أولًا: مدخل: الوجل والخشية يبدو لى عنوان هذه المقاربة المبسطة يحمل بعضا من إدراك باحث ومثقف مصرى لموضوعه المطروح عليه، وهو خبرة العيش فى الغرب، ومعايشة إدراكه للآخر. أولًا: مدخل: الوجل والخشية يبدو لى عنوان هذه المقاربة المبسطة يحمل بعضا من إدراك باحث ومثقف مصرى لموضوعه المطروح عليه، وهو خبرة العيش فى الغرب، ومعايشة إدراكه للآخر. أى كيف أدركنا هذا العالم ذا التاريخ الطويل والمركب والمتعدد، وذا الوجوه المتعددة من التنوير والإصلاح الدينى وثورة حقوق الإنسان، والاستعمار والإمبريالية إلى الوجه الإنسانوى، إلى التقدم التقنى فائق التطور. من العقلانية والتقنية الأداتية إلى الفلسفة وتطورات الفكر الفلسفى بكل مدارسه حتى ما بعد الحداثة والعولمة أى كيف أدركنا هذا العالم ذا التاريخ الطويل والمركب والمتعدد، وذا الوجوه المتعددة من التنوير والإصلاح الدينى وثورة حقوق الإنسان، والاستعمار والإمبريالية إلى الوجه الإنسانوى، إلى التقدم التقنى فائق التطور. من العقلانية والتقنية الأداتية إلى الفلسفة وتطورات الفكر الفلسفى بكل مدارسه حتى ما بعد الحداثة والعولمة والتفكيكية وما بعدهم إلى العلوم الاجتماعية، إلى الآداب والفنون والموسيقى والسينما والمسرح.. إلخ!.. إلخ! هذا العالم المعقد أسوق بعض عناوينه وعلاماته على تعددها، وذلك دلالة على كيف يمكن لمعايشةٍ أيا كانت أن تحيط وتحمل عوالم الغرب المتعددة والعميقة وذات الأبعاد المتعددة والمختلفة؟! إنها مقاربة ومسعى بالغ الصعوبة، ويكاد الباحث يشفق على نفسه من مثل هذا المسعى، أو محاولة لا تكفى فيها محض النيات الحسنة التى ربما راودت واضعي الموضوع، وأسئلته! ليت المرء يمتلك تلك الشجاعة الفكرية أو البحثية، أقول بكل صراحة، سافرت ودرست كطالب علم، وعشت وتفاعلت، ثم سافرت طرفا فى عديد المحاورات والمؤتمرات العلمية، وحلقات النقاش فى الدول والمجتمعات ومعاهد ومراكز البحث الأكاديمى العالمية الكبرى. مؤتمرات دولية فيها الدنيا كلها حاضرة، الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، ومع ذلك نادرا ما تناولت ما أطلق عليه واضعو الأسئلة والموضوع هذا العالم المتعدد والأحرى عوالم الغرب المتعدد والمختلف وصانع التوافقات والتجانسات، والتقلبات فى عالمنا كله، وفى داخله. إذا سئلت لماذا لم تقارب موضوع المعايشة والإدراك للاختلاف أو التغاير، أو كيف يدركنا من خلال المعايشة هناك؟ يبدو أنه التعقيد والإشفاق على الذات، والخوف من المقاربات المبسطة، وربما التهوين من شأن خبرة المعايشة ذاتها، وربما الخشية من صعوبة تحويل ذاتية المعايشة، وبعض من إدراك الموضوعى داخلها وحولها، إلى تعميم مجنح وجانح معًا. وربما كان عبء الموضوع وتعقيده فرضا على الباحث تأجيله إلى مرحلة عمرية تدفع إلى كتابة مسار حياة باحث ومثقف مصرى، حيث يتداخل التاريخ الشخصى مع المهنى والخبراتى، تاريخ الذات ومحمولاتها من الخبرات والمعارف والجروح والآلام. التريث والرهبة وبعض الخوف من التعميم أو إطلاق أحكام القيمة حول هذا المكون من خبرة الحياة أو المعايشة، تشكل أحد كوابح الكتابة السريعة للخبرة المعاشة فى فرنسا، أو عن المؤتمرات الدولية التى شارك فيها الكاتب شأن بعض زملائه من الباحثين أو المثقفين المصريين أو العرب. عندما طلب منى أن أبدى ملاحظات أو آراء على أسئلة حول المعايشة فى الغرب قلت هل يمكننى أن أسائل الأسئلة أولًا؟ لأننى أشفقت وبوضوح على صانعى الأسئلة ومضمراتها من بساطة الأسئلة وعموميتها ووضوحها الخطر، من هنا قلت فليكن مدخلى إلى الموضوع هو طرح الأسئلة على الأسئلة، ومحاولة تفكيكها والكشف عن مضمراتها، قبل الدخول إلى محاولة مقاربة معايشة، أتصور أنها خطاب فى التبسيط أو الأحرى التسطيح. ثانيًا: مساءلة الأسئلة: محاولة لفهم الوضوح الغرب والآخر: شهادات وخبرات واقعية وأكاديمية وفكرية هو جزء من موضوع الحلقة فى خصائص الحضارة الغربية ووجوهها المتنوعة، وهى جزء من دورة التثقيف الحضارى حول "من أجل بناء الذات الحوارية والوعى الحضارى" طرحت فى أحد مراكز البحث فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية منذ أوائل القرن الحالى، ورأيت إعادة طرحها مجددا. الموضوعات عامة ومحملة بتواريخها الخاصة وتفاعلاتها المختلفة، والمصطلحات أو التعبيرات تنطوى على بعض من غموضها المجنح، وتعميماتها الحاملة لها. خذ اتساع موضوع خصائص الحضارة الغربية ووجوهها. والسؤال فى أى مرحلة تاريخية؟ وأية خصائص، وهل ثمة ما يطلق عليه خصائص تتسم بالثبات أم تتسم بالتطور أو التغير من مرحلة لأخرى فى تاريخ "الغرب" والعالم؟ والأحرى "العوالم"؟! وقد نفهم ونقبل مصطلح أو تعبير "ذات الحوارية" أو "بنائها"، وكأننا إزاء مماثلة بين التنشئة الاجتماعية أو السياسية على الحوار والنقد، والتربية على الحوار، وبناء المنازل والبنايات والمصانع، أو بناء البشر وفق عنوان كتاب حامد عمار ذائع الصيت، الذى جمع فيه محاضراته فى سرس الليان فى عقد الستينيات من القرن الماضى! حسن قد نقبل هذا التعبير الذى أصبح من مألوف الخطابين السياسى والصحفى المصرى حول "بناء" الإنسان المصرى، أو "إعادة بناء الإنسان المصرى"، وهو موضوع نمطى يعكس محاولة خطابية للسلطة والصفوة الحاكمة منذ السبعينيات فى عهدى السادات ومبارك والإخوان المسلمين لاحتواء بؤس مستوى الحياة والمعرفة ونوعية المصريين المعاصرين، من فرط التسلطية والفساد وتدنى مستويات التعليم والصحة والكفاءة، وشيوع اللا مبالاة، ووهن الانتماء الوطنى، والتخلف بالجملة. إنه تعبير/ كلاشيه خطابى ارتبط بالأزمات المتكالبة على السلطة والصفوة الحاكمة والمجتمع المصرى، بل والدولة ذاتها! ويبقى السؤال: ما المقصود بالوعى الحضارى؟ أى وعى وأى حضارة؟! هل هى الحضارة الغربية وفق ما هو شائع فى خطاب بعض الإسلاميين؟ أم الحضارة الكونية المعاصرة ومساراتها وتحولاتها؟ الوعى بتداخلها فى نسيج الحياة والثقافة والثقافات العربية الإسلامية؟ أم الوعى بالانخلاع عنها أو السعى إليه لدى بعضهم! الوعى عند أى لحظة تاريخية؟ هل الوعى بالحضارة العربية الإسلامية فى مراحل عزّها وألقها؟ أم الوعى بالحداثة المصرية والدولة الحديثة؟ هل الوعى بالحالة المصرية ومستويات التدهور المستمر والوهن داخلها فى عهدى السادات ومبارك، والإخوان وتراجع دور مصر الناعم فى الإقليم؟ خذ مثلا أسئلة أخرى ما الغرب؟ وما الحضارة الغربية؟ وعناوين كبرى من مثيل وتطور فكرة الغرب وفكرة العالم. ومعالم فلسفات الغرب وأفكاره الكبرى. إلى آخر الأسئلة والعناوين الكبرى بما فيها الغرب والآخر: شهادات وخبرات واقعية وأكاديمية وفكرية، وفق ما طرحه المركز. والسؤال الذى أطرحه هنا هل هذا النمط من الأسئلة والعناوين لا يزال صالحا لإنتاج فهم أو تفسير للهموم القديمة والمستمرة التى كانت تحملها هذه الأسئلة التى طرحها العقل المصرى والعربى فى سعيه لمعرفة أسرار تخلفنا التاريخى، وتقدم الآخرين المستمرين حول النماذج الأوروبية، وما يجمعها وما يمايز بينهما! هل ثمة غرب واحد مذَّاك وإلى الآن؟ قد يقال نعم وفق المصطلح الجيو/ سياسى والجيو/ دينى -المسيحى اليهودى-، والجيو/ ثقافى، وفق بعض المفاهيم/ المصطلحات الذائعة، وهل الشيوع الاصطلاحى أو المفاهيمى يعنى عدم مساءلة بعضهما! الغرب والآخر، والسؤال أى غرب وأى آخر؟! هل يمكن تعميم الاصطلاح المستعار من علم النفس، وإعطاؤه دلالة ومحمولات أكثر شمولا من بعض ذاتية الآخر/ الفرد/ الشخص إلى الآخر كمجموع كلى كما يشير التعبير. سؤال آخر: ما مدى تعبيرية الشهادات والخبرات الأكاديمية والفكرية عن إدراك متبادل بين "فرد"، وثقافات ومجتمعات متعددة يطلق عليها الغرب؟! ما معنى الآخر المختلف حضاريا وثقافيا منذ عقد السبعينيات من القرن الماضى، وحتى الآن؟ هل الآخر مختلف بإطلاق أو على نحو نسبى؟ فى أى المجالات والأبعاد يكون الاختلاف؟ هل فى نمط التفكير؟ هل فى القيم؟ هل فى التعليم؟ هل فى نمط الاستهلاك؟ هل فى نظام الزى؟ هل فى استخدام التقنية؟ أم فى إبداعها؟ أود أن أشير إلى أسئلة أخرى، ومنها تمثيلا لا حصرًا ما يلى: هل لا تزال بعض الثنائيات التاريخية فى أسئلة فكر النهضة لا تزال صالحة ودالة؟ هل لا تزال تحمل فى أعطافها بعضا من الوجاهة كما كانت فى الماضى؟ أم أن أسئلة عالمنا والثورة الصناعية الرابعة أصبحت مختلفة تماما؟ (للحديث بقية).