شرارة ثورة 1919، التى كشفت عن عجز جهاز الأمن السياسي، وإدراكه حجم السخط والغضب الشعبي تجاه المحتل، وباتت كل محاولاته للسيطرة على الأوضاع مصيرها الفشل، فلا نجحت حملات التفتيش للبحث عن الأسلحة، وإغلاق المقاهي، والوجود فى تجمعات الثوار فى المساجد والميادين والكنائس، وكانت الضربة الأكبر هى مقتل مساعدي رئيس المكتب السياسي، ليستقيل ماكفرسون فى مايو من ذات العام.